Friday 6th September,200210935العددالجمعة 28 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

محذراً ومبيناً خطر البدعة وأهمية السنة.. الشيخ العودة: محذراً ومبيناً خطر البدعة وأهمية السنة.. الشيخ العودة:
المبتدعة يعملون بما لم ينزِّل به الله سلطاناً
القرآن والسنة منهج المسلم والابتداع رمي لهما بالنقص

*إعداد: عبدالله بن ظافر الأسمري
لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد اكتمل الدين، يقول سبحانه وتعالى:{اليّوًمّ أّكًمّلًتٍ لّكٍمً دٌينّكٍمً وّأّتًمّمًتٍ عّلّيًكٍمً نٌعًمّتٌي وّرّضٌيتٍ لّكٍمٍ الإسًلامّ دٌينْا}، وإنك لتعجب من أقوام يبتدعون في الدين ما لم يأذن به الله، وما لم يرد في سنة، ظانين بذلك العمل أنهم أصحاب قربة من الله، وما علموا أن الجهل المختلط بالهوى إنما هو سبيل الهلاك.. وفي هذا الشأن ومع إطلالة شهر رجب، والذي يشيع فيه ما يسمى بعمرة رجب، أو المولد للاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرها من البدع وادعاء الخصوصية لبعض العبادات والأعمال الصالحات التي لا دليل عليها، بل هي من ظلمات الابتداع.. وفي هذا الشأن يتحدث «للرسالة» فضيلة الشيخ سليمان بن حمد العودة، والذي بين فضيلته خطر البدعة وآثارها على السنة، فإلى التفاصيل..
البدعة شرارة الخلاف وسوق المراء وبها تحصل الخصومة في الدين
منهج إلهي وسنة مكتملة
في بداية حديثه يبدي الشيخ سليمان العودة تعجبه من بعض أحوال المسلمين الذين يتركون الموروث النبوي إلى المبتدع فيقول فضيلته: يعجب المرء حين يلحظ فئاتٍ من المسلمين كلفوا أنفسهم ما لم يأذن به الله. واتبعوا شرائع وطرائق لم يعملها صفوة الخلق محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الأخيار، فابتدعوا في الدين، ولو كلفوا أنفسهم السؤال عن أصلها والهدف منها وما فيها من المغرم والمأثم لم عادوا إليها مرة أخرى، فليس الدين شهوة جامحة أو تقليداً أبله.. إنما هو الشرع الموحى والسنة الموروثة عن أولي البصائر والأخلاق والنهى «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».
إن الإسلام دين الله، والله تعالى أعلم بما يصلح للبشر ويقيم سلوكهم ويطهر قلوبهم، ولم يمت محمد صلى الله عليه وسلم إلا وقد أكمل الله دينه وأتم شريعته.
وكان من أواخر ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:{اليّوًمّ أّكًمّلًتٍ لّكٍمً دٌينّكٍمً وّأّتًمّمًتٍ عّلّيًكٍمً نٌعًمّتٌي وّرّضٌيتٍ لّكٍمٍ الإسًلامّ دٌينْا}.
وشرائع الإسلام وسننه كافية شافية، وليس يسوغ للمسلم كلما سمع صيحة هنا أو دعوة هناك تشبث بها حتى وإن كانت بدعة محدثة في الدين.. وحتى وإن كانت قصوراً عما صح وأمر به وفعل رسوله صلى الله عليه وسلم له.
فلابد للمسلم إذاً أن يستسلم لشرع وأمر رسوله ويسأل هل فِعْلُه الذي يفعل موجود في سنته صلى الله عليه وسلم أم عمل به سلف الأمة وخيارها؟
فإن لم يجد من ذلك شيئاً فلا يغتر بكثرة الهالكين، ولا يكن دليله أنه وجد الناس يعملون هذا العمل، فهو لهم تبع، فالله تعالى يقول:{وّإن تٍطٌعً أّكًثّرّ مّن فٌي الأّرًضٌ يٍضٌلٍَوكّ عّن سّبٌيلٌ اللّهٌ}. وقال تعالى:{وّأّنَّ هّذّا صٌرّاطٌي مٍسًتّقٌيمْا فّاتَّبٌعٍوهٍ وّلا تّتَّبٌعٍوا السٍَبٍلّ فّتّفّرَّقّ بٌكٍمً عّن سّبٌيلٌهٌ}، وينعى القرآن على الذين قالوا:{إنَّا وّجّدًنّا آبّاءّنّا عّلّى" أٍمَّةُ وّإنَّا عّلّى" آثّارٌهٌم مٍَقًتّدٍونّ}.
خطر وتحذير
وبعد أن أوضح الشيخ العودة خطورة الابتداع والبدعة بين فضيلته أهمية لزوم السنة وأنها دين الله الحق حيث قال: إن شأن البدعة عظيم، وأمر العبادة لا يسوغ من مجرد التقليد، ولزوم السنة والاتباع فضل من الله عظيم، ولخطورة البدع ما ظهر منها وما بطن اسمعوا ما قاله الأئمة الأعلام لتحذير الأمة من ضلالات الشيطان. يقول الإمام مالك رحمه الله: من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الدين، لأن الله تعالى يقول:{پًيّوًمّ أّكًمّلًتٍ لّكٍمً دٌينّكٍمً} فما لم يكن يومئذ دين لا يكون اليوم دنياً. ويقول سفيان الثوري رحمه الله: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها.
وذلك أن المبتدع يتخذ دينا لم يشرعه الله ورسوله، قد زين له السوء فرآه حسناً، فهو لا يتوب ما دام يراه حسناً، لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه، فالتوبة ممكنة لمن وفقه الله وهداه كما هدى الله الكفار وأصحاب الباطل الذين أبصروا ما هم عليه من الباطل ورغبوا في الحق.
وقد يسأل سائل ويقول: ما هي الظروف والأزمان التي تنتشر فيها البدع؟ ولماذا تتعلق بعض النفوس بالبدع والجواب: إذا انتشرت الجهالة بدين الرسل عليهم السلام بين الناس ونما زرع الجاهلية في نفوسهم وكثر الدعاة المبطلون واختفى أو قل دور الدعاة المصلحين سارعت الطباع إلى الانحلال من ربقة الاتباع، لأن النفس فيها نوع من الكبر فهي تحب أن تخرج من العبودية بحسب الامكان و كما قال أحد السلف: ما ترك أحد سنة إلا تكبراً في نفسه.
فهي تصير إلى البدعة كمخرج من تكاليف الشرع إلى ضروب البدعة والسُّنَّة هي الأعمال للنفس لديمومتها على ذلك حتى تلقى الله وهو راض عنها.. أما البدع فهي عبادات مؤقتة وهي لقاءات موسمية. وهي أحيانا اجتماعات عامة قد تطرب لها بعض النفوس المريضة وتظنها نوعا من القربة والمغنم، وهي في واقع الحال معصية ومأثم. والبدع كثيرة ومتنوعة، فمنها ما لا يتكرر في العام إلا مرة واحدة كبدعة المولد التي أحدثها العبيدون في مصر، والمسمَّوْن ظلماً بالفاطميين، ويقول عنهم ابن كثير رحمه الله: ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات.
فإذا كانت بدعة المولد وأمثالها من البدع من ترويج هؤلاء الضالين المضلين فأي خير يرتجى في هذه البدع؟ وكيف ساغ للمسلمين أن يتشبثوا بها إلى زماننا هذا، زمان العلم والمعرفة والوعي بتاريخ الأمة سلفاً وخلفاً. ومن هذه البدع بدعة القيام ليلة النصف من شعبان وتخصيصها بعبادات وأذكار وأدعية لم تر في الشرع المطهر ولم تُؤْثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الغر.
ومن هذه البدع بدعة الرجبية الذين يعظمون أياما أو ليالي من شهر رجب. ولاسيما ليلة السابع والعشرين منه إذ يزعمون أن ليلة الإسراء وقعت فيه ولم يثبت ذلك بنقل صحيح، ولو ثبت لكان مسوغاً لتعظيم الليلة أو غيرها من ليالي رجب، وهناك من يعتقد أفضلية بعضه على شهر رمضان.. وهكذا تفعل البدع بأصحابها.
وكذلك يصرف الشيطان الجهلة عن الفاضل إلى المفضول، وصدق من قال: لا تعمل بدعة إلا أبطلت سنة. وكذلك من البدع ما يتكرر في اليوم أكثر من مرة كبدعة النية في الصلاة حيث من أراد الدخول فيها فيقول: اللهم إني نويت أن أصلي كذا وكذا من الركعات لصلاة كذا، فيسميها.
أين؟ ومن قال ذلك من الصالحين والأئمة المهديين؟ هذا من ناحية النقل.
أما العقل فيسوغ أن تعلم أن الذي يعلم السر وأخفى يعلم أنك تصلي له كذا وكذا؟ إنها بدع متوارثة حري بالمسلم أن يسأل عن أصلها وحكمها.. وقمين به أن يقلع عنها إذا تيقن له الخطأ في فعلها.
{فّإن لَّمً يّسًتّجٌيبٍوا لّكّ فّاعًلّمً أّنَّمّا يّتَّبٌعٍونّ أّهًوّاءّهٍمً وّمّنً أّضّلٍَ مٌمَّنٌ اتَّبّعّ هّوّاهٍ بٌغّيًرٌ هٍدْى مٌَنّ اللّهٌ إنَّ اللّهّ لا يّهًدٌي القّوًمّ الظَّالٌمٌينّ}.
المفاسد والعواقب
(2) عّامٌلّةِ نَّاصٌبّةِ (3) تّصًلّى" نّارْا حّامٌيّةْ (4)} وتأمل قوله تعالى:{قٍلً هّلً نٍنّبٌَئٍكٍم بٌالأّخًسّرٌينّ أّعًمّالاْ (103) الذٌينّ ضّلَّ سّعًيٍهٍمً فٌي الحّيّاةٌ الدٍَنًيّا وّهٍمً يّحًسّبٍونّ أّنَّهٍمً يٍحًسٌنٍونّ صٍنًعْا (104)}.
ومن مفاسد البدع أنها للفرقة والخلاف، فتحيا شعارات الجاهلية وتنطمس أنوار الإسلام، إذ يحس كل فريق أن ما هو عليه هو الحق فتنشأ المحن والعداوات بين المسلمين، ولو اعتصموا بحبل الله واستمسكوا بشريعته المنزلة الجامعة لكان فيها أمان من الفرقة والخلاف.
قال تعالى:{وّاعًتّصٌمٍوا بٌحّبًلٌ اللّهٌ جّمٌيعْا وّلا تّفّرَّقٍوا} ، لا يقف الأمر عند الفرقة والخلاف مع ما فيها من شر وبلاء، بل يحتدم الجدل ويروج سوق المراء بين المسلمين، وتحصل الخصومة في الدين، ويضيع بها جزء من وقت المسلمين دون فائدة، قال قتادة رحمه الله في قوله تعالى:{وّلا تّكٍونٍوا كّالَّذٌينّ تّفّرَّقٍوا وّاخًتّلّفٍوا مٌنً بّعًدٌ مّا جّاءّهٍمٍ البّيٌَنّاتٍ}، قال (أهل البدع)، وتأملوا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وهديه إذ يقول: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل». ومن مفاسد البدع أنها تفسد الدين الصحيح، حتى يظن من لا يعرف حقيقة الإسلام أنه مجموعة من الخرافات والطقوس الفارغة، فينصرف عنه من يريد الدخول فيه، وهذا ما يريده ويخطط له الكافرون والمنافقون حتى يصدوا المسلمين عن الدين الحق ويشغلوهم بترهات باطلة وعقائد محرفة وبدع فاسدة. وهل يستطيع أرباب البدع مقاومة المبطلين، وهم في الباطل واقعون؟ وهل يستطيعون محاربة الشيطان وهم له متبعون؟ كتب عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إلى عدي بن أرطأة بشأن بعض القدرية يقول له: «أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وترك ما أحدث المحدثون فيما لم يجر به سنة، فعليك بلزوم السنة، فإن السنة إنما سنها من قد عرف، وفي خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعميق، فأرض لنفسك بما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم على علم وقفوا، وببصر ناقد كفوا، وهم على كشف الأمور أقوى، وبفضل كانوا فيه أحرى، إنهم هم السابقون، تكلموا بما يكفي، ووصفوا بما يشفي، فما دونهم مقصر، وما فوقهم محسر، ولقد قصر منهم قوم فجفوا، وتجاوز آخرون فغلوا، وإنهم في ذلك لعلى هدى مستقيم.
إنكار المنكر
ثم يختتم الشيخ العودة حديثه بقصة حدثت في زمن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كشاهد لموضوع أهمية الالتزام بالسنة وترك مالم ينزل به الله سلطاناً فذكر فضيلته القصة قائلاً: أخرج الدارمي بسند صحيح أن أبا موسى الأشعري قال لابن مسعود رضي الله عنهما: إني رأيت في المجلس قوماً ينتظرون الصلاة قد تحلقوا حلقات، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، هللوا مائة، فيهللون مائة، سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك. قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم شيء. ثم أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعونه؟ قالوا: يا أبا عبدالرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد. قال: فعدوا سيئاتكم، لأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم. هؤلاء أصحابه متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، والذي نفسي بيده أئنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو أبواب ضلالة؟ قالوا: والله يا أبا عبدالرحمن ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه.
هذه كلمات واضحة صريحة تكتب بماء الذهب لمن عقل ووعى، وهي نهي مبكر عن الابتداع في الدين، وهي تحذيرات من جيل الصحابة والتابعين، وليست نظرات وهابية كما تخيل الجاهلون وأصحاب الأهواء المبتدعون.
ودعا فضيلته إلى التأمل كيف يدخل الشيطان على الإنسان من باب القربة والطاعة حتى يبعده عن السنة والجماعة، ويرحم الله الإمام الشافعي وهو القائل: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الهوى، وقيل لسفيان بن عيينة رحمه الله: ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم؟ فقال أنسيت قوله تعالى:{وّأٍشًرٌبٍوا فٌي قٍلٍوبٌهٌمٍ العٌجًلّ بٌكٍفًرٌهٌمً}.
وقال أبو قلابة: لا تجالسوا أهل الأهواء، لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved