صدر كتاب «رجا بن مويشير ودوره في ضم الجوف لحكم الملك عبدالعزيز» للمؤلف محمد بن عبدالله السيف الطبعة الأولى 1422ه وهو من مطبوعات مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، يقع الكتاب في «175» صفحة ويزيِّن الغلاف صورة قلعة الطوير للمويشير.
ويفتتح المؤلف كتابه بمقدمة جاء فيها «ولقد كانت المناطق في شمال حائل قبل سقوطها وبالذات منطقة الجوف في وضع متذبذب إذ ظلت لسنوات طويلة في صراع مرير بين أمراء حائل وبين سلطة الشعلان، ولقد عانى أهالي المنطقة من جراء هذا الصراع وعدم الاستقرار الكثير من المتاعب والويلات، الأمر الذي جعلهم يتطلعون إلى اليوم الذي يتخلصون فيه من هذا الصراع، لينعموا بالأمن والاستقرار فما ان ترددت الأنباء بسقوط حائل حتى قام أهالي سكاكا يتزعمهم الشيخ رجا بن مويشير بالثورة على ابن شعلان والمناداة بضم الجوف إلى حكم ابن سعود.
وتأتي هذه الدراسة لتسليط الضوء على الجهود التي بذلها الشيخ رجا بن مويشير الذي يُعد بحق أحد أبرز رجالات منطقة الجوف في النصف الأول من القرن الرابع عشر بما كان له من أدوار سياسية مهمة إلى جانب انه كان أميراً على عشيرته»، ويستطرد بمقدمته «ثم ان ابن مويشير قد عاصر أحداث الملحمة التي صنعها المؤسس عبدالعزيز آل سعود، بل عايش عن قرب أحداث آخر العقد الثالث، عندها بدأت القوات السعودية تتقدم صوب حائل لذلك عمل جاهداً على ضم الجوف إلى سلطة الملك الموحد» جاء الكتاب في خمسة فصول:
الفصل الأول: عبارة عن «نبذة مختصرة عن منطفة الجوف» ناقش المؤلف فيها الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الجوف قديماً وحديثاً وما تمتاز به عن غيرها من مناطق المملكة لموقعها التجاري لكونها نقطة التقاء لكثير من قبائل الجزيرة العربية ولما تحتويه هذه المنطقة من آثار وكتابات نبطية موغلة في القدم إضافة إلى طبيعة أرضها الزراعية، ولكون تاريخ الجوف شيقاً وشائكاً في نفس الوقت فإن المؤلف استعرض سريعاً تاريخها القديم محاولاً عدم الخوض في جزئيات كثيرة تستحق الدراسة والبحث.
إلا اننا نلتمس له العذر لكون المؤلف يتحدث عن حقبة زمنية محددة ومرتبطة بالدور التاريخي الذي قام به الشيخ رجا بن مويشير كأحد أهم رجالات الجوف وزعمائها.
كما جاء في هذا الفصل أيضاً توضيح للتقسيمات الإدارية للمنطقة والتي تُعد مدينة سكاكا العاصمة الإدارية لها وفيها قصر الحاكم الإداري ويتبعها محافظتا دومة الجندل والقريات والعديد من المراكز التي تتبع لهذه المدن مثل طبرجل والعيساوية وقارا والنبك أبو قصر وزلوم وغيرها.
أما الفصل الثاني فجاء بعنوان «آل المويشير في الجوف» تناول بشيء من التفصيل تاريخ أسرة آل المويشير وما كان لها قديماً وحديثاً من دور مهم ومؤثر في التاريخ السعودي المعاصر، وما اشتهر عن أبنائها وما عرف عنهم من كرم وسخاء وشجاعة، موضحاً تاريخ استيطان هذه الأسرة في الجوف، الذي يعود إلى منتصف القرن الثاني عشر الهجري ومكانتها الاجتماعية ونسبها «المويشير في الجوف من الا ساعده من الروقة من عتيبة» وتناول في هذا الفصل سيرة وجهاد الشيخ رجا بن مويشير بالحديث بايجاز مختصر عن المواقف التاريخية والأحداث التي صاغها وعاشها أجداده الأوائل والتي تُعد اليوم جزءاً لا يتجزأ من تاريخ منطقة الجوف.
بدءاً من حسن بن سلامة الذي يُعد أقدم من وصل شيء عن أخباره كما يذكر المؤلف ودوره في الجوف ثم الشيخ حمد المويشير ومن بعده ابنه الشيخ ذباح المويشير الذي خلف والده في إمارته ورئاسته وورث عنه كرمه وسخاءه وكان له مناخ معروف يقصده الضيف وعابر السبيل وأبناء المنطقة ويجدون به ما يسد حاجتهم وعوزهم في زمن شحيح بالموارد ومتطلبات الحياة يُعرف ب«مناخ المويشير» فكان يؤثر على نفسه ويقدم لضيوفه قوته وقوت عياله، وتناقلت قصصه وأخباره ألسنة الرواة شعراً وحكاية ولعب دوراً سياسياً بارزاً في عصره وأورد المؤلف العديد من الأشعار التي تحدثت عن أدوار ومواقف أسرة آل المويشير.
وركز في الفصل الثالث والرابع على حياة الشيخ رجا بن مويشير ودوره السياسي والتاريخي بمنطقة الجوف وما قام به من دور مهم إبان دخول الجوف تحت حكم الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ، فتحدث عن مولده ونشأته والظروف السياسية التي أثرت على هذه الأدوار والتي أصبحت اليوم جزءاً من تاريخ المنطقة، وحدد دوره بعاملين مهمين هما قتله لمنصوب بن شعلان والثورة على سلطته والمساهمة في ضم الجوف لسلطة الملك عبدالعزيز آل سعود بمساعدة أخيه الشيخ حمد بن مويشير الذي ترأس الوفد الذي ذهب لمقابلة الملك عبدالعزيز والتفاهم معه من أجل تحقيق رغبتهما للانضمام إلى سلطته.
وقسَّم الفصل الثالث إلى ستة مباحث مولده ونشأته والظروف السياسية للجوف في عصره وسلطة آل رشيد على الجوف والصراع على الجوف بين آل رشيد وآل شعلان ودور الشيخ رجا بن مويشير في ظل هذا الصراع «القبض على منصوب بن شعلان وقتله واستيلاؤه على قصر الشعلان في سكاكا مقر السلطة» وقدوم سعود الرشيد لنصرة الشيخ رجا بن مويشير.
أما الفصل الخامس والأخير بعنوان «أبناء وأحفاد في خدمة الوطن» أفرده لتقديم أبناء وأحفاد رجا وحمد بن مويشير الذين عايشوا وسمعوا عن دور هذين الرجلين في تاريخ منطقتهم، وقرؤوا واستوعبوا سيرة المليك المؤسس وأدركوا عظم المسؤولية تجاه خدمة الدين ثم المليك والوطن.
قسمه لمبحثين آل رجا المويشير وآل حمد المويشير وهما أشبه بشجرة نسب لعائلة المويشير بالجوف مع استعراض بلمحة مختصرة عن كل فرد ينتمي إلى هذه العائلة الكريمة مولداً ونشأة وما يتبوؤن من مناصب إدارية في ظل حكومتنا الرشيدة.
واختتم الكتاب بأهم النتائج التي توصل إليها الباحث مع قائمة موسعة لمصادر الكتاب ومراجعه نلخصها بالنقاط التالية:
1 ظلت الجوف ولعقود طويلة تحت وطأة الصراع المرير بين آل شعلان وآل الرشيد بالرغم من انها دخلت ضمن رقعة الدولة السعودية الأولى والثانية.
2 تمكن آل الشعلان من بسط نفوذهم على الجوف عام 1326ه وذلك بعد مقتل عبدالعزيز بن رشيد في معركة روضة مهنا.
3 ساء الوضع الإداري بالجوف من جراء قيام آل الشعلان بتعيين مولى لهم يدعى «عامر المشورب» فشكاه الأهالي إلى النوري الشعلان وكان ممثلهم الشيخ رجا بن مويشير الذي ذهب إليه بمقر اقامته بدمشق وحاول اقناعه بعزله ولكنه لم ينجح.
4 أقدم الشيخ رجا بن مويشير على تخطيط وتنفيذ عملية قتل «عامر المشورب» وتخليص المنطقة من حكمه الجائر، الأمر الذي أزعج النوري بن شعلان ووجه قوة عسكرية لتثبيت سلطته بالجوف.
5 استنجد الشيخ رجا بن مويشير بأمير حائل الذي حضر على رأس قوة لمناصرة ابن مويشير ضد قوات الشعلان والقبائل المتحالفة معها وانتهى الأمر بسيطرة آل رشيد على الجوف.
6 انتهز النوري فرصة الخلافات بين آل رشيد واسترد جزءاً من الجوف.
7 في شهر صفر 1340ه سقطت حائل في أيدي القوات السعودية ودخلت تحت الحكم السعودي.
8 أرسل الشيخ رجا بن مويشير أخاه حمد إلى الملك عبدالعزيز يعلن رغبة أهالي الجوف بالانضمام تحت لوائه.
9 استجابة لرغبة الشيخ رجا المويشير أرسل الملك عبدالعزيز وفداً برئاسة الشيخ عساف الحسين يرافقه الشيخ حمد بن مويشير عام 1340ه ويُعد الشيخ عساف الحسين أول أمير لمنطقة الجوف من قِبل الحكومة السعودية.
10 أبرزت الدراسة ما لأسرة المويشير من أدوار سياسية واجتماعية مهمة على طول تاريخهم في المنطقة.
ولابد من تثمين الجهد الذي بذله الباحث «السيف» في كتابه المتميز والذي يعتبر بحق إضافة مهمة لتاريخ منطقة الجوف ومصدراً مرموقاً لكل باحث في التاريخ السعودي المعاصر، لذلك ننظر بعين الاحترام إلى النتائج التي وصل إليها موضوعياً في كتابه عن شخصية تاريخية وبارزة ولها دورها الكبير في سير أحداث المنطقة، إلا ان هناك ملاحظة مهمة يجب على المؤلف استدراكها بالطبعات القادمة وهي انه كان قرار ابن مويشير بضم الجوف إلى حكم الملك عبدالعزيز قبل سقوط حائل وليس كما ذكر المؤلف بأنه بعد سقوط حائل حيث أوفد أخاه الشيخ حمد على رأس وفد مكون من خمسة أشخاص بشكل سري لهذا الغرض وقبض عليهم من قبل قوات ابن رشيد غرب حائل ومعهم خطاب يوضح رغبة الشيخ رجا بن مويشير بضم الجوف إلى سلطة الملك عبدالعزيز، حيث أودع رئيس الوفد السجن ولم يخرج إلا بعد سقوط حائل، وقد أشار المؤلف إلى ذلك في مواقع أخرى من الكتاب، كذلك عدم نجاح ابن مويشير بإقناع الشيخ النوري بن شعلان على القيام بعزل منصوبة على الجوف يعود للخلاف مع ابنه الشيخ نواف الذي تشدد في ابقاء مولى الجوف رغم نصيحة والده الذي كان يدرك عدم تحقيق رغبة ابن مويشير، إضافة إلى الاشعار التي وردت ضمن الكتاب التي تضمنت الكثير من الأخطاء المطبعية وتداخل بعض أبيات القصائد مع بعضها مما أضعف قوة الرواية المعتمدة عليها قصة القصيدة في نظر القارئ.
وليت المؤلف أورد تعليقاً يوضح وجهة نظره عندما ذكر قصة «موزيل» كما علق على حادثة ابن كريع ليكشف مدى التناقض الكبير في نقل الحادثة من قِبل موزيل، هذا وسوف يكون لنا وقفة قريباً إن شاء الله مع هذا المؤلف لتناوله بالتفصيل والتعليق على ما جاء به، إيماناً منا بموضوعية الطرح وأمانة البحث، ولكم مني أرق وأجمل تحية.. والله ولي التوفيق.
عبدالعزيز الصقيري - الرياض |