محاربون مسلمون، أسلحة صينية، استخبارات باكستانية، وأموال أمريكية، كانت تلك هي المعادلة التي ألحقت الهزيمة بالاحتلال السوفيتي لأفغانستان في عام1989. آنذاك، تلقى عملاء الاستخبارات الباكستانية ملايين الدولارات من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي. آى. ايه.) لشراء أسلحة صينية، ثم قامت الباكستان بعد ذاك بتسليم الأسلحة لرجال حرب العصابات الأفغان ولفيلق الحرب«المقدسة» الذي ضم محاربين من كافة أنحاء العالم الاسلامي. والذي ألحق الهزيمةبالجيش السوفيتي في عام 1989.
الآن، يقول كبار المسئولين في الجيش والاستخبارات الأفغانية إن قناة الأسلحة الباكستانية-الصينية ذاتها جرى استخدامها لغرض مختلف: تهديد استقرار الحكومة الأفغانية الجديدة التي يرأسها حميد كرزاي، وتحدي الجيش الأمريكي في الصحاري والأجواء الأفغانية.
يقول المهندس علي، رئيس جهاز الاستخبارات الأفغاني (خاد)، «تعتبر الصين حليفا استراتيجيا للباكستان، وهما قادرتان على احضار مثل هذا النوع من الأسلحة للباكستان في أي وقت كي يمكن استخدامها ضد حكومتنا». و يضيف: «الصين لا تريد خلق مشكلات لنا، لكن الباكستانيين قادرون على خداع الصين، يمكنهم أن يقولوا للصين إن الأسلحة سيتم استخدامها لأغراضهم الداخلية، ثم يقومون باستخدامها لصالح الارهاب الدولي».
يقول تقرير استخباراتي أفغاني، إن «القاعدة» أعادت تجميع شتاتها في الباكستان وإنها تحاول شراء أسلحة صينية مضادة للطائرات، وتنال هذه الاتهامات الأفغانية أكثر من العلاقات الهشة أصلا بين أفغانستان والباكستان، وكليهما عضو رئيسي في التحالف الأمريكي ضد الارهاب.
في مؤتمر صحفي عقد الاسبوع الماضي في اسلام أباد، نفى الرئيس الباكستاني، برويز مشرف، تماما أن تكون باكستان قد قامت بمساعدة «القاعدة»، وقال في المقابل إنها أعادت تجميع نفسها داخل أفغانستان «بسبب ضعف الحكومة المركزية الانتقالية في كابول»، في رد فعل لذلك، قال وزير الدفاع الأفغاني محمد فهيم بغضب إن الاتهامات «غير صحيحة ولا أساس لها». وقال إن القاعدة قامت بجمع شملها داخل المناطق القبلية للباشتون التي تدعي كل من أفغانستان والباكستان تبعيتها لها، يقر مسئولو الاستخبارات الأفغانية بأنهم يملكون فقط تقارير حول محاولات «القاعدة» لشراء أسلحة صينية مضادة للطائرات، ويقولون إن عملية الشراء لم تتم بعد، ونفت الصين بقوة المزاعم الأفغانية حول تسليحها للقاعدة بشكل غير مباشر.
ويتفق استراتيجيون امريكيون وأفغان على أنه سيكون عملا غير بناء بالنسبة للصين الضلوع بأي شكل في تعاملات أسلحة مع الراديكاليين، ولدى الصين بالفعل مشكلة طويلة قائمة مع الاسلاميين في اقليم شينغيانغ بغرب البلاد، على الحدود مع أفغانستان، لكن تقول مصادر عسكرية أفغانية عليا - منها اولئك الذين شاركوا في الجهاد ضد السوفييت - إن العلاقة العسكرية الوثيقة للباكستان مع الصين تواصل تسهيل تدفق الأسلحة إلى داخل الاقليم، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى إحداث تغيير في مسار الحرب داخل أفغانستان، إضافة إلى ذلك، يقولون إن عناصر داخل جهاز الاستخبارات الداخلية القوي في الباكستان (آى.اس. آى.) ربما تكون تقوم بتهريب هذه الأسلحة دون علم أو موافقة أي من الصين أو الرئيس الباكستاني نفسه.
يقول الجنرال محمد اسلام مسعود، رئيس لجنة الدفاع والأمن الوطني في مكتب الرئيس الأفغاني «أعضاء جهاز الاستخبارات الداخلية الباكستاني اليوم هم نفس الأشخاص الذين قاموا من قبل بصنع القاعدة والطالبان».
ويضيف: «انهم سيحاولون بالتأكيد شراء صواريخ من الصين، لا أعلم إن كانت الصين حمقى لدرجة أن تعطي هؤلاء صواريخ، لكن تستطيع الباكستان أن تشتري الصواريخ لنفسها ثم تقوم باعطائها للارهابيين».
يشير التاريخ السابق والتحالفات العسكرية القائمة إلى أن الصين والباكستان لم يتجنبا تزويد الراديكاليين بالأسلحة، وخلال الفترة ما بين عام 1979 وحتى هزيمة السوفييت في 1989. قامت الباكستان بتهريب الأسلحة الصينية وغيرها إلى داخل أفغانستان، وتسليمها لسبعة أحزاب أفغانية وآلاف المحاربين من أنحاءالعالم الاسلامي، كان معظم هذه الأسلحة عبارة عن بنادق كلاشينكوف مشتراة من الصين، مصر، وبعض بلدان الكتلة الشرقية، غير أن الأسلحة الأكثر أهمية في تغيير مجرى الحرب كانت صواريخ تطلق من على الكتف صينية وأمريكية الصنع، وهي التي مكنت رجال حرب العصابات الأفغان من إسقاط المروحيات السوفيتية والقاذفات التي تطير على ارتفاعات منخفضة. يقول الجنرال مسعود، وكان بنفسه قائدا سابقا في حرب العصابات، إن الأسلحة الصينية كان لها دور حاسم، وأضاف «في البداية حصلنا فقط على كميات قليلة من بنادق الكلاشينكوف، لكن فيما بعد أعطونا قاذفات وصواريخ أرض-جو لإسقاط المروحيات والطائرات، وبعد تسلمنا لهذه الأسلحة، لحق الأذى بالتفوق الجوي للسوفييت، ورويدا رويدا كان فقدانهم للأرض لصالحنا».
تنفي الصين تزويد القاعدة بأية أسلحة، على الرغم من إقرارها بوجود علاقة استراتيجية طويلة المدى مع الباكستان لمواجهة الوجود السوفييتي في آسيا الوسطى، لكن وعلى امتداد العشرين سنة الماضية، قامت الباكستان بتطوير أهدافها الخاصة بسياستها الخارجية، وأنشأت علاقات وثيقة مع عدد من المجموعات المتشددة، بما فيها الطالبان، وحافظ جهاز الاستخبارات الداخلية الباكستاني على صلات وثيقة مع قيادة الطالبان إلى حين إعادة النظر فيها إثر 11 سبتمبر.
في أيامهم الأخيرة، تباهى الطالبان أنفسهم بأن لديهم معاهدة استراتيجية مع الصين، في اكتوبر الماضي، أبلغ القائد الطالباني القوي جلال الدين حقاني الصحفيين أن الصين «تمد يد العون والتعاون للطالبان، لكن شكل التعاون لا يمكن الافصاح عنه». وحينها، وصف المسئولون الأمريكيون التصريحات بكونها هراء»، وفي الاسبوع الماضي قال متحدث باسم الخارجية الصينية في بكين «الصين لم يكن لديها أي اتصال مع شبكة القاعدة الارهابية، ناهيك بالتأكيد عن صلات عسكرية».يقول إكرام سيحقال، وهو محلل دفاع باكستاني مقيم في كراتشي، «حجم التعاون العسكري بين الصين والباكستان أمر يحاط بسرية بالغة، تعتمد الباكستان بشكل كبير على الصين في تكنولوجيا الطائرات والصواريخ لكنها لا تعتمد عليها كليا»، الأمر الواضح هو أن الغالبية العظمى من الأسلحة التي غنمتها القوات الأمريكية والمتحالفة معها منذ سقوط الطالبان في نوفمبر الماضي كانت أسلحة صينية الصنع، كما يقول المسئولون العسكريون الأفغان، يقول المسئولون العسكريون الأمريكيون إنه لا تتوفر لديهم بيانات حول بلدان المنشأ للأسلحة، يقول العقيد روجر كينغ، الناطق العسكري الأمريكي في قاعدة باغرام الجوية، «لا علم لي بوجود أدلة لدينا حول تدفق مستمر للأسلحة إلى داخل أفغانستان». و أضاف «نحن نعثر على أسلحة جرى تخزينها داخل مستودعات، وعثرنا على بعض الأسلحة في حالة جيدة نسبيا، ولا يبدو عليها القدم، ما يمكن أن يشير إلى جهود لإعادة التزود بالسلاح».
رأي من الحدود
من قلعته على أطراف سبين بولداك، وهي مدينة على الحدود الجنوبية مع الباكستان، يقول النقيب محمد داوود من قوة أمن الحدود الأفغانية إنه موقن من أن الطالبان والقاعدة يتزودان من جديد بالسلاح في أفغانستان.وبوصفه قائد حرب عصابات سابق، تتوفر لدى النقيب داوود خبرة طويلة في التعامل مع جهاز الاستخبارات الداخلية الباكستاني وتلقي الأسلحة منه، ومما شاهده هو ورجاله، في حراسة الحدود الأفغانية، فأن الطالبان يتحصلون الآن على أسلحة أفضل بكثير، يقول داوود بأسى «مركباتنا هي نفس المركبات التي خلفها الطالبان وراءهم، وبنادقنا هي بنادقهم القديمة التي كثيرا ما تتوقف عن العمل». و يضيف «البارحة فقط، اكتشفت عيوننا دورية للطالبان قادمة إلى داخل البلاد، فقمنا بنصب كمين لها، لكن عند وصول الدورية، وجدنا أنهم يمتلكون سيارات أفضل، وبنادق أفضل، ولم يكن أمامنا من خيار سوى أن نتركهم لسبيلهم».
«كريستيان ساينس مونيتور» |