تحقيق هيفاء الشلهوب
بناتنا الصغيرات.. هؤلاء الزهرات اللاتي يملأن حياتنا عبيراً فواحاً يجعل أيامنا مورقة بكل جميل.. نظل ننتظر منهن كل شيء إلاّ أن يصبحن شيئاً ينغص حياتنا ويكدر صفوها..
كيف تتحول الوردة الجميلة إلى شوكة تدمي أجسادنا، ولماذا نهبهن كل حبنا وعطفنا فيكون حصادنا التململ منهن والضجر من «حرصنا» عليهن؟.
أعينوني.. يا قوم!
أم خالد التي توغلت في عقدها الرابع تمثل واحدة من أولئك اللاتي يجأرن بالشكوى من بناتهن، تقول بأسى وصوت منهزم جراء المعاناة: والله أرهقتني تربية بناتي، لم أعد قادرة على الراحة لا ليل ولا نهار حتى في نومي همومهن تطاردني وتؤرق مضجعي، بناتي كبرن وكبر الهم العظيم معهن وكبر الخوف الذي يمزقني عليهن، وهن «ولا هنا»، لم أعد قادرة على احتواء مشاكلهن، ففي كل يوم تظهر مشكلة ترغمني على التصرف معهن، لم أعد قادرة على المضي في خط واحد أو نهج معين في تربيتهن، ففي كل شروق شمس يظهر ما لم يكن بالحسبان.
وتواصل بحزن: ربيتهن كما ربتني والدتي على الطاعة والاحترام للكبير والقناعة بما قسم الله والرضا وحمده وشكره، سارت حياتي بأروع خطواتها حتى صرن على مشارف المتوسطة بدأت ألاحظ تغيُّراً في طباعهن، أصبحن يتذمرن كثيراً ويشتكين أكثر، يردن كل شيء ويطالبن بالحصول على أشياء لم أكن قد وضعتها في حسابي، قد يتساءل البعض ويقول أين والدهن، فأقول هو موجود ولكنه يرمي بكل شيء عليّ ولا يهمه سوى الأكل والشرب وتوفير المال، هو ميسور الحال وهذا ما يجعل البنات يتهمنني بالبخل لأنني لا ألبي كل طلباتهن، وحين أشتكي له يقول: لا تبخلي عليهن فكل ما أفعله لأجلهن.
أصابني الجنون من تصرفاتهن.. فهل من حل لذلك؟!..
أعصابي.. أعصابي
وتأخذ «أم سعد» مكانها في الحديث بضحكة لا يخفى ما يشوبها من أسى حيث تقول: والله لم أكن أتصور ان يخرج من بطني من يعاندني و«يرفع ضغطي» بناتي الثلاثة أصبحن مشكلتي التي تلازمني في حياتي، لم يعد يشغلني أمر مثلما تشغلني متابعتهن ومراقبتهن ولو أحسسن بذلك لأقمن الدنيا ولم يقعدنها، أصبحت مثل من يتسلل في آخر الليل ويمشي على أطراف أصابعه حتى لا يوقظ أهل البيت، رنة جرس الهاتف ترعبني فلو كانت صديقة لهن لا بد ان يحادثنها ولو اعتذرت لها بأي عذر وأقفلت الخط وعلمن ذلك بكين وغضبن ودخلن معي في أحاديث تصيبني بالإعياء «انتِ لا تثقين بنا.. لماذا الخوف من صديقاتنا.. اقفلي علينا علبة وأحكميها.. لماذا لسنا مثل فلانة وعلانة اللاتي يخرجن ويتفسحن وكل شيء لديهن» ولو سمحت لهن بالرد على صديقاتهن فإنني أمضي ذلك الوقت على أعصابي فهن لا يقفلن الخط إلا بعد إصابتي بالصداع!!.
جنون.. البنات!!
أما أم ريما فترمي باللائمة على «الطبق الفضائي» الذي تقول انه السبب في بعض السلوكيات السلبية لبناتها.
وتشير قائلة: كل ما يؤلمني هو تقليد بناتي للأزياء الغريبة التي يشاهدنها على الممثلات والمذيعات، لم تفلح كل محاولاتي في ثنيهن عن خياطتها بالذات ما يخص الحفلات، وجنون اللبس أصابني بالجنون وأذكر مرة انني الغيت نزهة كان من المقرر ان نقوم بها مع اخواتي واخوتي لأن إحداهن أصرت على الخروج بلبس يسمى «البدي» بحجة ان الجو حار، لم ترضخ لتهديدي حينما قلت لن نخرج وانتِ بهذه الصورة، لم يهمها إلا ان تنفذ ما تريد ولكنني قابلت عنادها بعناد أشد، ولا أعتقد ان ذلك حل فمازالت الخلافات على اللبس مشكلة بيننا.
وللفتيات رأي
وبمثلما كان للأمهات رأي، فإن للفتيات وجهات نظر أخرى، وهي وجهات نظر تنبع من كونهن ينتمين لجيل آخر غير جيل الأمهات، كما انهن يمررن بمرحلة عمرية حساسة تتسم بمحاولة البحث عن الذات.. وقد يكون الأسلوب تصادمياً مع رؤية الأمهات فتحدث الفجوة.
لا للتنازل!!
«لن أتنازل.. مادام ذلك في محيطي».. هذا ما قالته «مضاوي» ذات التسعة عشر ربيعاً.. هل من مشكلة إذا ارتديت ما يحلو لي أمام صديقاتي وقريباتي، ليس لبسي فاضحاً مقارنة بلبس غيري لمن هن في مثل سني، أحس ان والدتي تخنقني بتدخلها في لبسي وطريقة تصرفاتي وأعتقد انها تتمنى ان تتحكم فيّ بواسطة «ريموت كنترول».
وتكمل نورة بقولها: كرهت شيئاً اسمه «تنورة» فأنا أحس بأنني غير أنيقة عندما اجتمع بصديقاتي فكلهن يلبسن البنطلون والقمصان الرائعة إلا أنا «حسب رغبة والدتي» وكأنني بينهن عجوز هرمة.. أصبحت أتجنب مخالطة صديقاتي. أما وداد.. ونهلة.. ولينا فتجمعهن قرابة أسرية وهن يلبسن ما يردن ولكن بعيداً عن أعين آبائهن الذين يرفضون ما هو مخالف للعادات والتقاليد فحين يخرجن مع والدتهن إلى بيوت أقربائهن يكنّ قد لبسن البنطلون تحت التنورة وعندما يصلن يخلعنه وعند العودة يلبسنه.. ووالدتهن غير قادرة على ردعهن عن ذلك.
ثلاث شرائح جوال!!
إحدى الفتيات اعترفت بأنها تملك ثلاث شرائح جوال وانها تستخدم واحدة دون علم أهلها وذلك لأنهم كانوا يمنعونها من استخدام التلفون لمحادثة صديقاتها.. ويقلقها سؤال والدتها دائماً عن عدم اتصال صديقاتها بها فقد لاحظت انقطاعهن عن الاتصال.. وقالت انها تبرر ذلك بالقول: انا من طلب منهن ذلك حتى لا تغضبوا!!.
.. وسبع شقيقات!
أما «ندى» فتقول: أحمد رب العالمين بأننا سبع بنات وليس لنا أخ ومن هذا المنطلق فنحن نملك زمام الأمور في منزلنا وخارجه.. فوالدتي لا تستطيع منعنا من الخروج مع السائق بحجة من يرافقنا فوالدنا دائماً مشغول وهي يشغلها البيت واخواتي الصغار لهذا نحن نشعر بنوع من الحرية التي نمارس من خلالها أشياء بسيطة لا تعلمها والدتي ولا والدي مثل المرور على مطعم وشراء طعام أو الأكل فيه أو المرور على إحدى محلات السوبر ماركت وما إلى ذلك بالاتفاق بيننا «الأربع الكبيرات» حتى لا تحس والدتنا بذلك فتبدأ معنا في مشاكل كثيرة.
وتتحدث هدى ذات الأربعة عشر عاماً بصراحة ودون وجل وتقول: نعم أستمتع بعنادي لأمي وصدقيني لا أعرف لماذا، ولكن حصولي على ما أريد في النهاية هو مبتغاي فقط لا غير.
الحق.. مع من؟
قطعاً هناك فوارق تحدث بين الأجيال.. وهذه إحدى سنن الحياة.. لكن المجتمعات لا تبقى محافظة على هويتها إلا من خلال التمسك بقيمها وثوابتها.. والأمر على أي حال يحتاج مرونة ووعياً في التعامل، فالأناقة المحتشمة بين النساء والفتيات في أجواء بعيدة عن أعين الرجال لا تعيب المرأة في شيء، كما ان قلق الأمهات على بناتهن سلوك ينبع من الحب الذي يجب ان تتفهمه الفتيات بل ويجب ان يحترمنه ويسعين لرضا أمهاتهن بكل جهد..
وتبقى بعض السلوكيات الأخرى التي تحتاج إلى مزيد من التآلف بين أفراد الأسرة، كما تحتاج إلى الأب الذي يجب ان يكون دوماً قريباً من أسرته.. وهي عموماً سلوكيات غير مستغربة بحكم المرحلة العمرية التي تمر بها الفتاة.. وبمزيد من الحنان والرعاية والتفهم والحزم تسير الأمور في المسارات الصحيحة.. وتسعد الأسرة بالحياة الهانئة المتماسكة بين جميع أبنائها.
|