هيأت لي جريدة «الحياة» قراءة كتاب «طبائع الاستبداد» لعبد الرحمن الكواكبي «ت 1320هـ» حين أعادت طباعته ووزعته مجاناً هذا العام وكأنه يكتب عن زماننا، ومما استوقفني فيما كتبه عن «الاستبداد والدين» قوله «والعوام كما يقال عقولهم في عيونهم،يكاد لا يتجاوز فعلُهم المحسوس المشاهد، حتى يصح أن يقال فيهم: لولا رجاؤهم بالله وخوفهم منه فيما يتعلق بحياتهم الدنيا لما صلُّوا ولا صاموا..» وتصورت هذا الوصف وأنا حول المسجد الحرام حيث يطلق بائعو أشرطة الكاسيت العنان للأصوات لتزعج الناس سواء أكانوا مارِّين في الشوارع أم في مساكنهم، بل لا تكاد تنام إن كان قريباً من مسكنك محل بيع أشرطة كاسيت، فهم يستمرون في رفع أصوات مسجلاتهم إلى وقت متأخر من الليل، وأكثر هذه الأشرطة نحيب وترويع من الموت.
وكأن المسلم لو لم يخف الموت لما دخل في دين الله وهو وجه لما ذكره الرائد المصلح عبد الرحمن الكواكبي، فهل الإيمان من أجل الخوف من الموت؟ وأحياناً تسمع أشرطة بلهجة عامية سطحية، وكلها ترهيب وتخويف من الموت وأهواله، أما إن بحثت عن أشرطة تنوير وتثقيف ودعوة للمسلمين للاعتصام بالدين الذي يدعو المسلم للعمل للدنيا والآخرة كأنه يعيش أبداً أو يموت غداً، فلا تكاد تجدها، ولكن المهم هو أن يحدَّ البائعون من أصواتها المرتفعة لتقتصر على محلاتهم وبخاصة بعد الثانية عشرة ليلاً، مراعاة لراحة قاصدي بيت الله، أما ألا تسمع حول المسجد الحرام إلا مواعظ عن الموت وأهواله، فهو وعظ بالمحسوس، والاقناع بدين الله يكون بأنه دين دنيا وآخرة، وحياة وممات، لا دين رهبة من الموت، بل دين حياة في الأولى والآخرة.
وثاني الملاحظات حول البيت الحرام هو المياه التي تنهمر من المكيفات كالمطر فتؤذي المارة، فهي مياه ضارة صحياً تسبب أمراضاً معروفة، وهي إلى ذلك تسقط على الأرض فتُطير ما بها من أوساخ على ثياب الناس، ولا تكاد تخلو الأرض من البلل الناتج عن تساقطها، وأمر هذه المياه لا يحتاج إلا أن يصنع لها أصحاب العمائر تصريفاً يوصلها إلى مجاري المياه ليسلم الناس من أذاها.
وثالث الملاحظات عدم احترام الناس للنظافة حول المسجد الحرام، فبعد العشاء يتناثر الناس في جلسات عائلية في ساحات المساجد وبخاصة في ساحة باب الملك فهد، ولكنهم - للأسف - لا يكلفون أنفسهم حمل نفاياتهم الى الحاويات الموجودة في الساحات نفسها مما لا يليق بقداسة المكان.
ورابع الملاحظات أن بعض السعوديين لا يحترم المسجد الحرام فيأخذ زينته في اللباس كما يفعل إذا ذهب لعمله أو زيارة قريبة، فكثير منهم يذهب إلى الصلاة بثياب النوم أو هذه الثياب الأجنبية التي انتشرت في أسواقنا مما لا يلبسه الناس إلا في المنازل أو عند النوم، فهل هذا لائق بالمكان؟
وخامس تلك الملاحظات خلو المكتبات حول المسجد الحرام من الصحف العربية وغير العربية مع حاجة العُمّار إليها، ولا أعرف لماذا لا تتوافر الصحف في المكتبات وبخاصةٍ غير العربية منها.
للتواصل: ص.ب 45209 - الرياض: 11512 الفاكس 4012691 |