برنت سكوكروفت هو رجل حذر متأن محتاط بطبعه، كما كان قد اعتاد على أن يطرح رؤاه بشأن السياسة الخارجية مع الرؤساء الأمريكيين الجمهوريين بصفة خاصة، وذلك أثناء عمله كمستشار للأمن القومي في إدارتي كل من جيرالد فورد وجورج بوش الأب، و في الآونة الأخيرة يسأل سكوكروفت علانية الرئيس الحالي جورج بوش حول قضية شديدة الحساسية هى قضية العراق، وهو ما يعتبر تحدياً كبيراً لإدارة بوش، تحد يفوق في وزنه عملية شن الحرب ذاتها وتجريد صدام حسين من السلطة على السواء، لقد أعرب سكوكروفت عن مخاوفه بشأن الهجوم على العراق، وذلك في أحد مقالات الرأي بصحيفة وول ستريت جورنال وكان المقال بمثابة كرة مقذوفة أطلقت وسقطت في حديقة البيت الأبيض، و هذا المقال بما حمله من آراء يمحو أي شك في أن النقاش على المستوى الداخلي في الولايات المتحدة بشأن العراق قد بات أمرا ضروريا.
ويعد سكوكروفت هو ثالث شخصية جمهورية بارزة تتشكك في الآونة الأخيرة في الحكمة من وراء شن هجوم ضد العراق، فقد سبقه إلى ذلك كل من ديك أرمي والسناتور تشك هاجيل، ففى الأسبوع الماضي ذكر ديك أرمي أحد الزعماء الجمهوريين قائلا: إن استخدام القوة دون وجود استفزاز واضح يدعو لاستخدامها هو أمر ليس له مبرر. كما كان السيناتور تشك هاجيل قد أبدى ملاحظة ذكر فيها أن الرئيس الأمريكي قد فشل فشلاً ذريعاً في تدبير أمر العمل العسكري، بيد أن سكوكروفت كان أكثرهم لفتا لانتباه الجميع، ليس لكلماته القوية والحادة فحسب، ولكن بسبب قضائه فترة طويلة في العمل بإخلاص إلى جانب بوش الأب، وقد قال سكوكروفت في المقال المشار إليه ان العمل العسكري المزمع للإطاحة بصدام حسين «سوف يعرض للخطرالحملة العالمية المناهضة للإرهاب التي قمنا بحشدها على نحو شديد، بل قد يؤدي إلى تدمير هذه الحملة تماماً». وقد انشغلت واشنطن في التأمل والتفكير حول ما إذا كانت تلك التعليقات التي أوردها سكوكروفت تعكس رؤى بوش الأب أم لا، وربما كان التفكير على هذا النحو، هو مجرد اعتقاد مغلف بالرغبة من قبل أولئك الذين يعارضون شن الحرب ضدالعراق. إن أهمية مقال سكوكروفت لا تكمن في إفشائه لأشياء لم يكن هناك سبيل إلى معرفتها. بل تكمن أهميته أساسا في قدرته على الرد العميق على بعض الادعاءات الرئيسية المتعلقة بحالة حرب لم تحدث حتى هذه اللحظة، والتي يروج لها فريق بوش، خاصة ادعائهم بأن صدام حسين متحالف مع جماعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة. فلقد قام سكوكروفت على سبيل المثال بخرق ذلك الادعاء بقوله: إن الأدلة التي تشير إلى وجود رابطة بين صدام وبين المنظمات الإرهابية هي أدلة واهية، كما أن الأدلة التي تشير إلى علاقته بهجمات الحادي عشر من سبتمبر هى أدلة أكثر ضعفاً».
إن القضية ليست القول بأن صدام حسين لا يشكل تهديداً للولايات المتحدة ولمصالحها في الشرق الأوسط، فهو بلا مراء يشكل قدراً من التهديد، ولكن القضية هي كيف يمكن التصدي على أحسن وجه لهذا التهديد بعمل يوازيه دون الإضرار بأولويا ت أخرى. لهذا فإن سكوكروفت وغيره قد أوضحوا بجلاء شديد أن التعامل مع العراق هو مسألة شديدة التعقيد، فالتعامل مع الشأن العراقي ربما يؤدي إلى عواقب وخيمة و نتائج غير متوقعة وضارة في الوقت نفسه، ولا سيما إذا ما تعاملت إدارة بوش مع المسألة بشكل طائش.
وقد تمثلت استجابات إدارة بوش على تلك التعليقات المحذرة بشكل عام في مجرد القول بأن الرئيس ما زال يوازن بين الخيارات المطروحة أمامه، وأنه لم يشرع بعد في اختيار طريق الحرب لانه لم يقرر بعد أي الخيارات سوف ينتهج، ولكن على بوش ألا يتخذ القرار النهائي و ينتظر حتى إجراء محادثات مع الكونجرس ومع الأمة، إذ لم يعد يكفي تبسيط الأمور بالقول مراراً بأن صدام حسين هو رجل شرير، وهي المقولة التي جاءت على لسان كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي في مقابلة أجرتها معها محطة بي بي سي. ويذكر أنه منذ الحادي عشر من سبتمبر يبدي بوش قيادة قوية وحازمة أثناء أدائه لدور القائد العام. إن ما عليه أن يقوم به الآن هو أن يقاوم الإغراءات التى تدعوه إلى رؤية تعليقات سكوكروفت وغيرها من الشكوك والتساؤلات بوصفها مجرد انتقادات صادرة من جهة جانبية، فربما يكون بوش ومساعدوه لديهم من القدرة ما يمكنهم من القيام بأي عمل عسكري في أكثر أجزاء العالم تقلباً، ولكن عليهم أن يدركوا جيداً أن الأمريكيين قد وعوا الدرس، ذلك الدرس مؤداه أن الرؤساء الذين لا يحوزون منذ البداية على ثقة أمتهم فيما هم مقدمون عليه سوف يتعثرون لا محالة.
«نيويورك تايمز» |