Saturday 24th August,200210922العددالسبت 15 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

بعد التهديدات المستمرة بقطع المساعدات الأمريكية بعد التهديدات المستمرة بقطع المساعدات الأمريكية
هل تستطيع مصر الاستغناء عن المعونة الأمريكية؟
الخبراء المصريون يطالبون بقطع المعونة الاقتصادية الأمريكية لمصر
7 ،2 مليار دولار العجز التجاري المصري مع أمريكا والعجز المتراكم 8 مليارات دولار

* القاهرة مكتب الجزيرة عبدالله الحصري:
علت أصوات في الكونجرس يطالب فريق منها بإعادة النظر الشاملة في برنامج المساعدات الامريكية لمصر فيما يطالب فريق ثان بربط جزء من المساعدات بتوافق الدبلوماسية المصرية مع الدبلوماسية الامريكية بينما يطالب فريق ثالث بالمراقبة والمتابعة ورابع بخفض المساعدات او اعادة هيكلتها.. واستخدم البعض تعبير «إجراء عقابي» خاصة بعد ان كثر اعتراض مصر على مشروعات القرارات الامريكية في المحافل الدولية ونقدها لها علانية مما ادى الى احراج الادارة الامريكية نفسها امام الكونجرس في كل مرة يجري فيها بحث برنامج المساعدات الخارجية وحصة مصر منها.
من ناحية اخرى كثر عدد اصوات المصريين المطالبين بمقاطعة كل ما هو امريكي مما قد يهدد بقطع المعونة الامريكية لمصر.. ورغم ان امريكا تعطي مصر معونة سنوية بشروط محددة الا ان السياسة المصرية اعلنت بوضوح رفضها للسياسة الامريكية المتبعة حيال عدة قضايا في المنطقة منها فلسطين والعراق والسودان.
وتبلغ المساعدات الاقتصادية الامريكية لمصر 815 مليون دولار سنوياً، والعسكرية البالغة 3 ،1 مليار دولار سنوياً.
ومن هذا المنطلق عادت قضية المعونة الامريكية التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر منذ عام 1975م الى الواجهة واهتمام خبراء الاقتصاد بعد مرور 26 عاماً على بدء تطبيق برنامجها، وبعد مرور ثلاث سنوات على برنامج تخفيض قيمة المعونة بنسبة 5% سنوياً من المستوى الاساسي.. وفي ظل احتمال قيام امريكا بقطع هذه المعونة لأي سبب من الاسباب يتساءل عدد من الخبراء الاقتصاديين عن العوائد التي جناها الاقتصاد المصري من هذه المعونة، مقابل تلك التي تحققت للاقتصاد الامريكي، فعلى الرغم من مرور ربع قرن لم تزد الصادرات المصرية الى الولايات المتحدة على 1 ،0% فقط «720 مليون دولار» من اجمالي الواردات الامريكية بينما بلغت قيمة الواردات المصرية من الولايات المتحدة نحو 361 ،4 مليارات دولار، اي ما يشكل 5 ،17% من اجمالي الواردات المصرية.
وقد بدأت المعونات الامريكية لمصر عام 1975 بعد عودة العلاقات الامريكية المصرية، وتعدّ مصر ومنذ ذلك الوقت ثاني اكبر متلق للمعونة الاقتصادية الامريكية بعد «اسرائيل»، والتي تمنح من خلال صندوق الدعم الاقتصادي للولايات المتحدة الامريكية، وبلغ اجمالي المعونات الاقتصادية الامريكية التي تم انفاقها خلال فترة تطبيق برنامج التعاون الاقتصادي بين مصر والولايات المتحدة نحو 26 مليار دولار.
ولا تشمل المعونات الاقتصادية المعونات العسكرية التي تتلقاها مصر، والتي تبلغ نحو 3 ،1 مليار دولار سنوياً ويعدّ الجانب العسكري من اهم اهداف المعونة الامريكية، وهو ما يبدو واضحاً من خلال التركيز على اهمية التنسيق العسكري وضرورة الاشتراك في الترتيبات الامنية الامريكية في المنطقة، بالاضافة الى المناورات العسكرية المشتركة حيث تضمن قانون المساعدات الخارجية الامريكية لعام 1991 ضرورة اجراء مناورات النجم الساطع.
كما ان المعونة نفسها تتضمن نسبة تزيد على 60% مخصصة للجانب العسكري، ومنذ التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979 عُدّت مصر من وجهة النظر الامريكية اكبر حليف عربي في منطقة الشرق الاوسط، ولذلك فهي تحصل على اكبر مساعدة مالية بعد اسرائيل.. فخلال 25 سنة الماضية اي منذ عام 1975 وحتى نهاية العام الماضي 20000 تلقت مصر نحو 26 مليون دولار و313 مليون دولار مساعدات عسكرية.. كما قامت الولايات المتحدة ايضا بالغاء الديون العسكرية نهاية عام 1990 بعد تفجير ازمة الخليج الثانية على الرغم مما بذلته مصر من جهود لالغائها منذ العام 1983 دون اي استجابة من الادارة الامريكية.
وتعدّ المساعدات الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة سنوياً الى عدد من الدول اداة من ادوات السياسة الخارجية الامريكية يمكن اللجوء الى استخدامها عند الضرورة.. بل ان استمرارها يظل مرهوناً بمدى تجاوب هذه الدولة مع رغبات واشنطن، ومراعاتها لأسس السياسة الخارجية الامريكية ومصالحها واهدافها.. وتضع الولايات المتحدة شروطا على مصر تشمل النص على صلاحية سلع اميركية محددة للتمويل من المعونة وحصول الولايات المتحدة على حصة عادلة من اي زيادة في نصيب مصر من المشتريات الخارجية وربط المعونة بواردات امريكية وخبراء امريكيين، كما ان الصافي النهائي الذي تتحصل عليه مصر لا يزيد على ثلث اجمالي المعونة.
مكاسب الاقتصاد الاميركي
يمكن ادراك اهمية المعونة الاقتصادية التي تقدمها الولايات المتحدة للدول النامية بالنسبة إلى الاقتصاد الامريكي من خلال التشريع الذي سن لهذا الغرض.. فقد جاء في المرسوم رقم 403 للكونجرس الصادر عام 1950 بشأن التنمية الدولية: ان الهدف من المعونة الخارجية هو تشجيع وتنمية القوى الشرائية لشعوب البلدان المختلفة، كما يعدّ هذا الهدف جزءاً لا يتجزأ من محاولات تشجيع رأس المال الامريكي الخاص في البلدان النامية، ولضمان مستوى معين من التشغيل للاقتصاد الامريكي بصورة تدوير الاموال المخصصة في برنامج المعونات.
واعتماداً على ذلك يمكن النظر الى مكاسب الاقتصاد الامريكي من المساعدات المقدمة لمصر، فقد ساهم الانفتاح المصري على الولايات المتحدة في تعزيز الانفتاح العربي بشكل عام، وبالاضافة الى العوائد السابقة فان مصر شكلت مدخلاً للشركات الامريكية للسوق الافريقية من خلال انضمام مصر للكوميسا.. ويمكن القول ايضا ان العوائد التي حققها الاقتصاد المصري تعدّ قليلة قياساً بتلك التي حققها الاقتصاد الامريكي، وذلك للاسباب الآتية:
1- اتجاه جزء كبير من البرنامج الى دعم المزارع والمنتج الامريكي.
2 ان جزءاً كبيراً من البرنامج لم يتجه الى مساعدة الاقتصاد المصري على الدخول في صناعات التكنولوجيا المتقدمة التي تساعد على احداث نقلة تكنولوجية كبيرة في مصر مثل صناعات الميكروشيبس وتكنولوجيا المعرفة.
3 إن جزءاً لا بأس به من المعونة اتجه الى دعم مجموعة محددة من مجتمع الاعمال تعمل في قطاع الخدمات مثل السياحة وصناعات غذائية محدودة، ولم يتجه الى دعم اندماج مصر في الاقتصاد العالمي.
4 انفاق 4 ،7 مليارات دولار على خدمات الصحة وتنظيم الاسرة والزراعة والتعليم، وهي اموال انفق معظمها على مرتبات الموظفين، ومقار ووسائل انتقال ومقابل خدمات استشارية لمتطوعين اميركان.
وطبقاً لدراسة اعدها الدكتور «ديفيد الوشير» مدير مركز الابحاث الدولي في ولاية اوهايو الامريكية، وواحد من المتخصصين البارزين في الصناعات العسكرية فان مشتريات مصر من السلاح الامريكي خلال الاعوام العشرين الماضية من عمر برنامج المساعدات حققت للصناعات الامريكية المنافع الآتية:
1 تحقيق ارباح واجور للعاملين بالصناعات العسكرية بلغت 261 ،8 مليارات دولار بخلاف توفير 136 الف فرصة عمل سنوياً.
2 تحسين مناخ الانتاج والمزيد من الاستثمارات بمبلغ 900 ،7 مليارات دولار يرتبط بها توفير 102 الف فرصة عمل.
3 حقق الاقتصاد الامريكي فوائد ومنافع في صورة ضرائب ورسوم فيدرالية ومحلية للولايات قيمتها 098 ،4 مليارات دولار.
وتخلص الدراسة الى ان المنافع والارباح التي جنتها الولايات المتحدة خلال الاعوام العشرين الاخيرة بلغت نحو 3 ،20 مليار دولار بالاضافة الى توليد 238 ألف فرصة عمل سنوياً.
تخفيض المعونة
بدأ برنامج تخفيض المعونة منذ عام 1998 تحت عنوان «التحول من المعونة الى الشراكة».. وذلك بخفض تدريجي بمقدار 75 ،40 مليون دولار سنوياً ولمدة عشر سنوات.. ومن المتوقع ان تصل المساعدات الاقتصادية الامريكية في نهاية عام 2008 الى حوالي 5 ،407 ملايين دولار، من قيمتها الاصلية عند بدء تطبيق برنامج التخفيض، وهي 815 مليون دولار.
أهمية المعونة
أجمع عدد كبير من الخبراء على ان تخفيض المعونة لن يضر بالاقتصاد المصري، لأن المعونة تشكل 3% من اجمالي الناتج القومي قياساً بـ12% تقريباً عام 1979 علاوة على ان معظم المساعدات تنفق على سلع امريكية لاتحتاج اليها مصر في كثير من الاحيان.. وكذلك على مرتبات باهظة تدفع لمستشارين وخبراء امريكيين، لذلك فان تخفيض المعونة او حتى إلغاءها لن يؤثر في حركة الاقتصاد لأن الحجم الأكبر منها يعود الى الولايات المتحدة.. وعلى هذا الاساس تقدر مصادر مطلعة ان 70% على الاقل من اموال المعونة تعود الى الخزينة الامريكية.
الاقتصاد الامريكي هو المستفيد
ويعدّ الاقتصاد الامريكي هو المستفيد الاول سواء من خلال توريد السلع والمعدات الامريكية او من خلال تشغيل آلاف الموظفين وبرواتب عالية بينما كانت استفادة الاقتصاد المصري محدودة بدليل الازمات التي يعانيها بعد هذه الفترة الطويلة من التعاون والتدخل في الشؤون الاقتصادية والسياسية المصرية وبما يتناغم مع اهداف السياسة الامريكية في الشرق الاوسط والمرتبطة بعلاقة استراتيجية مع اسرائيل.. فبعد مرور 25 عاماً على برنامج المعونة، فإن حجم الاستثمارات الامريكية في مصر لا يتجاوز ملياري دولار، كما تتسم التجارة المتبادلة بين الجانبين بخلل كبير لصالح الولايات المتحدة، اذ بلغ العجز التجاري المصري معها نحو 696 ،2 مليار دولار عام 2000 بينما بلغ العجز المتراكم منذ عام 1995 نحو ثمانية مليارات دولار.
ويدلل الخبراء على مدى تدخل امريكا في الشؤون المصرية بإلغاء برنامج الاطفال المصري الشهير «بوجي وطمطم» ليحل محله برنامج «عالم سمسم» الذي تدعمه المعونة الذي يقدم ضمن خدمات سلسلة مطاعم ماكدونالدز في مصر.
وكشف تقرير لوزارة التخطيط المصرية عن ان حوالي 40% من المعونة الامريكية لمصر طوال السنوات الماضية الـ25 «ما يعادل 8 ،6 مليارات دولار من أصل 25 ملياراً» تذهب إلى شركات امريكية في صورة استيراد سلع وخدمات من امريكا لمعدات ومواد، كما ذهب مبلغ 7 ،5 مليارات دولار الى مشروعات بنية اساسية «طاقة ومياه وصرف صحي» و1 ،5 مليارات للخدمات الاساسية، مثل الصحة والتعليم والزراعة، كما خصص 9 ،3 مليارات من هذه المعونة الى برنامج استيراد حبوب من الولايات المتحدة، اما التحويلات النقدية فقد اقتصرت على 6 ،3 مليارات دولار استخدمت في برنامج الخصخصة.
واشار التقرير الى أن المعونة الامريكية لمصر سوف تخفض بنسبة 5% على مدار السنوات التسع القادمة، لتصل الى اقل من 50% من حجمها الحالي «400 مليون دولار بدلا من 815 حاليا» ويوضح التقرير الى انه سيتم تعويض اسرائيل عن المعونة الاقتصادية من خلال المعونة العسكرية، بحيث تضاف قيمة فاتورة المساعدات الاقتصادية نفسها الى المساعدات العسكرية، وهذا غير المعونات العسكرية الاخرى التي تحصل عليها اسرائيل من واشنطن مثل ال2 ،1 دولار التي حصلت عليها بعد توقيع اتفاق «واي ريفر» والمعونات الاخرى التي لاتنقطع عنها.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved