* القاهرة مكتب الجزيرة ريم الحسيني عثمان أنور علي البلهاسي طارق محيي:
الولايات المتحدة الأمريكية هي الخاسر الأكبر في توتر علاقاتها مع الدول العربية، وإن التعصب الأعمى ونفوذ اللوبي اليهودي سيقودان السياسات الأمريكية الخارجية إلى منزلقات خطيرة. هذا ما يؤكده المحللون السياسيون وخبراء الاستراتيجية في هذه الحلقة الأخيرة من ملف العلاقات الأمريكية العربية، حيث يرصد المحللون والخبراء مدى الخسارة الواقعة على الولايات المتحدة الأمريكية من جراء سياستها المتناقضة وتوتر علاقاتها مع الدول العربية وخاصة مع المملكة العربية السعودية ومصر باعتبارهما ركيزتين أساسيتين في المنطقة العربية.
***
يقول د. أحمد يوسف عميد معهد البحوث والدراسات العربية إنه في تقديري أن السياسة الراهنة للولايات المتحدة الأمريكية أصابها مس من الجنون، فهي لا تكتفي فقط بالضرب والاتهام على من تتصور أنهم خصومها رغم أنه لا توجد مبررات حقيقية على هذه الاتهامات، لكن أيضا هي تواصل شن هجماتها على الدول التي تربطها بها علاقات قديمة وهي دول صديقة مثل الدول العربية موضحاً أن هذا السلوك مرفوض جملة وتفصيلاً لأنه إذ يصيب المصالح العربية بالضرر الكبير فإنه يؤثر أيضا بالسلب على المصالح الأمريكية في المنطقة العربية.
وأضاف د. أحمد يوسف أن هذا السلوك الجنوني ناتج عن تركيبة السلطة الحاكمة في البيت الأبيض التي وصلت إلى الحكم في الانتخابات الأخيرة وهي مجموعة تنتمي إلى أقصى اليمين الأمريكي المتطرف «الأصوليين المسيحيين» والتي يربطها تحالف وثيق مع اللوبي الصهيوني الذي يخدم مصالح إسرائيل، وأن هذه المجموعة الحاكمة في واشنطن تمتلك رؤية للعالم تريد من ورائها تحقيق مصالحها ومصالح اللوبي الصهيوني التي هي بالطبع مصالح إسرائيل والرؤية التي تتخذها هذه المجموعة مبدأ لها هي أن الولايات المتحدة فوق الجميع وأقوى دولة في العالم، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تهدد الآن بضرب العراق دون وجود إثبات أو دليل قاطع على أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، ورغم أن العراق مستعد لاستقبال فرق التفتيش، ورغم أن بعض الدول الأوروبية والدول العربية كلها ترفض العدوان على العراق، ولا يوجد غطاء دولي يؤيد واشنطن في إصرارها على ضرب العراق إلا أنها مصرة على ذلك.. كما أن هذه الإدارة تسرب تقارير نوقشت في دوائر سياسية في وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» تقول إن المملكة العربية السعودية عدو للولايات المتحدة الأمريكية رغم العلاقات الوطيدة والتاريخية بين البلدين كما يصف التقرير المملكة بأنها دولة تمول الإرهاب الدولي وتدعم وتساند العناصر الإرهابية التي تضر بالمصالح الأمريكية.
وأوضح د. يوسف أن غرور القوة والتخبط في سياسة الإدارة الأمريكية يشكلان خطورة كبيرة على المصالح الأمريكية ذلك لأن اطلاق العنان للقوة المفرطة والمس الجنوني الذي أصابها سيؤديان إلى قدر هائل من عدم الاستقرار في المنطقة العربية وفي هذه الحالة ستصاب المصالح الأمريكية بضرر بالغ، وهو ما ستدركه هذه الإدارة قريباً.. ومن ناحية أخرى، يرى د. أحمد يوسف أن الحوار مع هذه المجموعة وللأسف الشديد لن يجدي ولن يجعلها تعدل عن تصورها وفكرها، لذا علينا أن نتدارك الموقف ونعرف أن الموقف العربي كله في أزمة وأننا بحاجة إلى توحيد الصف العربي وطرح خيارات استراتيجية مثلى تخدم مصالحنا المشتركة نتعامل من خلالها مع الإدارة الأمريكية.
وأشار د. يوسف إلى أنه من الواضح أن الإدارة الراهنة قد وصلت إلى السلطة في واشنطن ومعروف عنها أنها تنتمي إلى اليمين المتطرف ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر لتعطي هذه المجموعة الحق في أن تفعل كل ما تريده في العالم، وتعطي نفسها الحق في استخدام القوة هنا وهناك مع الدول التي تعارضها أو تقف في وجه مصالحها وبالطبع فإن أسلوب التفكير في هذه الإدارة متطرف وأعطاها وقوع التفجيرات لبرجي نيويورك وواشنطن المبررات والذرائع الواهية لتقوم بما تقوم به ولتعطي نفسها الحق في تغيير الأنظمة بدعوى أنها إرهابية أو تمول الإرهاب ولكننا نرى أن هناك اتهامات من داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وجهت للإدارة الأمريكية لأنها تقاعست في إحباط هذه التفجيرات ولم تسمع لتحذيرات الدول الصديقة.
مبررات واهية
ويرى د. يوسف أن كل ما يحدث الآن من هجمة على الدول العربية وكذلك المس الجنوني للإدارة الأمريكية وإفراطها في استخدام القوة هو ثمرة لإدارة موجودة بقيادة بوش الابن وتنتمي إلى اليمين المتطرف استغلت وقوع أحداث 11 سبتمبر وكأنها مكسب لها ليعطيها المبرر وهذا القدر من الجنون لتفعل بالعالم ما تريد فهي في البداية قد شنت حربا ضد الإسلام والمسلمين بدعوى أن هذا الدين دين يحض على الإرهاب وكانت هذه الهجمة قد بدأت بأفغانستان ومحاولة تقويض حكم القاعدة وطالبان لأن أسامة بن لادن هو من قام بهذه التفجيرات، وإن لم يوجد دليل قاطع حتى الآن على هذه التهم إلا أن الكثير من الدول صدقت أن الولايات المتحدة لديها الأدلة الكافية على إدانة تنظيم القاعدة وأن أسامة بن لادن هو الذي نظم لأحداث 11 سبتمبر إضافة إلى أن هذه الإدارة أصابها التهور عندما حاولت إعادة تجديد الصراع العربي الإسرائيلي هذا الصراع الذي تحظى فيه إسرائيل بدعم كبير من الإدارة الأمريكية الموجودة حالياً والتي يجمعها تحالف كبير مع اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة والذي يعارض عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية.
وأوضح د. يوسف أن الإصرار الأمريكي على ضرب العراق وتغيير نظام صدام حسين بل إن الإدارة الأمريكية صرحت أنه لا يوجد بديل إلا الإطاحة بصدام حسين، ثم محاولة الضغط الأمريكي على الحكومة المصرية في قضية حكم فيها القضاء المصري وهي قضية داخلية تخص الأمن القومي المصري، مع ذلك تهدد الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على مصر وتمنع المساعدات المالية المقررة للضغط في هذه القضية لأن المتهم فيها «سعد الدين إبراهيم» يحمل الجنسية الأمريكية، وكذلك تسرب الإدارة الأمريكية تقارير سرية مثل تقرير راند وتنشره الصحف الأمريكية والذي يصف المملكة العربية السعودية بالدولة العدو للولايات المتحدة، إضافة لإشاعة وتهيئة مناخ عام لأفراد وعائلات الضحايا في أحداث 11 سبتمبر لرفع قضية تعويضات ضد السعودية وبعض المؤسسات والبنوك السعودية في محاولة للضغط على المملكة العربية السعودية. هذه المحاور السابقة هي السبب الرئيسي في توتر العلاقات العربية الأمريكية.
إصدار خاطئ
مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: أغلقت أمريكا آذانها أمام كل النصائح المخلصة التي يوجهها لها أصدقاؤها وحلفاؤها فيما يخص المخاطر والتهديدات من جراء سياستها الرعناء تجاه المنطقة سواء حيال الدعم الكامل لإسرائيل أو ضرب العراق، ولا تعير واشنطن اهتماماً بكل النصائح فيما يخص اتخاذ موقف حاسم ومتسق مع قرارات الشرعية الدولية إزاء الاحتلال الإسرائيلي والقضية الفلسطينية بل لم تتوقف واشنطن عن توجيه الحملات المعادية وتوجيه النقد إلى السياسات العربية تحت مزاعم وحجج مختلفة ومن هذه الدول السعودية ومصر بالطبع لأنهما من أكبر الدول في المنطقة ولهما تأثيرهما في قلب العالم العربي وهذه السياسات الأمريكية الرعناء أثارت غضب الأصدقاء والحلفاء حتى في أوروبا بسبب تجاهلها قرارات الشرعية الدولية والقواعد والأعراف العامة للقانون الدولي ولحقوق الدول وسيادتها على قراراتها الداخلية والخارجية، فمن الغريب في السياسة الأمريكية أن تصر على الاستمرار قدماً رغم النصائح والتحذيرات في سياستها إلى حد التضحية بمصالحها الاستراتيجية مع دول المنطقة العربية وكأنها لا ترى أبعد من قدمها ولا تعرف سوى الانتقام الذي سيطر على تفكيرها عقب أحداث 11 سبتمبر برغم كل الدلائل القوية التي تؤكد عدم وجود علاقة من قريب أو بعيد بين الخلاف الأمريكي العراقي وما حدث في نيويورك وواشنطن وكان الأحرى أن تعالج أمريكا خلافها مع العراق بعيداً عن تداعيات هذه الأحداث، فتوجد مخاطر حقيقية قد تلحق باستقرار مناطق كثيرة في العالم إذا ما استمرت واشنطن رافضة الاستماع لنصائح الأصدقاء والحلفاء.
الخاسر الأكبر
ويرى كمال المنوفي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن السياسة الأمريكية لا تزال محكومة بفكر ومنطق ما بعد أحداث سبتمبر لأنها تريد أن تحكم العالم من خلال منطق محاربة الإرهاب والمتأمل لتطورات السياسة الأمريكية في الآونة الأخيرة يجد تذبذب التصريحات والمواقف الأمريكية التي تصل إلى حد التناقض بل والجهل بكيفية إدارة أكبر بلد في العالم تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة وقضية السلام في المنطقة وأصبحت أمريكا وسيطاً غير نزيه في عملية السلام بعد اعتبار أن ما يقوم به شارون ضد الفلسطينيين هو دفاع عن النفس ووصم المقاومة بالإرهاب وتشجيع شارون على القيام بمزيد من الأعمال العدوانية وبذلك فقدت أمريكا دورها كوسيط نزيه في عملية السلام وفقدت معه علاقاتها مع الدول العربية وخاصة السعودية وإذا قدر لهذه العلاقات أن تعود مرة أخرى ستحتاج إلى وقت طويل وعلى أمريكا أن تعي موقف الدول العربية والعلاقة معها والتي يجب أن تكون على أساس من التكافؤ والمصالح المشتركة وليس سياسة إملاء واستعلاء، ولكن في ظل سيطرة الجناح اليميني المتشدد على الإدارة الأمريكية مثل تشيني ورامسفيلد فإن العلاقات تزيد تدهوراً وتأزماً، كما أن هذه العلاقات المتأزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكل من المملكة ومصر الخاسر الأكبر فيها هو الولايات المتحدة لأن بقية الدول العربية سوف تتحسب في علاقاتها بأمريكا بعد ذلك خاصة إذا تم تنفيذ الضربة الموجهة للعراق ومضت الحملة الأمريكية ضد الدول العربية في طريق التصعيد ولاشك أن ما يدفع أمريكا هو اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل والانصياع وراء الدوائر الصهيونية واللوبي المسيحي الغربي لتشويه العلاقة مع الدول العربية لصالح إسرائيل، وهذه السياسات الخاطئة ستقود إلى خسائر سيتحملها الجانب الأمريكي نتيجة غرور القوة ووهم محاربة الإرهاب.
شد وجذب
ويرى الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن العلاقات العربية الأمريكية غالباً ما كانت تشهد هذا النوع من التوتر الموجود حالياً وليس صحيحاً أن هذه العلاقات بدأت تسوء أو تتوتر منذ 11 سبتمبر، فالحقيقة أنه حتى قبل 11 سبتمبر كانت هذه العلاقات تسير في مرحلة من التدهور خصوصا أثناء قمة كامب ديفيد الثانية في يوليو 2000م بين الفلسطينيين والإسرائيليين وكانت هناك اتهامات أمريكية للعرب بأنهم لم يقوموا بالدور المطلوب في الضغط على الفلسطينيين للقبول بالاتفاق وفي هذا الشأن كانت هناك تصريحات مصرية بأن عرفات لا يستطيع التوقيع على اتفاق حول القدس كما كانت هناك خطابات متبادلة بين سمو ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس بوش قبل 11 سبتمبر وبالتحديد في أغسطس 2001م أعربت فيها المملكة عن عدم ارتياحها للموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية والانحياز الواضح لإسرائيل.
وأضاف: بعد 11 سبتمبر تصاعدت مرحلة التدهور بعد صدور اتهامات أمريكية للعرب بالإرهاب وفي هذا الإطار وجهت اتهامات للسعودية بدعم الإرهاب وكذلك لسورية واتهامات لمصر بأنها لم تنضم للحملة الأمريكية ضد الإرهاب ومن وقتها بدأت العلاقات تسير إلى مزيد من التدهور ثم عادت الإدارة الأمريكية تعلن أن لها حلفاء استراتيجيين في المنطقة العربية خاصة السعودية ومصر وشهدت العلاقات معها بعض التحسن من خلال زيارات ولي العهد السعودي والرئيس مبارك لأمريكا ورحبت الإدارة الأمريكية بالمبادرة السعودية للسلام في الشرق الأوسط.
ومع تصاعد الأحداث في القضية الفلسطينية وتصاعد التوجه الأمريكي لضرب العراق في ظل معارضة عربية عادت العلاقات إلى مرحلة التوتر وظهرت أحداث تؤكد ذلك تمثلت في الحملة الإعلامية الشرسة على السعودية ورفع قضية ضدها من قبل ضحايا 11 سبتمبر وكذلك رفض زيادة المساعدات لمصر وتوجيه تحذيرات لسوريا وبعض الدول العربية بحجة دعم الإرهاب.
وأشار الدكتور عماد جاد إلى أن العلاقات بين أمريكا والعرب ماضية في طريقها ما بين الشد والجذب وإن كان معظمها يسير في إطار ممارسة الضغوط الأمريكية على الدول العربية بهدف احتوائها بما يتلاءم مع أجندة السياسة الأمريكية في المنطقة وتحقيق أهدافها وهذه هي سياسة أمريكا الجديدة في التعامل مع كل دول العالم إما معنا وإما علينا وقال إنه ليس صحيحاً أن الضغوط الأمريكية ضد الدول العربية تقف وراءها مؤسسات المجتمع المدني في أمريكا فقبل ذلك كانت هذه المؤسسات تفعل نفس الشيء وكانت الإدارة الأمريكية تبادر باحتوائها أما الآن فكل ما يحدث يتم بإيحاءات من الإدارة الأمريكية وبرضائها.
وحول مستقبل العلاقات الأمريكية العربية في ضوء الأحداث الجارية قال الدكتور عماد جاد إن السياسة الأمريكية تسير نحو ممارسة المزيد من الضغوط على العرب مما يمكن أن يدفع بالعلاقات لمزيد من التدهور إلى الحد الذي تصعب فيه السيطرة عليه في مرحلة من مراحله، فلن تقبل الدول العربية المحاولات الأمريكية المستمرة للتدخل في شؤونها الداخلية والتزرع بأسباب مختلفة من أجل هذا الغرض، والاستمرار في ذلك يمكن أن تنتج عنه ردود فعل عربية غاضبة بدأت بدعوات لسحب الأرصدة العربية من أمريكا ولابد أن تتراجع الولايات المتحدة عن هذه السياسة وتعلم أن الدول العربية لن ترضخ لضغوط تستهدف سياداتها وأن مصالحها في المنطقة مهددة إذا استمرت هذه السياسة.
|