للموت وقع على نفوس من يقع فيهم ويختار أحدهم وإن الأمم تصاب بموت قادتها وعلمائها وأعظم مصيبة حلت على أمة الإسلام هي انتقال نبيها - صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى وكل مصيبة وقعت على هذه الأمة تهون عند هذه المصيبة.
كذلك الدول تصاب برحيل زعمائها في جميع المجالات ونحن كدولة سعودية حلت بنا مصائب جسام بفقدان ملوك عظماء رحلوا إلى رحمة الله جلت قدرته. في الأعوام الأخيرة تتابعت علينا المآسي بوفاة علماء هزت أنباء موتهم العالم الإسلامي بأكمله فبكتهم حلقهم ومنابرهم وأقلامهم. في ثنايا هذه الأعوام حانت آجال أمراء كرام على أسرهم ومجتمعهم بأسره بما لهم من أياد فياضة بقيت بصماتهم على أسر عديدة بما أدوه من أعمال شاهدة لهم لا عليهم.
الموت واقع على كل نفس لا يفرق ولا يختار فالكل فيه سواء حيث يقول جلت قدرته: {كٍلٍَ نّفًسُ ذّائٌقّةٍ المّوًتٌ} ويقول تعالى {إنَّكّ مّيٌَتِ وّإنَّهٍم مَّيٌَتٍونّ} وليس منه مفر ولا مهرب وكل مهروب منه يكون خلف الهارب ما عدا الموت فإنه يلاقيه ويكون أمامه كما قال تعالى: {قٍلً إنَّ پًمّوًتّ پَّذٌي تّفٌرٍَونّ مٌنًهٍ فّإنَّهٍ مٍلاقٌيكٍمً } إن ما يعز على النفس البشرية فقدان الأبناء ومما يزيدها لوعة وحسرة هو تجدد أحزانها عاماً تلو الآخر وهو أكبر بلاء وامتحان من الله للوالدين فإذا حمدا الله الذي لا يحمد على مكروه سواء واحتسبا وصبرا فبشرهما بالاجر من الله بغير حساب يقول تعالى: {إنَّمّا يٍوّفَّى الصَّابٌرٍونّ أّجًرّهٍم بٌغّيًرٌ حٌسّابُ } ليس هناك صبر على مصيبة إلا بكظم حزنها وكتمه داخل النفس التي لها طاقة لقوة الاحتمال محدودة إذا تجاوزتها بان أثرها على الجسد فيعقوب -عليه السلام- فقد بصره وأسماء -رضي الله عنها- تفجر صدرها من كتم حزنها على ابنها- رضي الله عنه-.
إنني لا أقول لهؤلاء الأفذاذ من الآباء والأمهات اجعلوا قلوبكم أحجاراً قاسية لا تؤثر بها الأحداث، بل أقول لا تضغطوا على أعصابكم وتحرقوا أفئدتكم بالأحزان بل فجروها واجعلوا منها أنهاراً جارية ليس بالدموع بل بالإحسان الذي سيتكون منه بحيرات أجر وثواب تعود على أمواتكم -بالرحمة والغفران- وعلى أحيائكم بالصحة والعافية وطول العمر - إن شاء الله- واستثمروها كل على حسب مقدرته في مجال الخير والرحمة والشفقة على أرامل لأزواجهم فقدوا، وموظفين بوظائفهم جمدوا، ومديونين بحقوق الغير أسروا، بتفريج كرب المكروبين، وإغاثة الملهوفين، بإنشاء المساجد والمدارس أو المشاركة فيها، وبمعالجة مريض استعصى مرضه بهذا سترتفع أكف الضراعة إلى الله سبحانه في ظلام الليل بأن يرحم أمواتكم ويطيل آجالكم وأولادكم ومن تحبون فرب داع من هؤلاء تستجاب دعوته حيث ينبع دعاؤه من قلبه تصحبها دموع الضراعة.
وعليكم بذكر الله وجعل ألسنتكم رطبة به قال تعالى: {أّلا بٌذٌكًرٌ اللّهٌ تّطًمّئٌنٍَ القٍلٍوبٍ} بهذا ستصفو قلوبكم من شوائب الكدر بإذنه تعالى وستمتلئ بالسكينة والاطمئنان وتخلو من الأحزان. الكيّس من جعل من الموت عظة وعبرة وأنه باب كلنا سيدخله وكأس كلنا سيشربه وطريق كلنا نسير عليه وإن تخطاني اليوم فسيأتيني غداً وما الحياة إلا اللحظة التي أنا بها فإذا مضت فكأنها لم تمر بي ولست أدري هل نفسي الذي أستنشقه سيخرج من صدري أم أنه سيبقى. علينا مراجعة أنفسنا ومحاسبتها فيما عملنا ومراقبة الله فيما سنفعله فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا والكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
أسأل الله جلت قدرته أن يتقبل الراحلين ويسكنهم فسيح جناته وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان والمثوبة والغفران. إنا لله وإنا إليه راجعون. والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|