Wednesday 21st August,200210919العددالاربعاء 12 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الوضع القانوني للأماكن المقدسة داخل القدس وخارجها الوضع القانوني للأماكن المقدسة داخل القدس وخارجها

* خدمة الجزيرة الالكترونية:
لما كانت القدس مدينة أماكن مقدسة تبجلها الديانات الثلاث، الإسلامية واليهودية والمسيحية، فقد تراكمت ذخيرة كبرى من الحقوق والامتيازات والتقاليد المتعارف عليها لأتباع كل ديانة بصدد الوصول إلى شتى الأماكن المقدسة داخل القدس وخارجها للتعبد فيها. واتفق في بعض الأوقات، وعلى سبيل المثال في منتصف القرن التاسع عشر، أن أدى التنازع بين الطوائف المسيحية المختلفة على حقوق كل منها في كنيسة القيامة إلى صعوبات سياسية خطيرة بين الدول الأوروبية. وثار نزاع حاد بين اليهود والمسلمين بشأن وصول اليهود إلى حائط البراق وتعبدهم عنده مما أدى إلى تشكيل لجنة بريطانية ملكية سنة 1930. وفي وثيقة الانتداب سنة 1932 كانت دولة الانتداب مسؤولة بموجب المادة 13، ضمن مسؤوليات أخرى، عن «تأمين حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة.. وحرية ممارسة العبادة..» وكانت هذه المسؤؤلية «أمام عصبة الأمم دون سواها». وبالمثل نصت المادة 15 على أن دولة الانتداب «عليها أن تكفل حرية الضمير وحرية ممارسة كل صور العبادات، دون أي قيد سوى صيانة النظام والآداب العامة ضمانا للجميع».
ونص القانون المقترح لمدينة القدس «الجزء الثالث ج» من مشروع الأمم المتحدة للتقسيم المقترح في تشرين الثاني 1947م على أن سلطة الإدارة أي مجلس الوصاية، يجب عليها «أن تحمي وتصون المصالح الروحية والدينية الفريدة لديانات التوحيد الثلاث العظمى في جميع أنحاء العالم، اليهودية والمسيحية والإسلامية، وعليها في سبيل هذه الغاية أن تضمن استتباب السلام لاسيما السلام الديني في القدس.
وفي قرار الجمعية العامة في 9 كانون الأول 1949م رقم 303 «4» كرر هذا الاقتراح وهو:
إن القدس يجب أن توضع تحت نظام دولي دائم يتوخى ضمانات مناسبة لحماية الأماكن المقدسة داخل القدس وخارجها. وكان المقصود أن تضم القدس بيت لحم، بين ما تضم.
ومنذ نهاية الانتداب سنة 1948م عرضت إسرائيل فكرة «التدويل الوظيفي» معارضة بذلك مقابلة التدويل الاقليمي، وبموجب تلك الفكرة تخضع الأماكن المقدسة وحدها لقدر من الإشراف الدولي دون تدخل في سيادة الدولة الاقليمية.
واعتبرت هذه مناورة لتجنب تطبيق اقتراح الأمم المتحدة بجعل القدس كياناً منفصلاً في وقت مناقشات الأمم المتحدة السابق على قبول عضوية إسرائيل في آيار 1949.
ويمكن تبين الاقتراح الإسرائيلي وصلته بفهم إسرائيل وضع القدس القانوني في بيان أدلى به وزير الخارجية موشى شاريت أمام الكنيست في حزيران 1953 جاء فيه «لا نرى تناقضاً إطلاقاً بين سيادة إسرائيل في القدس الجديدة واستيفاء الشروط الدولية المتعلقة بالأماكن المقدسة الواقعة فيها. ومن حيث أنه توجد هنا مشكلة عملية يتعين حلها، فإنها لا يمكن أن تحل إلا على أساس تمييز واضح بين وضع القدس باعتبارها مدينة وعاصمة، ووضع الأماكن المقدسة».
والواقع أنه منذ حرب حزيران 1967م وصدور قانون حماية الأماكن المقدسة الإسرائيلي في حزيران 1967 تعتبر إسرائيل نفسها «الحارسة الحالية» للأماكن المقدسة في المدينة القديمة وتقبل التعاون مع زعماء الطوائف الدينية الثلاث، ويتعامى هذا الموقف عن وضع إسرائيل القانوني في تلك المنطقة، أي كونها دولة احتلال أنكرت حينها أي ضم للمدينة القديمة هي وضواحيها المحدودة. وهذا طبعاً رد على أي اقتراحات بوضع المدينة كلها تحت نظام دولي باعتبارها كيانا منفصلاً متمايزاً عن دولتي إسرائيل والأردن.
وتعتبر مسألة الأماكن المقدسة بالنسبة إلى إسرائيل موطن ضعف في ادعائها أن القدس مقدر لها بناء على أسباب تاريخية ودينية أن تكون عاصمة الدولة اليهودية ومركزها الديني إلى الأبد. وليست دعاوى إسرائيل الدينية فريدة في نوعها، بل يقاسمها إياها الدينان الآخران منذ زمن طويل، مع ملايين كثيرة من المؤمنين في العالم الحاضر ويركز المدافعون الاعتذاريون عن إسرائيل كثيرا على عيوب النظم الدولية. ويشيرون إلى أحكام قانون حماية الأماكن المقدسة لسنة 1967م والسياسة الإسرائيلية القاضية بتأمين حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة التي تسيطر عليها إسرائيل الآن وحرية العبادة فيها. أما الذي يغفلون الإشارة إليه فهو أن إسرائيل لا تملك سيادة اقليمية اطلاقاً على الأقل بالنسبة إلى المدينة القديمة حيث توجد أغلب الأماكن المقدسة وأهمها، وكل ما تملكه هو وضع دولة احتلال بسلطة محدودة مؤقتة مقيدة بالالتزامات القانونية المفروضة عليها بمقتضى تنظميات لاهاي لسنة 1907 ومعاهدة جنيف «الرابعة» لسنة 1949م. ولا يعد رداً قانونياً شافياً أن يعرض الأخذ بمذهب التدويل الوظيفي «للأماكن المقدسة بالاشتراك» مع الطائفتين الدينيتين الأخريين. فإن ذلك الاقتراح يطمس وضع إسرائيل القانوني الحقيقي في تلك المنطقة وتتخلص بطريقة ملتوية من قضية وضع المدينة القانوني برمتها. والواقع أن اقتراح إسرائيل بصدد الأماكن المقدسة يعامل قضية وضع مدينة القدس القانوني وكأنه صفي بالفعل لصالح إسرائيل. والحق أن دعوى إسرائيل ترتكز على الجمع بين الأمر الواقع والادعاء بمطالب دينية من حق اليهود وحدهم مع تجاهل مطالب أديان التوحيد الأخرى «الإسلام والمسيحية» والذي يميز موقف إسرائيل الرسمي أنها تعتبر القدس كلها، والأرض التوراتية كلها، إرثاً يحق لها وحدها، متعامية عن الوجود التاريخي والارتباط الديني لديانتين أكبر من اليهودية، وعن واقعة تاريخية ثابتة هي عدم وجود أي طائفة يهودية كبيرة العدد في أي من تلك المناطق من سنة 135م إلى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر. ولا يعتد الآن كثيرا بوعد بلفور سنة 1917م الذي تضمن الحفاظ على الحقوق المدنية والدينية جميعاً للطوائف غير اليهودية في فلسطين.
وأدرجت تلك السياسة في وثيقة الانتداب سنة 1922م وحوفظ عليها في مشروع الأمم المتحدة للتقسيم سنة 1947.
ومنذ سنة 1971 عبرت اليونيسكو عن قلقها بشأن الحفاظ على المواقع في المدينة القديمة. وفي سنة 1972م وافق المؤتمر العام لتلك المنظمة على قرار «يطلب على وجه الاستعجال» فيه من إسرائيل:
أ. أن تتخذ الإجراءات الضرورية للحفاظ الدقيق على كل المواقع والمباني والعقارات الحضارية الأخرى.. ولا سيما مدينة القدس القديمة.
ب. أن تمتنع إسرائيل عن إجراء أي حفريات تنقيباً عن الآثار.. وعن نقل المعالم الحضارية وعن أي تغييرات في سماتها وطابعها التاريخي، ولاسيما بالنسبة إلى المواقع الدينية الإسلامية والمسيحية.
وما زالت إسرائيل تتجاهل هذا القرار، وتصر حتى الآن على رفض كل المقترحات المتعلقة بمشروعات شتى بشأن «تدويل» القدس أو المدينة القديمة، أو بشأن استقلال مبان أو مواقع دينية معينة عن سيادة أي دولة.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved