فوجئت مؤخراً بنبأ وفاة الدكتور محسون بهجت جلال الاقتصادي السعودي الأول ومع يقيني أن الموت حق وأنه المصير فقد تأثرت كثيراً لرحيله، وتعود معرفتي بالدكتور محسون - رحمه الله- إلى سنوات مضت عندما عملت بعد تخرجي من الجامعة وفي مطلع حياتي العملية بمركز الأبحاث والتنمية الصناعية بالرياض التابع لوزارة التجارة والصناعة الذي أنشئ بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة ويمثلها خبير منتدب موجود في المركز اسمه الدكتور عثمان، وكان الهدف من المركز إنشاء المناطق الصناعية بالمملكة وتطويرها التي استبدلها معالي المهندس عبدالعزيز الزامل وزير الصناعة السابق بالمدن الصناعية.
ونشأ الدكتور محسون جلال وترعرع في مكة المكرمة وكان والده يملك محلاً لإصلاح الراديو والمسجلات مع ندرتها في ذلك الوقت ولطالما تفاخر بذلك، ومن هذا البيت البسيط نشأ ذلك الاقتصادي الفذ الذي يملك شخصية نابغة في علمه وآرائه الاقتصادية الجريئة -وقتها- وكان يتعاون مع مركز الأبحاث بالإضافة إلى عمله الأساسي مدرساً لعلم الاقتصاد بجامعة الملك سعود وأعجبت بشخصيته وأفكاره مع فارق التخصص وأول ما لفت الانتباه إليه محاضرة ألقاها في الرياض بعنوان «الهنود الحمر والبترول» وقد تحققت معظم توقعاته عن مستقبل البترول وعندما افتتح أول مكتب استشاري للدراسات الاقتصادية في الرياض كنت أزوره خلال الفترة المسائية بعدها تعاونت معه في المكتب للإشراف على الدراسات الفنية ومن خلاله تعرفت على العديد من رجال الأعمال ومنسوبي الجامعة ومن أبرزهم زميله وصديقه معالي الدكتور غازي القصيبي الذي كان يحضر للمكتب أحياناً، ومن الدراسات التي أعدها المكتب وشاركت في وضعها المواصفات الفنية لنظافة الحرم المكي الشريف بطلب من الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وللدكتور محسون عدد من المؤلفات القيمة أبرزها «زراعة البترول» الذي قدم له الدكتور غازي القصيبي.
وكنا نلمس من الدكتور محسون جلال - رحمه الله- حبه وإخلاصه لعمله وتواضعه الجم وتعامله الحضاري بصفة عامة ومع طلابه بصفة خاصة ولمست ذلك عندما طلب مني إلقاء درس في الجامعة عن SLIDEROLL وكانت شائعة وقتها وتستعمل من قبل المهندسين والفنيين لعدم وجود آلات حاسبة وكمبيوترات شخصية فقد كان أصغر جهاز كمبيوتر بحجم الغرفة وتوجد لدى الدوائر الحكومية.
اقام - رحمه الله- عدداً من المشاريع الصناعية وكانت فلسفته أن الصناعة هي أساس الاقتصاد وأما «الفرقعات» أو الصفقات التي نتجت عن الطفرة سواء كانت عقارية أو غيرها لا تبني اقتصاداً متيناً، وتولى منصب رئيس مجلس إدارة البنك السعودي التجاري المتحد وكان يسميه بنك الفقراء.
وفي الفترة الأخيرة انقطعت أخباره بعد استقراره في تونس وإقامته عدداً من المشاريع الصناعية ولعل ذلك يعود لعدم شعوره بالتقدير على الرغم من عطائه الجم، ولذلك اختار الإقامة الطوعية في تونس ومات ودفن فيها - رحمه الله- وكنت أتمنى أن يدفن في مكة المكرمة حتى تناله دعوات الصالحين عند زيارتهم للقبور.. رحم الله الدكتور محسون بهجت جلال وأسكنه في عليين.
|