* القاهرة مكتب الجزيرة عثمان أنور طارق محيي:
أثارت الدعوى القضائية المرفوعة أمام المحكمة الفيدرالية الأمريكية والتي تختص ببنوك ومنظمات خيرية إسلامية سعودية وسودانية ردود أفعال شاجبة ومستنكرة وسط خبراء وأساتذة القانون الدولي الذين أكدوا على ان هذه الدعوى والتي تطالب بتعويضات يصل اجمالها إلى 116 تريليون دولار لأسر ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر هي دعوى باطلة ولا ترقى إلى مستوى الدعوى القضائية الدولية المتعارف عليها وان صحيفة الادعاء المكونة من 258 صفحة تتضمن تقارير ومعلومات متناقضة وكاذبة وسبق نشرها وثبت عدم دقتها في حينها.
كما أكد خبراء وأساتذة القانون الدولي في مصر ان مثل هذه الدعاوى تدخل في باب الاحتيال من قبل مجموعة من المحامين المحتالين الراغبين في التكسب المادي على حساب أسر الضحايا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر وكانت السعودية والدول العربية في مقدمة المتعاطفين معهم، كما ان المحامين وأصحاب هذه الدعاوى يؤكدون جيداً فشلها.
وأشار أساتذة القانون الدولي إلى ان هذه الدعوى القضائية تدل على تخبط شديد يسود الحالة السياسية الأمريكية برمتها وعلاقتها مع الدول العربية.
«الجزيرة» استطلعت آراء نخبة من خبراء وأساتذة القانون الدولي حيال هذه الدعوى المزعومة.
ليس لها سند قانوني
يؤكد الدكتور يحيى الجمل أستاذ القانون الدولي ان الدعوى المرفوعة أمام المحاكم الأمريكية ضد جمعيات وبنوك ومنظمات ليس لها سند في القانون الدولي وصحيفة الادعاء لا يوجد بها أية قرائن أو أدلة حقيقية تثبت الاتهامات بل هي عبارة عن معلومات وتقارير سبق نشرها وثبت عدم دقتها، كما ان هذه الدعاوى تخص الولايات المتحدة الأمريكية فقط ولا تخص أحداً خارجها فهي المسؤولة عن حماية أمنها وسلامة أراضيها غير ان الإعلان عن هذه الدعوى يؤكد على حالة التخبط التام الذي تشهده السياسة الأمريكية وهناك استغلال واضح من قبل القائمين على هذه الدعوى تحت وهم حصولهم على الأموال وهم يدركون انهم لن يحصلوا على ذلك وان قضيتهم خاسرة فحتى الآن لا يوجد من ثبتت عليه تهمة أحداث الحادي عشر من سبتمبر وحتى أسامة بن لادن لا يوجد لأحد علاقة به من الأسماء المنشورة في صحيفة الدعوى فكل هذه تكهنات واتهامات لا ترقى لمستوى حيثيات دعوى قضائية كما انها تجمع معلومات متناقضة فهي تعتبر المنظمات الإسلامية والجمعيات الخيرية منظمات ارهابية كل هذا يؤكد على فشل الدعوى، واعتقد ان وراء تحريك هذه الدعوى إسرائيل فليس خافياً على أحد ما قيل من وجود صلة بين مصرف البركة ومصرف الأقصى الإسلامي ان لها علاقة بحركة حماس كانت وراءه إسرائيل.
من جانب آخر يرى الدكتور يحيى الجمل ان هذه الدعوى جاءت لمحاولة صرف الأنظار بعيداً عما يحدث في فلسطين كما ان الإدارة الأمريكية تستغلها لتحريك القرارات التي تريدها مثل ضرب العراق وكذلك الاستفادة منها في الانتخابات القادمة أما من الناحية القانونية فهي لا تصلح كدعوى قضائية دولية لأن أمريكا ببساطة لم تنضم حتى الآن لاتفاقية المحكمة الجنائية الدولية فكيف تطلب محاكمة أشخاص من دول أخرى، فعلينا وضع الأمور في نصابها الحقيقي ولا تخيفنا مثل هذه الاتهامات التي ليس لها دليل وعارية من الحقائق.
ابتزاز
وترى الدكتور عائشة راتب أستاذة القانون ووزير الشؤون الاجتماعية السابق ان الدعوى القضائية المرفوعة أمام المحاكم الأمريكية ليست دعوى قضائية بالمعنى المتعارف عليه في القانون الدولي فهذه في تقديري لا ترقى إلى كونها مجرد خطوة للابتزاز والضغط من قبل مجموعة من المحامين للتكسب المادي من أسر الضحايا الذين يأملون في الحصول على تعويضات وفي النهاية سيكتشف هؤلاء الأسر انهم وقعوا في يد مجموعة من المحتالين وأول من يعرف ويدرك تفاهة هذه الدعوى هم المحامون الذين رفعوا الدعوى، أما عن المعلومات الواردة في الدعوى فهي مجرد تقارير لا تستند على حقائق والاتهامات الموجهة هي اتهامات لأغراض دنيئة وكذلك لاستثمار المناخ العام والحالة السائدة في أمريكا ضد كل ما هو عربي وإسلامي وهي برأيي تؤكد ان فشل وتخبط السياسة الأمريكية وعدم ادراكها كيفية إدارة الأمور منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر فهي تحاول اخفاء فشلها في صد هذه الهجمات ولا تجد غير العرب والمسلمين لتقيم عليهم الذرائع الواهية.
لا ترقى لقضية
أما د. أحمد الرشيدي أستاذ القانون الدولي في جامعة القاهرة فأوضح ان المعلومات المتوافرة عن هذه القضية حتى الآن غير كافية، وحتى ان صحيفة الادعاء المكونة من 258 صفحة كما يقولون ليس بها أدلة أو قرائن بل هي عبارة عن تقارير ومعلومات مخابراتية، في هذا الجو من عدم الوضوح وعدم المعرفة التامة بالحقائق لا تصلح مثل هذه الدعوى لتصبح قضية ينظر فيها القانون وحتى الآن لا يوجد أشخاص بعينهم أو منظمات معينة ثبت عليها تنفيذ عمليات الحادي عشر من سبتمبر وإنما الموجود حتى الآن عبارة عن تكهنات وتقارير واتهامات تنشر هنا وهناك المقصود بها إلصاق التهم بأشخاص بعينهم، وتوجيه الأنظار إلى مؤسسات خيرية معينة، من الممكن ان يكون غرض هذه القضية «الدعوى» غرضاً سياسياً أو اقتصادياً أما عن الجانب القانوني فلا توجد حيثيات تصلح لأن تصبح هذه الدعوى القضائية قضية مكتملة الأركان والجوانب.
وأضاف د. الرشيدي ان مثل هذه الدعوى وأيضاً التقارير التي تبثها الدوائر الرسمية الأمريكية عن الدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية ستؤثر بالفعل على العلاقات العربية الأمريكية وستؤثر أيضاً على المواطنين العرب في أمريكا لأن هذا يضر بمصلحة وطنهم الأصلي.
وأكد الرشيدي على ان المعلومات المتوافرة لدى أسر الضحايا ولدى المخابرات الأمريكية والمخابرات الأجنبية الأخرى والتي ستستند إليها الدعوى، كل هذه المعلومات والتقارير لا تصلح لأن تكون أدلة إدانة ضد الشخصيات السعودية أو المؤسسات والمنظمات الإسلامية الخيرية وكذلك البنوك لأن هذه المعلومات توضح ان هذه المنظمات تمول الارهاب، وكيف لهذه المعلومات ان تصل إلى طريق هذه الأموال ومعرفة إذا كان تستخدم في الانفاق المسلح أم لا، فهذه المعلومات مغلوطة أو متعمد الغلط فيها لنسب التهمة لأفراد ومنظمات لكي تتخلص الحكومة الأمريكية من شبح دفع التعويضات لأسر الضحايا بإلصاقها بأشخاص آخرين.
ادعاءات كاذبة
ويوضح د. هشام صادق أستاذ القانون الدولي بجامعة الاسكندرية ان أحداث 11 سبتمبر لا أحد يستطيع ان يجزم نهائياً من الذي قام بها فالآراء مختلفة والروايات متعددة فالبعض ينفي والبعض الآخر يؤيد دون الوصول إلى حقيقة ثابتة أو معرفة من بالتحديد منفذ هذه العملية سواء أكان مجموعة أشخاص أو منظمة معنية أو حتى دولة، مضيفاً ان هذه القضية لابد ان ننظر إليها من خلال منظور سياسي أولاً وليس من منظور قانوني فقط، وان هذه القضية لها صدى إعلامي ودولي يستخدم للضغط على الحكومات العربية وخاصة المملكة العربية السعودية لما لها من دور كبير في العالمين العربي والإسلامي ودعم ومساندة القضية الفلسطينية.
ويقول د. هشام عن الأدلة انه لا أحد يستطيع الحكم عليها لأنها عبارة عن تقارير وليست حقائق ثابتة، وهي تقارير عن أشخاص ومنظمات لديهم أنشطة كثيرة متنوعة ومتشعبة، وان الادعاءات الموضحة بالتقارير ليس لها صلة بالواقع فمثل هذه المؤسسات والبنوك وحتى الأشخاص يمولون مشروعات كبيرة ومتسعة على مستوى العالم فمن قال ان لديهم علماً مسبقاً بأن هذه المنظمات تستخدم هذا الدعم في العمل العسكري وهذا لم يثبت بالدليل القاطع حتى الآن فهي مجرد ظنون وتقارير متضاربة من هنا وهناك، موضحاً ان الإدارة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر تتخبط في اتجاهاتها وسياساتها تجاه العالم كله والعالم العربي خاصة فهي تصف المقاومة الفلسطينية ارهاباً وتعترف بالوحشية والاحتلال الإسرائيلي بأنه دفاع عن النفس.
وأشار د. هشام ان الولايات المتحدة الأمريكية بالغت كثيراً في اتهامها لأشخاص بعينهم أو منظمات أو حكومات وارادت الصاق التهمة بهم وتوجيه الأنظار إليهم دون دليل قاطع أو اثبات حقيقي، وان هذا التخبط الأمريكي ناتج عن خطئها الفادح لعدم نجاحها في احباط العمليات التفجيرية قبل وقوعها وان موضوع هذه القضية في هذا الوقت هو لجذب أنظار الرأي العام تجاه وجهة معينة مع قرب الذكرى الأولى للأحداث واللعب بهذه الورقة دائماً لكسب تأييد الرأي العام لبوش وإدارته وهو ما يجب ان نضعه في الاعتبار. وأضاف د. هشام ان هذه الدعوى لا تصلح كدعوى قضائية دولية لأن أمريكا لم تدخل حتى الآن في اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية وتحاول الالتفاف حولها، فكيف إذاً تطلب محاكمة أشخاص أو منظمات من دول أخرى وهذا بالطبع مخالف للقانون الدولي طالما ان انها لم تنضم بعد للمحكمة الجنائية الدولية، وطالب الدول العربية ان تتضامن معاً وتوحد الصف وتجعل لها مرجعية قانونية وسياسية ودولية موحدة تقف بها في وجه هذه القضية وهذه الهجمة الأمريكية التي تستهدف رموز العالم الإسلامي والعربي، وتستهدف الضغط علينا حتى نترك إسرائيل تنفرد بالشعب الفلسطيني وأمريكا تنفرد بالشعب العراقي، وهكذا يتحقق لها ما تريد من وراء مثل هذه القضايا.
محاولة للضغط
كما أعرب حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن دهشته البالغة من هذه القضية وأكد انها فقط جزء من الاستهلاك الإعلامي الأمريكي، وهي كذلك جزء من الضغط الأمريكي على المملكة واستكمال للحملة ضد المملكة بهدف التخلي عن دورها العربي والإسلامي ولوقف الدعم السعودي للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ووقف المساعدات المادية والاقتصادية للفلسطينيين هذه المساعدات التي تعتبرها أمريكا تمويلاً لمنظمات ارهابية.
وقال أبو سعدة ان كل الدول العربية وغير العربية أبدت تعاطفاً كبيراً مع أسر الضحايا والمنكوبين وأعلنت جميع الدول العربية بما فيها المملكة العربية السعودية انها ضد الارهاب، وانها تقف بجوار الحرب ضد الارهاب، لكن مسؤولية أحداث 11 سبتمبر مسؤولية الحكومة الأمريكية لأن الجريمة وقعت بطائرات أمريكية وفي نطاقها الجغرافي، وانها لم تتخذ احتياطاتها اللازمة لمواجهة هذه الأخطار التي أضرت بمواطنيها.
وأشار أبو سعدة ان هناك فرقاً كبيراً بين قضيتي تفجير برجي نيويورك أو ما يعرف بتفجيرات سبتمبر وبين قضية لوكربي، حيث إن قضية لوكربي خاصة بمسؤولين من الحكومة الليبية متهمين بارتكاب هذه الجريمة، ومن هنا يمكن القاء المسؤولية على الدولة، وطلب التعويضات منها لكن الأمر في تفجيرات سبتمبر مختلف تماماً لأن المسؤولية هنا مسؤولية أفراد قاموا بهذه الجريمة ولا توجد دولة مسؤولة عن تصرفات مواطنيها طالما انهم خارج نطاقها الجغرافي وتكون الدولة مسؤولة فقط عن تصرفات مسؤوليها وموظفيها خارج حدودها لأنهم يمثلونها.
وأكد أبو سعدة ان التقارير التي تستند عليها القضية لا ترقى إلى حقائق ثابتة وهي لا تدين حكومات بعينها بقدر ما تدين أفراداً أو منظمات، وان هذه التقارير تقول ان مواطنين سعوديين وعرب ارتكبوا هذه الجريمة إذاً هؤلاء الأشخاص مسؤولون عن تصرفاتهم وليس لحكوماتهم المسؤولية وبالتالي لا تطلب التعويضات من الحكومات ولكن تطلب من الأشخاص ذلك في حالة إذا ثبت بالفعل انهم ارتكبوا هذه الجريمة وهذا لم يثبت حتى الآن، أما بالنسبة للمنظمات أو المؤسسات التي يقولون انها مولت هؤلاء الأشخاص فالمؤسسات خيرية أو تجارية وليس لها أي دخل بالعمليات المسلحة أو غيرها.
وأضاف أبو سعدة ان هذه القضية خاصة بالقضاء الأمريكي وغير ملزمة لأي دولة عربية أو مواطنيها أو أي مؤسسات ومنظمات عربية لأنها قضية عادية داخل الولايات المتحدة وذلك ينطبق على التعويضات أيضاً، لأن الحكومة الأمريكية مسؤولة عن سلامة مواطنيها، وان هذه القضية جريمة شخصية خاصة بمن قاموا بها والتعويض يطلب من الأشخاص الذين نفذوا هذه الجريمة، ولا توجد محاكمة لدولة ما لأن ذلك مناف للقانون الدولي وللشرعية الدولية.
|