Saturday 17th August,200210915العددالسبت 8 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الانفجار السكاني في مدننا الكبيرة.. وكيف نواجهه..؟! الانفجار السكاني في مدننا الكبيرة.. وكيف نواجهه..؟!
راشد بن محمد الفوزان

بالنظر للحجم السكاني للمملكة العربية السعودية مقارنة بالمساحة الكلية نجد ان نصيب الكيلو الواحد متدنٍ جداً نسبة للأفراد، حيث ان طبيعة الأرض لدينا صحراوية جافة إذا استثنينا المنطقة الجنوبية للمملكة ذات الطبيعة الجبلية الجيدة المناخ والزراعة سنجد أن التركز السكاني بنطاق المدن الكبرى فقط، من كل ذلك نجد أن عدد السكان السعوديين يتراوح بين 16 إلى 17 مليون نسمة من الجنسين يضاف إليهم المقيمون من مختلف الجنسيات التي يتراوح عددهم بين 6 إلى 7 ملايين نسمة. ويتوزع هذا الحجم السكاني على مناطق رئيسية محددة وهي منطقة الرياض وبالأخص مدينة الرياض ومنطقة مكة المكرمة وبالأخص جدة ومكة المكرمة والمنطقة الشرقية بكاملها أما بقية المناطق والمدن فهي تتوزع بشكل أقل كثيراً عن المناطق الثلاث الرئيسية.
وحين نأخذ الرياض المدينة (كمثال ينطبق على بقية المدن الكبرى) للمقارنة بين الحجم السكاني والوضع الانفاقي الاقتصادي ومدى التوازن بينهما ونسبة النمو بينهما ومدى التأثيرات التي يترتب على هذا النمو السكاني الذي أصبحت المملكة إحدى دول الصدارة في العالم من حيث النمو السكاني ليلامس 25 ،3% وهي عالية بالمقاييس العالمية. ورغم أن الدراسات والمؤشرات تشير إلى أنها 75 ،3% ونأخذ الأقل وهذا يعني أن لدينا نمواً سكانياً سنوياً من المواطنين فقط يصل إلى 700 ألف نسمة تقريباً هذا على مستوى المملكة ككل، وحين نحدد مدينة الرياض فهي لها نصيبها الأوفر لاعتبارات كثيرة أهمها أنها العاصمة ويقدر عدد سكان الرياض الآن بين 50 ،4 إلى 5 ملايين نسمة، وسيصل في عام 1427هـ إلى 100 ،6 ملايين وعام 1432هـ إلى 700 ،7 ملايين نسمة. وتشكل هذه الزيادة بنسب مختلفة بين نمو سكاني طبيعي من سكان المدينة نفسها أو من الهجرة الداخلية التي أصبحت تشكل عبئاً كبيراً على الحكومة فخلال عام 1422هـ ستصبح نسبة النمو الطبيعي لمدينة الرياض (10 ،2% فقط) ومن الهجرة الداخلية العكسية ستصل إلى 90 ،7% وفي عام 1427هـ ستصل نسبة النمو الطبيعي لسكان الرياض (90 ،2%) ونسبة نمو الهجرة الداخلية ستصل إلى (50 ،4%) وفي عام 1432هـ ستصل نسبة النمو لسكان الرياض (00 ،2%) ونسبة الهجرة الداخلية ستصل إلى 90 ،3% مع ملاحظة أن مجموع السكان لكل هذه السنوات يشمل غير السعوديين وهم يشكلون نسبة لا تقل عن 25% تقريباً.
والملاحظ الآن أن مدينة الرياض العاصمة أصبحت محط استقطاب لكل فئات السكان داخل المملكة من المدن والقرى والهجر، فمن يريد مواصلة تعليمه العالي أو الدراسة في الجامعات أو العلاج أو العمل وهي الأهم أو الانضمام للأقارب أو تفضيل المدينة على حياة الريف والقرى وتحسين حياته أو أي هدف آخر وضعه نصب عينيه فانه يجد في مدينة الرياض الخيار الأول والرياض بحكم وضعها كعاصمة ومقر للوزارات والهيئات الحكومية والبنوك والشركات أصبحت الكثافة السكانية تضغط على المدينة وعلى كل خدماتها ومرافقها التعليمية والصحية والعملية والسكانية وغيرها.إن نمو الرياض في هذه الخدمات أصبح الآن لا يوازي ولا يواكب حجم النمو السكاني والهجرة الداخلية التي تتم الآن، ولا يوجد هناك حل قريب يلوح بالأفق، بل مازالت هناك الهجرة الداخلية المتنامية، وعلاج ذلك لا يكون إلا بالحد من هذا الزحف السكاني الكبير الذي يجيء طلباً للعمل إذ تشير دراسة صادرة من الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بأن نسبة المهاجرين (من الداخل) الذين يبحثون عن عمل تصل إلى 6 ،72% لعام 1417هـ وهي في تصوري نسبة لا تبتعد كثيراً عن سنة 1423هـ ولكن قد تزيد في ظل الظروف الاقتصادية التي أصبحت تضغط كثيراً بحثاً عن فرص عمل خاصة مع نسبة النمو السكاني الكبيرة وغير المسيطر عليها.
إن توسع الرياض المساحي أفقياً أوجد كثيراً من الطلب والضغط على الخدمات سواء كهرباء أو ماء أو صرف صحي أو هاتفي أو طبي وغيره من الخدمات (الغريب أن هناك أحياء لها 30 سنة لم يصلها الصرف الصحي) هذا الطلب الكبير بسبب النمو السكاني والهجرة الداخلية الكبيرة وهي مستمرة سنوياً لا يواكبها بنفس المستوى حجم إنفاق حكومي موازٍ له ولا نمو اقتصادي موازٍ له حيث نسبة النمو الاقتصادي السعودي لا تتجاوز 2 ،1% وإذا قارنا النمو السكاني الذي يصل إلى 25 ،3% كإجمالي فهي تعتبر معادلة ونسباً مقلوبة، والتي يفترض أن يكون النمو الاقتصادي هو الأعلى من النمو السكاني، لأن استمرار هذا الوضع يعني استمرار الضغط على المدن والضغط على فرص العمل والضغط على الجامعات وكل خدمات يمكن أن تقدم في المدن والضغط على المستشفيات وتأخر الكهرباء والمياه والطرق وسفلتتها وغيره من الخدمات وحتى التعليم في الجامعات خصوصاً والكليات الأخرى، ويجب أن ندرك أن الحكومة تقدم كل ما تستطيع تقديمه وما هو بوسعها من هذه الخدمات للمواطنين ولكنَّ هناك طاقة سكانية ونمواً لها يفوق ما يرصد حتى أصبحنا نسمع الآن عن انقطاع المياه والكهرباء، ونلاحظ ازدحام المستشفيات، يقابل ذلك هذا التوسع الأفقي لمدينة الرياض حتى انك إذا أردت الذهاب من وسط الرياض إلى شماله فإنك ستحتاج إلى ما لا يقل عن نصف ساعة إذا كانت الطريق سالكة وسلسة.. لقد أصبحت الرياض تختنق سكانياً وهذا يشكل عبئاً كبيراً على المسؤولين في الوزارات المعنية وعلى خطط تطوير الرياض التي تقوم بها مشكورة الهيئة العليا لتطوير الرياض، تلك الهيئة التي تعمل الكثير والكثير لكنها تصطدم بظروف النمو السكاني داخل المدينة وما يأتي من خارجها مما يعرقل الكثير من المشاريع والخطط التي لا تتوازى مع طموحها وجهدها.
هذه بعض الانطباعات التي تبين مدى تأثير الهجرة الداخلية لمدينة الرياض على خدماتها ومشاريعها وتطويرها، وحين نبحث عن سبل العلاج والحلول فإن أهم مرتكز يتم العمل عليه هو الحد من الهجرة الداخلية بأقصى قدر ممكن لحل أزمة الازدحام والنمو السكاني لمدينة الرياض وبقية المدن الكبرى من خلال الآتي:
الحلول:
- دراسة سبب الهجرة أساساً وهي معروفة بحسب الدراسات التي تنشرها الهيئة العليا لتطوير الرياض وهي تنطبق على بقية المدن الرئيسية الأخرى التي تتمثل في البحث عن العمل أو الدراسة في الكليات والجامعات وهذه هجرة دائمة بخلاف من يكون قدومه إلى الرياض بغرض الزيارة أو العلاج. ويجب العمل على توفير فرص عمل بالمدن والقرى التي يهاجرون منها تكون دائمة وكذلك افتتاح الجامعات سواء الحكومية أو الأهلية بدلاً من النزوح إلى جدة أو الرياض وغيرهما.
- التركيز على المدن الصغيرة والمتوسطة بأن يتم العمل على إيجاد آليات جذب في هذه المدن من خلال توفير فرص العمل بإقامة المصانع أو الهيئات الحكومية أو المشاريع وغيرها وأن يتم إنشاء جامعات متكاملة بعدد من المدن كعرعر أو سكاكا أو حائل أو وادي الدواسر كمثال، فهي ستحد كثيراً من هجرة السكان لمن هدفه التعليم.
- إنشاء مدن صناعية على غرار الجبيل وينبع مثلاً: في حفر الباطن، تبوك، البكيرية، الباحة، بيشة مثلاً، فهذه سوف توفر فرصاً وظيفية متعددة وبحجم كبير جداً وهي بالطبع ستخضع لدراسات لتحديد المواقع وفق دراسات اقتصادية بحتة.
- إنشاء مجمع للوزارات الحكومية على غرار حي السفارات خارج مدينة الرياض بحيث يخفف على المدينة الضغط مع ما في تجمع المنشأة الحكومية قدر الإمكان من تسهيل للإجراءات وانهاء لمعاملات المواطنين، وتكلفة ذلك لن تكون كبيرة في تصوري إذا ما كانت الأرض من أراضي الدولة وتم تنفيذ المشروع على مراحل.
- وضع حوافز بالمدن والقرى النائية خارج المدن الرئيسية للتحفيز بعدم الهجرة منها مثلاً تخفيض الكهرباء أو الماء (وهو أصلاً منخفض)، العلاج الطبي بشكل أكبر وأميز، بأن تجعل منها مدناً متكاملة مهما صغرت.
- إنشاء مدن طبية خارج المدن الرئيسية مع إقامة المدن الصناعية لتوفير فرص العمل وبالتالي عدم الهجرة للمدن.
- منح القروض الإسكانية (صندوق التنمية العقارية) في المدن والقرى الصغيرة، وعدم الموافقة على النقل للقرض وغيره وهذا سيوجد حافزاً كبيراً إذا تواكب مع فرصة عمل جيدة.
- منح القروض الصناعية في المدن النائية بتسهيلات كبيرة ووفق جدوى اقتصادية حتى لا يتم إنشاء مصانع تخسر لمجرد إنشائها في القرى أو الهجر، بل يجب أن يكون ذلك من خلال منظور اقتصادي مربح وذي عائد مالي كبير.
- التركيز على المشاريع السياحية أو ما شابهها في المدن الصغيرة والقرى لأنها ستكون أقل كلفة وستتاح لمن يرغب فرص عمل كبيرة فيها وكذلك التعريف بمدن المملكة الأخرى سواء للمواطن أو الزائر فقد يدفعه ذلك إلى الاستقرار فيها.هذه بعض الحلول للحد من الهجرة الداخلية ولعل الأساس في هذه الهجرة كما سبق الإشارة هو «البحث عن العمل» وهو مصدر عيش كل مواطن، وهو ما يجب دراسته والتركيز عليه مستقبلاً على اعتبار أنه يشكل ما نسبته 72% من أسباب الهجرة الداخلية، وإذا لم يتم العمل والتخطيط الاستراتيجي لحل هذه المشكلة من الهجرة الداخلية فإنها ستعني مزيداً من الضغط على المدن وازدحامها وبالتالي الضغط على خدماتها وجودتها بكل أبعادها وقد يؤثر ذلك على النواحي الأمنية بسبب قلة فرص العمل وقلة فرص التعليم العالي ويجعل المدينة أقل نمواً عن المعدل المستهدف، وهو ما سيشكل عبئاً على الحكومة يصعب حله إذا تم تجاهله أو عدم العمل على حله، وبتصوري أن الهيئة العليا لمدينة الرياض من خلال موقعها بالانترنت ومن خلال النشرات التي تصدرها تدرك هذه المشكلة وتعمل على حلها ونتائج أعمالها ملموسة ومقدرة ولكن ما هو الحل لباقي المدن؟ وأين وصل؟ وهل الرياض وهي مقبلة على انفجار سكاني قادرة على مواجهة هذا المستقبل المخيف حتى مع هذه الجهود الكبيرة والمميزة التي تقوم بها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved