Saturday 17th August,200210915العددالسبت 8 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

مواسم الحب مواسم الحب
عبير عبدالرحمن البكر

لا أرى..
استسلمت له بكامل ارادتي.. انه الطبيب.. بكامل هيبته..
بين مشارطه.. ومقصاته.. وعيناي الضعيفة المسكينة.. التي تريد أن ترى على الدوام..
بصري يضعف..
وعيناي تلتقط المزيد عن جراحة العيون..عن الليزك..الليزر.. حرت ايهما تناسب عيناي حتى قرر الطبيب.. أن اجري العملية.. اخبرني انها سهلة جدا.. ونبهني على عدم القلق..
«وحرصني» كثيرا على الموعد.. كما انه قال لي صراحة.. ان غيري ينتظرون الدور اذا ما تخاذلت اقدامي.. وجزعت عيناي.. والاهم انه قال.. اذا لم تشف فأنت لن تتأثري..!!
واستسلمت بكامل ارادة الرغبة ان ارى اكثر من زرقاء اليمامة..
رأيت كل شيء.. وجالت عيناي في كل ما كان صورا.. رسمت خطوطها الأولية منذ الطفولة.. اقدامي العارية..وتلك المركبة الوهمية التي تمتد من يدي وتعبر الي الارض.. منتهية من السيخ الحديدي الى دائرة حديدية.. تدور باعوجاج.. نعبر بها الشوارع الترابية..
وحتى الاسقف «الاسمنتية» التي جعلت من العابنا تتحول الى العرائس «المزركشة» وهي ترتدي حللا باهية من صنع ام الجيران «غالية»..
والبحر الصغير الذي تدور فيه السمكات تفتح أفواهها و«الصنارة» تلوح لذاك العمق المفتوح..
حتى كانت العابنا بتقنية عالية تعتمد على الكهرباء في تشغيلها..
كل ما تختزنه الذاكرة صورته عيناي.. حتى هذا اليوم الذي اعيد ترتيب الالوان ووضوح الصور.. ولا اجد الا رؤية مهتزة يقرر الطبيب ان اعيد الرؤية كما كانت دخلت المستشفى الكبير بطرقاته الممتدة وغرفه الكثيرة المملوءة أنات.. المعبأة بالموت الصارخة بالالم.. اذرع الطريق لعيادة الطبيب الذي قرر العملية..
وصلت ما كان الا ممرضة عابسة.. لم تبتسم.. وتمنيت ان العينين اللتين طالتهما الرؤية المعتمة تتوقفان عن التقاط الصور المؤذية.. ومضيت ابلع ضيقي وتبرمي من مهنة بيضاء لوثها البعض بعبوس ورحمة ميتة..
دخلت واستويت على المقعد بأمر من الممرضة العابسة.. وقعت العينان ذاتهما برؤيتها المخلخلة.. على آخر يجلس على المقعد ربما مر على كل ما مررت به حتى الممرضة العابسة..
من المؤكد ان عينيه التقطت صوراً أكثر والواناً تريد ان تعيد احساسها بجمالية الصور..
رميت السلام.. رد بشعور ابيض، مكملا برد التحية..
: الف لا بأس..
: اشكر لطفك انتظر اجراء عملية.. قاطعني..
:احسدك على هدوئك اليوم انتظر فقط تحديد الموعد واحس برهبة كبيرة تحتلني
.. كيف انت؟؟
: لا اعلم ما الذي ينتظرني ولكن كلي اعتماد على الله.. الخوف لا يجدي انه مسبب لارتفاع الضغط وامور اخرى.. انا في..
لم استطع اكمال كلامي.. تعالى صوت الممرضة العابسة..سالم محمد.. سالم محمد سا..
قاطعت صوتها النشاز بعربيته المكسرة.«عالى في مستشفى حكومي الممرضات والعاملات فيه اعتدن الصياح على المرضى ».. التفت اليها
: انا هنا «بالعربية ذاتها المكسرة» امرتني بالدخول على الطبيب.. وساقتني اقدامي اليه القيت التحية، الطبيب يجلس خلف مكتبة بين اكوام الملفات الطبية..
حدثني عن حالتي قليلا وطلب مني ان انتقل للغرفة الاخرى ليجري تهيئتي لاجراء العملية..
ما هي الا ثوان اسمع اصوات وخطوات استوى الطبيب علي رأسي وبين لي خطواته بشكل مختصر.. بدأ بالعين اليمنى ثم اليسرى بنج موضعي احس فيه بكل ما يدور حولي.. بدأ الطبيب وكانت لحظة الصفر..
احسست بكل شيء حتى لحظة.. لا ارى نعم اصطلحت ان اقول عنها لا ارى لانها بالفعل لحظة تمتم الطبيب انه سيقوم بأخطر مرحلة وفيها سيكون كل ما حولي ظلاماً دامساً وبالفعل.. كانت تلك اللحظة العصيبة ميزتها لان الطبيب كان يجري الجراحة في العين اليمنى والعين اليسرى ترى.. تلقائيا اغمضتها احسست بصعوبة بالغة وانا ارى بعين والاخرى كأن ظلاماً مريعاً غشاها .. دارت كل تلك الاشياء في ذهني طفولة شاردة وشباب.. لايزال يرقب قزح الحياة.. وحياة قادمة ارسم فيها كل الاحلام لحظات ظلام لا ارى فيها..جعلتني ادرك نعمة كبرى انعم بها الله عليَّ ربما اسرفت على نفسي بالنظر الى ماهو ممنوع او منهٍ عنه يا الله ما اكرمك وهبتنا اعظم نعمة..
لحظات وعاد الغشاء ذاته الى عيني ومن ثم العين الاخرى مر بها ما مر بسابقتها واللحظات ذاتها والافكار ذاتها.. لا ارى موجعاً الا ارى..
خرجت بعد اتصال هاتفي بأخي اتكأ على نظره ليقود عينيَّ المتوجعتين اللتين لا تريان بعد العملية.. ومضيت طريقي.. هل ارى...و ايام انا ارى.. ليس بالضبط كزرقاء اليمامة ولكن بعيدا عن تلك الظلمة الحالكة.. فحمداً لله..!!

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved