Saturday 17th August,200210915العددالسبت 8 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

كارثة إدمان القصّر: من المسؤول..؟! كارثة إدمان القصّر: من المسؤول..؟!
عبد العزيز السماري

نذير إحصاءات تدخين القاصرين والقاصرات في المجتمع السعودي يدق من جديد ناقوس الخطر في مستقبل فلذات أكبادنا، ويهدد ببدء هزيمة العائلة والمدرسة أمام هجمة التدمير الإعلامي، وما يقوم به ويروجه من صور اباحية وثقافة استهلاكية وقيم رخيصة، والسؤال الذي يلوح في أفق حاضرنا، هل انهزمت المدرسة؟، وهي الحصن الحصين للمبادئ والأخلاق أمام إغراءات تجار التبغ بكل أنواعه وأشكاله، وهل أصبحت المدرسة عاجزة عن القيام بدورها باعتبارها الفضاء الأنسب للتكوين المعرفي والتربوي والتحصين العقدي والخلقي والنفسي ضد اغراءات الكسب غير المشروع؟
وهل يمكن أن نتحدث عن اصلاح نظام التعليم واصلاح المناهج والبرامج دون أن تعاد للمدرسة هيبتها وحرمتها، وتعاد لها وظائفها التربوية؟، وهل هيبة المدرسة وحدها تستطيع الوقوف ضد الهجمات غيرالأخلاقية للغزاة الجدد؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها علينا جميعاً بحدة، ونحن نستعرض الاحصائيات في عدد من مؤسساتنا الاعلامية والتعليمية.
نشرت جريدة «عربية» مؤخراً نتائج دراسة احصائية ميدانية محلية عن تدخين القاصرات في المراحل المتوسطة والثانوية في المجتمع السعودي، وبالرغم من قصور الخبر وافتقاره للتفاصيل التي توضح منهج الدراسة وتفاصيلها ومصدرها، إلا أن الأرقام كانت مروعة، فنسبة المدخنات في المرحلة المتوسطة 27%، وتصل نسبة التدخين بين المعلمات الى 50%.
كذلك أوضحت دراسة اجرتها وزارة المعارف السعودية على تلاميذ المدارس، وشملت 752 تلميذاً من المرحلتين المتوسطة والثانوية في المدارس الحكومية في مدينة الدمام، أن 30% منهم مدخنون، وأن 90% من هؤلاء قد بدأوا التدخين في مرحلة مبكرة، كما بينت الدراسة أن 55% من طلبة السنة النهائية بالمرحلة الثانوية، لا يدركون خطر اصابتهم بالادمان، وأكدت الدراسة أن 66% من المدخنين تتراوح أعمارهم بين 12 - 17 عاماً. الشفافية هي ربما الشيء الايجابي الوحيد من ظهور هذه الاحصائيات على السطح، فالوضوح عند التعامل مع تبعات كارثة بحجم هذه الأرقام، سيجدد الأمل في محاولة ايجاد حلول جذرية، ولكن قبل الشروع في ذلك، هل نستطيع أن نكون أكثر شفافية عند الحديث عن العوامل الأهم في تسارع النسب إلى أعلى، وألا نكتفي بتوجيه اللوم فقط للمدرسة أو المعلم أو الوزارة أو العائلة، فالكارثة أعمق بكثير من أرقام على صفحات جريدة، وأكبر من أن تتحملها فئة محددة.
وهل نعي أن ما حدث هو نتيجة تسهيلات منحت لرؤوس أموال لا تتوقف عن السعي للربح المادي غير المحدود، ولا تكترث لحجم الكارثة المتوقعة، وهل ندرك أيضاً أن عواقب الاقتصاد الحر وغير المقيد بأخلاقيات المجتمع وخصوصياته، أدت إلى ما وصل إليه الحال من تدهور نحو الهاوية، فوكلاء استيراد منتجات التبغ وأصحاب الشركات الدعائية يبحثون عن أرباحهم بلا حدود اخلاقية، وأسعار علب السجائر في أسواقنا هي الأرخص في العالم، وعوائد الربح هي الأعلى، واعلانات الدعاية التلفزيونية،لانواع السجائر والتبغ تتصدربرامج الترفيه التلفزيونية تحت رعاية شركات التبغ العالمية. كما يجب أن نعترف بكل شجاعة أن طرق مكافحة التدخين الكلاسيكية فشلت في أداء المهمة، فلم تنجح طرق التوعية بأضرار التدخين الصحية، ولم تصل جهود الوعاظ ونصائح الأطباء إلى مستوى تحريك ارادة القرار لوقف التدخين، والسبب حسب وجهة نظري هو في عدم ادراك مدى سيطرة معضلة «الادمان»، فهي خط الدفاع الأهم وراء عدم جدوى طرق مكافحة التدخين التقليدية، فنسب سرعة الادمان بين القاصرين هي الأعلى بين جميع الفئات العمرية، والقدرة على الانسحاب هي الأضعف عند تلك الفئة من المدخنين الجدد، وقد كان كتم شركات انتاج التبغ الأمريكية سر معرفتها بخاصية ادمان التبغ عند بدء انتاجه بكميات تجارية، هو السبب الذي أدى إلى تغريم تلك الشركات أمام المحكمة العليا الأمريكية، وحملها من قبل الحكومة الفيدرالية على دفع مئات المليارات من الدولارات للسلطات المحلية للولايات المتحدة الأمريكية.
المواجهة غير متكافئة على الاطلاق محلياً بين جمعية مكافحة التدخين السعودية والوعاظ والأطباء وبرامج التوعية المختلفة من جهة، وشركات التبغ ووكلائها المحليين من جهة أخرى، إذا لم تنضم إلى جهودهم الميدانية قوة القرار الاداري، وذلك أولاً لوقف ميزة فتح باب السوق على مصراعيه، وبدون ثمن لمنتجات التبغ التي تهدف إلى السيطرة على خلايا الانسان العصبية للوصول إلى عوائد مادية مستمرة، ثم اطلاق حملة محلية مجندة بأسلحة القرار الرسمي ضد تغلل مادة النيكوتين واثارها في أجساد فلذات أكبادنا، وعلى أن تبقى وكالات استيراد السجائر بعيدة عن فعاليات الحملة وتشكيل قراراتها. المؤكد أن رحى المعركة ستطول مع تنامي صعود قوى اقتصادية مستفيدة من التسهيلات الرسمية الحالية لمنتجاتهم السامة، ولكن يجب أن يكون الحسم فوق مصلحة أصحاب رؤوس الأموال، وأن تظل المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، ومهما كانت عواقب القرار، فلا سبيل لوقف ازدياد اعداد مدمني التبغ القصر، وتصاعد أرباح شركات التبغ المادية، المستغلة ادمان القاصرين السريع إلا بفرض ضرائب عالية ترفع أسعار علب السجائر إلى معدلات توازي اسعاره في الدول المتحضرة على أقل تقدير، وتخصص عوائدها لمستشفيات وبرامج الطب الوقائي في وزارة الصحة.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved