Saturday 17th August,200210915العددالسبت 8 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شارون يسعى لمحاكمة الرئيس عرفات على الطريقة البرغوثية شارون يسعى لمحاكمة الرئيس عرفات على الطريقة البرغوثية
الإرباك الإعلامي لإسرائيل في المحاكمات المدنية للفلسطينيين

من المؤكد أن المحاكمة التي بدأت الأربعاء الماضي لأمين عام حركة فتح المناضل مروان البرغوثي من قِبل السلطات الإسرائيلية سببت إرباكاً إعلامياً كبيراً
للقائمين على أمور هذه المحاكمة.. وخصوصا لمكتب رئيس الوزراء اريل شارون، الذي كان يخطط للاستفادة القصوى من هذه المحاكمات إعلامياً لتمرير بعض الأفكار والطروحات التي يود تكريسها لدى الرأي العام العالمي.. كما أنه من المتوقع أن تكون محاكمة البرغوثي ربما هي استهلال لمشروع مؤجل لمحاكمة الرئيس ياسر عرفات شخصياً ضمن الخطط التي تقبع في درج رئيس الوزراء الإسرائيلي وبانتظار اللحظة المواتية لتنفيذها..
وفيما يبدو فإن شخصية مروان البرغوثي المعروف بديناميكيته وخطاباته الحماسية قد أحرج السلطات الإسرائيلية، حيث استفاد من المنبر الإعلامي الدولي الذي حصل عليه من قِبل الحضور الإعلامي الكبير في قاعة المحكمة، حيث أتى إلى هناك حشد هائل من الصحفيين وممثلي وكالات الأنباء والتلفزة العالمية لتغطية هذا الحدث غير العادي.. ومن المؤكد أن حضور هذا الحشد الإعلامي كان بتشجيع من السلطات الإسرائيلية رغبة منها في اكتساب أكبر قدر من الأضواء للتشهير بالسيد البرغوثي ومن ورائه السلطة والمنظمات الفلسطينية.
ولا شك أن اختيار مروان البرغوثي مع عدد من ممثلي الطيف السياسي الفلسطيني بمن فيهم ممثلون من حماس والجهاد يأتي لتحقيق هدف إسرائيلي واحد هو محاكمة كل المؤسسات الفلسطينية الرسمية والشعبية، السياسية والميدانية وذلك يأتي تماما لتكريس فكرة أن هؤلاء ومؤسساتهم ومنظماتهم هم إرهابيون حسب التعريف الشاروني، ويستحقون المحاكمة والسجن وحتى القتل كذلك.. وهي فيما يبدو عملية إعلامية بحتة حاولت الشخصيات السياسية والعسكرية في حكومة رئيس الوزراء شارون أن تهندسها جيداً للاستفادة الإعلامية منها لسحب الشرعية من تحت أقدام السلطة الفلسطينية والمنظمات الوطنية والإسلامية التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي.. وتحاول هذه المحاكمات أن تعتسف الحقائق وتشوش على القضية الفلسطينية، لتلبس المقاومة ثوب الإرهاب، وانتزاع الشرعية من هذه الشخصيات الفلسطينية.
وقد حاول السيد مروان البرغوثي بدوره الاستفادة القصوى من الحضور الإعلامي المكثف بتمرير أفكاره الاستراتيجية الموجهة إلى الرأي العام الإسرائيلي بالعبرية، والرأي العام الفلسطيني والعربي بالعربية، والرأي العام العالمي بالإنجليزية.. ومفاد ذلك أن الانتفاضة ستستمر حتى نهاية الاحتلال، وحتى استقلال الدولة الفلسطينية.. وأن الحكومة الإسرائيلية قد كلفت الشعب الإسرائيلي غالياً باستمرارها في نهج الاحتلال.. هذه الرسائل التي دوت في كل مكان عبر وسائل الإعلام العالمية وقعت كالصاعقة في أذن رئيس الوزراء الإسرائيلي.. حيث لم يكن في الحسبان أن تتحول هذه المحاكمة إلى محاكمة لسياسة شارون، وأن ينتفع البرغوثي والفلسطينيون من الأجواء الإعلامية التي خلقها شارون عبر هذه المحاكمة.. ومن المؤكد الآن أن المكتب الإعلامي للحكومة الإسرائيلية بالتنسيق مع شركات الإعلام والعلاقات العامة تدرس حالياً استراتيجيات جديدة لتهميش التصريحات الإعلامية لمروان البرغوثي، أو وضع آلية لتكميمه خلال فترة محاكمته.. وكان قاضي المحكمة الإسرائيلية قد أشار إلى أنه لن يسمح بتحويل المحاكمة إلى محاكمة سياسية، عندما لاحظ أن مروان البرغوثي استطاع أن يأسر اهتمام الصحافيين العالميين ويمرر من خلالهم رسائل استراتيجية إلى العالم، وحتى إلى الداخل الإسرائيلي..
والقضية الأساسية التي ترتبط بنتائج هذه المحاكمات، هي: ما هي النتائج المتوقعة من هذه المحاكمات على صعيد قرارات المحكمة؟ من المعروف أن المحكمة ستتخذ قرارها إما بتبرئة المتهمين أو بتثبيت الاتهام عليهم.. وإذا ثبت الاتهام عليهم فتكون المحاكمة هي تحصيل حاصل ولن تضيف جديدا على صعيد المحاكمات المدنية التي اقترحتها الحكومة الإسرائيلية.. وإذا تم تبرئة مروان البرغوثي والأربعة الذين سيتم محاكمتهم معه، فإن هذا يشكل خطراً محدقاً باستقرار الحكومة الإسرائيلية حيث سينتهي بمحاكمة شارون نفسه، الذي يكون قد وجه كل جنوده ودباباته وطائراته نحو الفلسطينيين وهم لا يستحقون هذه الدماء التي سالت من جراء التعنت السياسي الإسرائيلي.. ومن المؤكد أن ما يسعى إليه شارون وقد رتبه مع قضاة المحكمة ليس إلا التشهير بالفلسطينيين ومؤسساتهم ومنظماتهم وبقضيتهم.. وسيكفيه أن تتناقل وسائل الإعلام الدولية المقولات الشارونية والتهم الإسرائيلية الملصقة بالفلسطينيين.. ولهذا فمن المتوقع أن يكون قرار المحكمة محابيا للسلطة الإسرائيلية ممثلة في الحكومة الحالية..
وموعدنا القادم إن شاء الله في هذه المسلسلة الشارونية الخامس من الشهر القادم «سبتمبر» لنتعرف على الكيفية التي سيحاول شارون من خلالها إدارة المحاكمة إعلاميا، وهذا هو همه الأول.. ومن المؤكد أن كثيرا من الأمور التي حدثت في الجلسة الافتتاحية للمحكمة لن تكون كما هي.. حيث يكون قد انتفضت شركات الإعلام والعلاقات العامة التي تعاقدت معها الحكومة الإسرائيلية لتقدم لنا حلقة جديدة من مسلسل اعتساف الحقائق وتشويه الواقع..

* رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم الاتصال - أستاذ الصحافة والإعلام الدولي بجامعة الملك سعود

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved