Friday 16th August,200210914العددالجمعة 7 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الرؤى والأحلام في ميزان الشريعة والإسلام «2 - 2» الرؤى والأحلام في ميزان الشريعة والإسلام «2 - 2»
عايض بن محمد العصيمي

فأقولها صراحة: لا ينبغي للناس ان يتعلقوا بالرؤى والاحلام تعلقاً كبيراً زائداً عن حجمه، فاننا معاشر المسلمين امة وسطاً في كل شيء.
وايضاً بالمقابل لا سبيل ولا طريق لمن ينكر هذا الباب فلا يعترف ولا يؤمن بالرؤى والاحلام، ولا يصدقها اذ هو مخطئ فان مما مضى من الادلة الشرعية والعقلية دليل واضح لمن كان منصفاً يريد الحق واتباعه، علماً بأن الله تعالى هو القائل في محكم التنزيل:{..قّدً جّعّلّ اللّهٍ لٌكٍلٌَ شّيًءُ قّدًرْا }.
وقد كثرت المؤلفات، والآراء حول الرؤيا، واذا نظرنا الى واقع الناس اليوم وجدناهم بين مُفرط ومُفرِّط، منهم كما مضى من يغالي في الرؤيا، ويقدسها حتى يكاد يقدمها على الشرع والعياذ بالله، ومنهم مالا يلقي لها بالاً، ويعتبر انها اضغاث احلام، ليس فيها ما يصح، وهذا كله في اعتباره من الدجل والكذب على الناس والعوام، والحق في ذلك الوسط وهو ما جاءت به السنة المطهرة.
ومن اراد الزيادة والحق في ذلك فليرجع لكتب السنة المطهرة، وشروحها فقد بسطت موضوع الرؤيا وعالجته، بما لا غموض فيه.
ثم لابد لي هنا من همسة في اذن كل من اراد ان يتصدى للناس، ويعبر رؤاهم واحلامهم، فأذكره بتقوى الله عز وجل، وانه غير مجبر على مثل هذا العمل، ان لم يكن اهلاً له، وان التعبير امره خطير، وشأنه عظيم، وليس من الاعمال التي يتقرب بها الى الناس بل هو تلاعب بالنبوة، كما سئل الامام مالك - رحمه الله - ايعبر الرؤيا كل احد؟ فقال:«أبالنبوة يلعب؟ ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة، فلا يلعب بالنبوة»، «التمهيد 1/288» «المنتقى شرح الموطأ 7/277».
واما عن المعبر وآدابه: فقد ذكر العلماء - رحمهم الله - ان المعبر يجب ان يكون عالماً، ذكياً، نقياً من الفواحش عالماً بكتاب الله، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولغة العرب وامثالهم، وما يجري على ألسنة الناس.
كما ينبغي له ان يعبر الرؤيا المسؤول عنها على مقادير الناس، ومراتبهم، ومذاهبهم واديانهم، واوقاتهم، وبلدانهم، وارزاقهم، وفصول سنتهم.
ويلزمه ان يكتم عورات الناس، ويسمع السؤال بأجمعه، ويميز بين الشريف والوضيع، ويتمهل ولا يعجل في التعبير، ولا يعبر الرؤيا حتى يعرف لمن هي، ولا يعبرها على المكروه وهي عنده على الخير، ولا على الخير وهي عنده على المكروه، «الآداب الشرعية والمنح المرعية 3/445».
وينبغي له اذا قُصت عليه الرؤيا ان يقول:
«خيراً رأيت، وخيراً تلقاه، وشراً تتوقاه، وخير لنا وشراً على اعدائنا، والحمد لله رب العالمين، اقصص رؤياك» شرح السنة 12/207.
ورؤيا المسلم لا تخلو: اما ان تكون احلاماً فلا يلق لها بالاً، وليتأدب بآداب الرؤيا المكروهة والتي بينتها السنة النبوية على صاحبها افضل الصلاة واتم التسليم.
او تكون صالحة، فليتحر من هو احذق الناس بالتعبير، وليقصها عليه، وليتأدب بآدابها.
واما عن تعبير الرؤيا وتأويلها، وطريقة ذلك، فقد قال البغوي رحمه الله كما في شرح السنة:
واعلم ان تأويل الرؤيا ينقسم اقساماً:
* فقد تكون بدلالة من جهة الكتاب، كتأويل الحبل بالعهد، لقوله تعالى:{وّاعًتّصٌمٍوا بٌحّبًلٌ پلَّهٌ جّمٌيعْا}.
* وقد تكون بدلالة من جهة السنة، كتعبير القوارير بالنساء لقوله صلى الله عليه وسلم:«يا انشجه رويدك سوقاً بالقوارير» رواه البخاري في كتاب «الآداب».
* وقد يكون التأويل بالامثال السائدة بين الناس، كالصائغ يعبر بالكذاب لقولهم:«اكذب الناس الصواغون».
* وقد يكون التأويل مستنداً الى الاسماء والمعاني «اي التفاؤل فيها» كمن رأى رجلاً يسمى راشداً، فتعبر بالرشد، وسالماً يعبر بالسلامة.
وقد يكون التأويل بالضد والقلب كالخوف في النوم يعبر بالامن، والامن يعبر بالخوف والضحك والحزن.. وهكذا.
وقد يتغير التأويل عن اصله باختلاف حالي الرائي، ومثال ذلك: ما روي في قصة الرجلين مع ابن سيرين رحمه الله - واذانهما وتعبيره لهم بحج الاول، وسرقة الثاني «وهي قصة مشهورة معروفة».
وقد يرى الرجل في منامه شيئاً فيصيبه عبر ما رأى حقيقة، كرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في الفتح كما سبق ذكره.
وآخراً وليس اخيراً. وفي وقتنا هذا الذي كثر فيه المعبرون وكثرت المعاجم اللغوية والتي قد يكون لها وقفة خاصة مستقبلة معها «ان شاء الله»، فنصيحتي لكل معبر ولكل عاقل الا يتجرأ على نصوص الشرع فيستنبط منها على ما يسوغ له فيقع في المحظور.
واخيراً/ فان هذا الباب باب واسع اقصد «عالم الرؤى والاحلام» فهو يحتاج الى بيان وايضاح ك:«حقيقة الرؤيا - والحلم والفرق بينهما - واهمية الرؤيا ومنزلتها في الاسلام - وبعض ما ورد من احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك - وحكم الكذب في الرؤية - وانواع الرؤى - واقسام الناس للرؤيا - وهل يترتب على الرؤيا حكم شرعي؟ وآداب الرؤيا الصالحة والحلم - ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام - وقصص لبعض الرؤى والاحلام الواقعية - وآداب المعبر - وكتب التعبير قديماً وحديثاً والكلام حولها.. الى غير ذلك.
وليعلم القارئ الكريم انه ليس من قصدي ان انتصر لبعض المعبرين او للرؤى والاحلام!! لكن هو ايضاح لابد منه لكثير من الناس الذين اهتموا بهذا الباب اهتماماً عظيماً، او كان ممن ينكر هذا كله.
وقد احببت ان ادلي بدلوي هذا في الموضوع، وان كانت بضاعتي في هذا مزجاة، فان كان من خير فهو من الله وحده، وان كان من خطأ فمن نفسي والشيطان والله ورسوله بريئان مما قلت وكتبت.
والله تعالي اعلم.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved