Friday 2nd August,200210900العددالجمعة 23 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

مديونية المعنى مديونية المعنى
عبدالرحمن إبراهيم الحقيل

يقصد به الشعور بالدَّين المعنوي تجاه شخص ما يثير الاعجاب لما يتصف به من شخصية جذابة ومؤثرة ولما يملكه من رأس مال معنوي أو رمزي. بهذا الرأسمال المعنوي يفسر بعض الظواهر التي تثير حيرة انسان ما ويجيب على تساؤلاته ويزوده بمعان تبدد الشك والحيرة وتخلصه من اضطراباته وتوتراته الروحية والنفسية وتخلق لديه أملا بالخلاص واعطائه وعوداً بأن التغيير سيؤدي الى حياة أفضل.. الخ.
فيطاع عن طيب خاطر وبكامل الارادة والحرية احساسا من الشخص المتأثر بالدَّين الذي في رقبته لهذا الانسان المخلص وهو ما يسمى بالأب الروحي.
ولتوضيح الفكرة سوف أطرح نموذجين:
الأول علاقة الابن بوالديه والثاني دعوة الأنبياء «محمد نموذجا»
1- علاقة الابن بوالديه:
الطفل منذ نشأته يتلقى المعرفة ومعاني الأشياء والخبرة من والديه لمراقبته سلوكهما أو طرحه التساؤلات أو لارشادات الوالدين لابنهم في شتى المواقف.
يكون الابن في هذه الحالة متماهيا مع والديه متوحداً بهما يشعر بالدين تجاههما فيكون الاعجاب والامتثال للتعاليم عن طيب خاطر. ولا يستقبل خبرات أو معاني خارج اطار الأسرة إلا إذا قيمت من قبل الوالدين.
إذا كبر الابن ودخل المدرسة ودخل مصدر جديد للمعرفة غير الوالدين فإنه يحتاج الى والديه لتمرير المعاني والخبرات الجديدة الى ذهنه وكلما كبر في السن وتعددت المصادر نتيجة للاحتكاك مع الآخرين في هذه المرحلة إما ان يتوقف دور الوالدين أو أحدهما لعدم مواكبة الحاجات المتجددة والرغبات الروحية للابن والأمان النفسي أو ان شخصية احدهما أو كلاهما قادرة على التكيف والقدرة على إرواء عطش ابنهم فيتحول احدهما الى مرشد روحي ينير له الطريق فتستقر العلاقة قوية وحميمية.
أما إذا عجز عن مواكبة حاجة ابنهما فانه سيبحث عن صحبة تروي رغباته وتحقق طموحاته المعرفية والروحية.. ويتنامى انتماؤه الروحي للأب الجديد ويزداد حبه له يوما بعد يوم مطيعا منفذاً بكل حرية وعن طيب خاطر تعاليم استاذه الجديد. وقد تنقضم علاقته بوالديه يوما بعد يوم. وهذا سر من أسرار بعض حالات العقوق للوالدين لاحساسه بضعفها وتخاذلهما عن مسايرته.
2- رسالة الأنبياء «محمد صلى الله عليه وسلم نموذجا»
جاء محمد عليه الصلاة والسلام الى العرب، وهم أمة أمية ومعارفها ضئيلة وثقافتها محدودة. جاء بمعاني جديدة تحمل مضامين سامية من القيم التي تدعو الى العدالة والمساواة بين الناس، وجاء باخبار السماء والأوائل من البشر، وفسر كثيرا من الظواهر الطبيعية والانسانية. وذكر أخبار المستقبل من مشاهد يوم القيامة والعلامات التي تسبق قيامها ومن أمثلة النبوءة بالمستقبل ذكره ان الروم المهزومين سوف يغلبون من بعد غلبهم في بضع سنين - وتحققت النبوءة- رأس مال معنوي ضخم مثالي وقوي المضمون - لأن مصدره الوحي - شخصت الأبصار وتطاولت الأعناق متسائلة من هذا الذي آتى بالعجائب وبكلام معجز مبين يخلب الألباب. انسان لا يقرأ ولا يكتب ويتحدث بهكذا كلام بعض القوم شعر بأهمية الرسالة الجديدة وانه من الخسران المبين. تفويت فرصة كهذه في اتباعها - هذا نوع من مديونية المعنى - الصديق كان أول المعتنقين للرسالة مصدقا بكل كلمة قالها صاحب الرسالة فسمي الصديق وهو من علية القوم ويعتبر رجلا مثقفا بمقياس ذلك العصر لأنه مرجع في معرفة انساب القبائل فأوكلت له قريش مهمة أداء الديات والحكم فيها. وكان متميزا باستقلال الشخصية وحرية الفكر. وصدق حسه وعادت عليه بالخير العميم فكان أول المبشرين بالجنة وأصبح الخليفة الأول بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
بلال بن رباح نموذج للانسان المسحوق والضعيف المستعبد المسخر لخدمة سيده لا يملك ارادته وحريته وجد في هذه الرسالة بغيته تحرره من عبودية البشر تحقق له العدالة المفقودة إن لم تكن في الدنيا تكون في الآخرة. فآمن دون تردد وسلم ارادته لرسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعا له عن طيب خاطر وبكل ممنونية لأن هذه الرسالة سوف تجعله نداً لسيده لانتفاء الخوف والذل منه ولذا تحمل صنوف العذاب من أمية بن خلف.
الذين رفضوا الانخراط في الدعوة الجديدة اعترفوا بأن الرسالة شيء جديد عليهم وأنها تخلب الألباب ومثيره للاعجاب لقوة معانيها وصدق وأمانة صاحبها. ولكن تقاطع المصالح معها جعلهم يرفضونها ويحاربونها بكل قوتهم ولقذف الشك في المترددين بين الايمان والشك إما لضعفهم أو خوفهم. وصفوا هذه الدعوة بأنها سحر يؤثر.
لا أرغب في الاسترسال لأن الموضوع يطول، هذا المقال محاولة متواضعة لتفسير لماذا ينساق الناس أو بعضهم وراء انسان ما يقدمون له فروض الطاعة بكل حريتهم وطيب خاطرهم يأتمرون بأمره وعقولهم مسحورة اعجابا به؟

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved