مدخل
هذا الكتاب كان في الأصل رسالة علمية نال بها المؤلف درجة الماجستير في الأدب الحديث من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1414ه، وقد كان عنوان الرسالة «شفيق جبري.. حياته وأدبه»، ثم صدر عن مكتبة التوبة عام 1415ه بعنوان «رجل الصناعتين.. شفيق جبري».
عرض
بدأ المؤلف كتابه بمقدمة بيّن فيها أسباب اختيار موضوع الرسالة «شفيق جبري» ثم بيّن أهم الدراسات والبحوث التي عنيت بهذا الأديب، ثم أهم المراجع التي اعتمد عليها في بحثه، فالمخطط الذي سار عليه، و المنهج المتبع.
وبعد المقدمة تمهيد تحدث فيه عن عصر «جبري» وبيئته من حيث الحالة السياسية، والاجتماعية، والثقافية، مبينا أثر ذلك في أدب سورية عامة، وأدب «جبري» خاصة، ثم شرع في الفصل الأول بالحديث عن حياة الشاعر مبيناً: «اسمه، ونسبه، وأسرته» وقد شحت المراجع في ذلك مما اضطره إلى الاعتماد على أقارب الشاعر وأصدقائه، ثم تحدث عن مولده، فثقافته مبينا المناهل التي شكلت تلك الثقافة الواسعة، ثم تحدث عن شخصيته في مبحث من أمتع مباحث الفصل، بيّن فيه الصفات الخَلْقية والخُلُقية مفيضا القول في الخُلُقية «لما يؤديه ذلك من إلقاء بعض الضوء على أدبه وإنتاجه بعامة، ولكون الأدب ترجمانا لطباع الأديب» «رجل الصناعتين..:42»، ثم تحدث في المبحث الذي يليه عن حياته العملية مبينا السلم الوظيفي الذي تدرج فيه، وبعد ذلك تحدث عن مشاركاته الثقافية، ثم وفاته، فمؤلفاته.
أما الفصل الثاني فكان بعنوان: «شفيق جبري شاعراً» تحدث فيه عن ديوانه «نوح العندليب»، ثم فائت الديوان مما هو في حوزة مجمع اللغة العربية بدمشق، بعده موضوعات شعره: «الوجداني، الوطني والسياسي، الاجتماعي»، ثم تحدث عن الخصائص الفنية العامة لشعره من حيث الشكل والمضمون.
والفصل الثالث كان بعنوان: «شفيق جبري ناثراً» تحدث فيه عن آثاره الفنية، وفنونه النثرية، والسمات العامة لأسلوبه.
أما الفصل الرابع فأفرده بالحديث عن مكانته الأدبية من خلال موازنة موضوعية وفنية بينه وبين أحد لِداته، وهو الشاعر «خليل مردم بك»، ثم موازنة أخرى بينه وبين الكاتب «محمد كرد علي»، وختم الفصل بسرد لآراء الدارسين والنقاد في أدب شفيق جبري. وختم الكتاب بخاتمة ذكر فيها ثمار البحث ونتائجه، ووصى الباحثين بإتمام ما بدأه من تحليل أدبي.
وقد ألحق بالبحث فائت الديوان، وهي القصائد التي لم تثبت في ديوان «نوح العندليب»، ثم فهرس للكتاب بفهرسين أحدهما للمصادر والمراجع والآخر لموضوعات الكتاب.
مزايا:
زخر الكتاب بمزايا عدة تتجلى لكل متصفح، منها على سبيل المثال لا الحصر :
1- الموضوعية: ويبدو ذلك في الوقفة الواثقة أمام مزالق «جبري» الفنية والمضمونية، فلم يذُب الكاتب كبعض الباحثين في شخصية الأديب «موضوع البحث» معرضاً عن أخطائه، مدافعاً عنها، بل وقف موقف القاضي العدل، مع التجرد من الهوى وتحري الدقة في إصدار الأحكام «وهذا واضح في الفصلين الأخيرين».
2- القدرة النقدية سواء في ذلك نقد الشكل أو المضمون، وفي نقده للمضمون تتجلى الغيرة الدينية، ومن ذلك أنه لما أورد بيت جبري:
فبنيت من حب الديار عقيدة
سجدوا لها، ويح الذي لم يسجد!
علق بقوله: «وهذه وثنية مقيتة؛ لأنه رفع الوطن إلى مقام المعبود، وهو أمر تنفر منه أسماع المؤمنين، وإن حاول بعض القوم تأويل مثل هذه النصوص تأويلاً مجازياً، فهي لا تخرج عن مضمونها المنحرف».
أما نقده للشكل فيظهر في مبحث «الخصائص الفنية العامة» وهو أمتع المباحث وأدلها على موهبة الكاتب النقدية.
3- إشراق اللغة، وجمال الأسلوب: يظهر ذلك من عنوان الكتاب: «رجل الصناعتين: شفيق جبري»، وقد ذكرت أن عنوان البحث كان «شفيق جبري.. حياته وأدبه» ولكنه عدل عنه إلى ما هو أبلغ وأجمل.
ومن الأساليب المتبعة لدى الكاتب أسلوب الاستفهام رغبة في تشويق القارئ، ومحاولة لإشراكه في إصدار الحكم، ومن ذلك قوله ص207: «هل كان إيراده لهذا الرأي دون نقاش إقرارا به؟ أي أنه عندما كتب سير أولئك الأعلام إنما كان يتحدث عن نفسه؟!».
ومن طريق الأسلوب ما ورد ص 129: «هل تجد فرقا بين قوله:
تحلو الحياة لمن طوى أيامها في مأمن من ثورة الأعصاب |
وبين قول المتنبي:
تصفو الحياة لجاهل أو غافل عما مضى منها وما يتوقع |
إلا الفرق بين الابتكار والتقليد؟!».
4- القدرة على الربط والموازنة: وأكثر ما يظهر ذلك في الفصل الأول حين أحسن الربط بين شخصية الشاعر وشعره مبينا أثر كل منهما على الآخر، أما القدرة على الموازنة فتبدو في الفصل الرابع، حين وازن بين جبري وأحد الشعراء ثم بينه وبين أحد الكتاب.
ملحوظات:
رغم ما يتمتع به الكتاب من مزايا عدة، فقد دونت عليه بعض الملحوظات، منها ما يتصل بالمنهج، ومنها ما يتصل بالأسلوب.
1- ما يتصل بالمنهج:
أ. في «ص12» ورد : «نقلاً عن تاريخ سلاطين آل عثمان يوسف آصاف ص159، والمنجد 337» هنا ظهرت الصاد الدالة على رقم الصفحة في المرجع الأول واختفت من الثاني، كما ظهر اسم المؤلف في الأول واختفى في الثاني، ومنهما معاً اختفت دار الطبع، ولا يظن أحد أن ذلك كان بسبب ذكرهما في صفحات سابقة؛ لأن تلك الصفحة هي أولى صفحات الكتاب «!».
ب. قد يؤرخ المؤلف للقاءاته بأقارب الأديب وأصدقائه، ويعين الوقت والمكان، كما في ص31 حيث كتب في الحاشية: «مشافهة من ولده رؤوف في لقاء جرى لي معه ضحى يوم الأحد الواقع في 6/12/1412هـ الموافق 7/6/1992م بمنزله في بلودان»، وقد يوجز كل الإيجاز كما في ص32 «مشافهة من رؤوف جبري».. فقط!!
ج. ومما يقرب من ذلك أنه يؤرخ تارة بالميلادي وحده، وتارة يجمع بين الميلادي والهجري كما في ص 31 وبغض النظر عما في ذلك من تذبذب، فإن التأريخ بالميلادي وحده فيه نظر.
د. ص32 كتب معرفاً بإخوة الشاعر: «أما نسيب وممدوح فتزوجا ثم طلقا» أهذا أقصى ما وصل إليه؟! لقد قلّبت هذه العبارة في ذهني فلم أجد فيها مزيد فائدة.. فماذا سيجني القارئ إن علم أن أخوي الشاعر تزوجا ثم طلقا، أو لم يتزوجا أصلاً؟! بل ما أثر ذلك في الشاعر نفسه؟!! هلا ذكر ما يتعلق بتعليمهما مثلاً أو تأثيرهما في الشاعر وتأثرهما به، أو أي شيء ذي بال.. أما تزوجا ثم طلقا..؟!
ه. عرّف بالزركلي ص36، وذكر تاريخ وفاته، وذكر أنه رجع في ذلك إلى ترجمته لنفسه الملحقة بكتابه «الأعلام»«!» ومن المستحيل أن يؤرخ لوفاته، والكتاب الذي رجع إليه ليس من الكتب المحققة حتى نقول: إن ذلك التأريخ من إضافات المحقق «!!» فلابد إذاً أن الباحث اعتمد على مرجع آخر، لكنه لم يشر إليه!!.
2- ما يتصل بالأسلوب:
أ. لم أعجب من شيء في هذا الكتاب كعجبي من قول مؤلفه واصفا شفيق جبري : «.. ذو قامة مديدة فرعاء تعلوها هامة مستديرة..» إن كل قامة لا بد أن تعلوها هامة، ثم هل هناك هامة مثلثة أو مستطيلة؟!!.
ب. ص 143 بعد أن انتهى مبحث «الوحدة العضوية»، ورد مبحث تحت عنوان «الألفاظ» كتب في بدايته: «هذا ما يمكن قوله عن الوحدة العضوية» «!» وهذه العبارة لا شأن لها بمبحث الألفاظ، وكان الأولى أن تكون خاتمة لمبحث الوحدة العضوية، بل الأولى في نظري ألا تذكر؛ فمقامها خاتمة لحصة دراسية لا مبحث أكاديمي «!».
ج. في ص91 كتب: «أما المقالة العلمية» عنوان رئيس سُبق ب«أما»!!
د. ومن الهنات الأسلوبية قوله ص48: «.. وحين أراد بعض أصدقائه أن «يعملوا له» حفل تكريم رفض».
ه. حين لا يتمكن الكاتب من معرفة تاريخ ميلاد أو وفاة أحد الأعلام فإنه يعبر عن ذلك بعلامة استفهام، فمثلاً في ص14 ورد: «سلطان الأطرش: ؟ ؟» وهذا غير مناسب في بحث علمي، والأولى أن يقول: لم أعثر على تاريخ لمولده ولا وفاته، أو نحو ذلك.
هذا ما بدا لي من ملحوظات على الكتاب أرجو أن أكون قد أصبت ولو في بعض منها، وأدعو الله أن يوفق المؤلف لإخراج بحوث قادمة تكون على مستوى هذا الكتاب من الجودة والتميز.
|