لم يكد يكتمل عام واحد على فاجعتنا بوفاة سمو الأمير فهد بن سلمان «الأربعاء 4 جمادى الأولى 1422هـ»، حتى اعتصرت قلوبنا مرة أخرى لوفاة شقيقه سمو الأمير أحمد بن سلمان، فلا حول ولا قوة إلا بالله و{إنَّا لٌلَّهٌ وإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}.
لا أريد ان اتحدث في هذه الأسطر عن الأعمال الخيرية المتعددة التي قدمها المرحوم سواء للمحتاجين أو لمرضى الفشل الكلوي أو لبناء المساجد أو للجمعيات الخيرية وجمعيات رعاية الأيتام، فعلى الرغم من ان سموه رحمه الله كان يمتلك أكبر مجموعة اعلامية عربية، إلا ان أعمال الخير المتعددة التي كان يقف خلفها كانت أبعد ما تكون عن التغطية أو الضوء الاعلامي، فلم يكن سموه يرجو من ذلك سوى رضا الباري وعفوه وغفرانه.
ولا أريد ان اتحدث في هذه الأسطر عن تلك الاسهامات الوطنية الكثيرة التي قدمها المرحوم لوطنه ومجتمعه سواء من خلال تملك سموه لأكبر مجموعة اعلامية عربية استطاع من خلالها تقديم الكثير لوطنه في العديد من المواقف والأزمات التي مرت بها المملكة، ولن اتحدث عن تلك التضحيات التي قدمها عليه رحمة الله لوطنه في مجال الفروسية من خلال تقديمه العديد من الانجازات العالمية التي سجلت باسم الوطن.ولكنني أحببت في هذه الأسطر مشاطرة آل سلمان أحزانهم.
آل سلمان.. ان مصابكم لجلل كبير، فأحمد بن سلمان عليه رحمة الله لن يذهب عنكم، وسوف ترون في كل مكان وطأة قدمه، وفي كل مصلى صلى فيه، وسيكون حاضراً في قلوبكم في كل عيد.
سيدي سمو الأمير سلمان، لقد فجعت مملكتنا بكافة مناطقها لفقدان المرحوم، لقد خرجت الآلاف للصلاة عليه ورافقته لمثواه الأخير ودموعها تذرف لفراقه وقلوبها وألسنتها تتضرع الى ان يجزيه الله خير الجزاء.
سيدي، لقد امتلأت كافة الساحات المحيطة بقصركم وضاقت المجالس والصالونات بحشود من المعزين لم يسبق لها مثيل سوى في عزاء المغفور له فهد بن سلمان، سيدي، لقد أتوا لتقديم خالص العزاء والمواساة حباً واخلاصاً لسموكم، نعم أتوا معزين ومواسين رداً لجزء من جمائل سموكم، فما من بيت في مدينة الرياض وغيرها من المدن الأخرى إلا وشاركت أهله أحزانهم في مصائبهم ووقفت معهم في أزماتهم، لقد أصبحت عوناً لكل محتاج منهم، وأباً لكل من تيتم منهم، وناصراً لكل مظلوم منهم.
سيدي سمو الأمير سلمان، لقد حزت القلوب عندما ذرفت عيناكم تلك الدمعات الغالية على فراق المرحوم، وقد زاد ذلك من قامتكم شموخاً أمام شعبكم وأمتكم، وقد ضربتم بذلك المثل الأروع لأسمى معاني الأبوة الحانية، ويكفيكم يا ابن عبدالعزيز ان تروا تلك الحشود الهائلة معزية في الفقيد، فما ذلك إلا دلالة على مكانتكم في نفوس الناس ومحبتهم الكبيرة لشخصكم.
سمو الأمير، إن كل من شاهد علامات الصبر والتحمل في وجه سموكم أثناء العزاء أدرك أنكم تستندون الى دين عظيم وترجعون الى عقل متين وهذا هو ما عرفه الناس عنكم وبهذه الصورة شاهدكم المعزون.
يا سيدي، لقد رحل الابن والأمير البار أحمد ولحق بأخيه فهد في جنات النعيم إن شاء الله، فعظم الله أجركم وغفر الله لفقيدكم وفقيدنا، وحمداً لله على قضائه وقدره، وما مات من كان سلمان والده.
سمو الأميرة سلطانة السديري، ان المؤمن مبتلى، وان من أكثر مشاهد الابتلاء فقدان الابن، فكيف وانت تفقدين اثنين من أبنائك في سنة واحدة. والدتنا سلطانة السديري، لا أدعوك الى اخفاء معالم الحزن على فراق الفقيد، فقد حزن أشرف الخلق حين توفي ابنه ابراهيم، حينها قال عليه الصلاة والسلام «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا»، سمو الأميرة انني ادعوك وكافة آل سلمان ان تجعلوا جزءاً من حزنكم دعاءً للمرحوم وان ينزله مع أخيه فهد منازل الشهداء وان يجمعكم الله بهما في جنات النعيم.
سمو الأميرة سلطانة، نعلم ان فراق ابنكم أحمد مؤلم جداً ولكنني على يقين بأن ايمانك بالله أكبر، فسبحانه الذي لا راد لقضائه. واعلمي ان لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة حين أصيب عليه والصلاة السلام بالحزن حين توفى الله أبناءه القاسم وعبدالله وابراهيم، كما حزن عليه الصلاة والسلام عندما توفيت بناته الثلاث تباعاً رقية وزينب وبعد عام لحقتهما اختهما الثالثة أم كلثوم، ولكنه عليه الصلاة والسلام يصبر ويحتسب.
إنها سنة الله في خلقه، وان أحمد بن سلمان رحمه الله وان غاب ورحل فهو في جنات النعيم بإذن الله.
وأخيراً لا نملك سوى ان نقول إنا على فراقك يا أحمد لمحزونون، اللهم اجمعه بأخيه فهد مع الصديقين والشهداء وأسكنه فسيح جناتك وألهم والديه وإخوته وزوجته وأبناءه وبناته الصبر والسلوان {إنَّا لٌلَّهٌ وإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}.
|