إن العمل الجاد والمتزن والمنظم يعتبر متعة لدى المبدعين في كل قطاع من القطاعات.. ولكني سأركز على قطاع التعليم حيث الشريحة العظمى والسواد الأعظم من أفراد المجتمع الفاعلين هم من المعلمين.. ولكن للأسف الشديد هناك فئة من المعلمين المبدعين وئدت أفكارهم ولم تستثمر مواهبهم وقدراتهم وإبداعاتهم.. فالشعور باللامبالاة من مسؤولي الإدارات التعليمية خارجة عن نطاق الهم الأكبر ألا وهو تنشئة الأجيال تنشئة صحيحة.. فلغة الحوار معدومة، والرأي الأوحد هو الذي يفرض نفسه دوماً، والسلطة والتسلط هو السلاح الذي يشهر في وجه أصحاب الفكر والإبداع.. والواسطة اللعينة هي التي تقرب أولئك المحبطين من المعلمين الباحثين عن الراحة والدعة بقرب من قربهم وأواهم إلى إدارته..
بل إن بعض المسؤولين وأصحاب المراكز يدفعهم تسلطهم إلى اخفاء جهود زملائهم من المعلمين حتى يظهروا انهم وحدهم وراء الإنجاز متناسين ان هذا العمل عامل احباط وهدم، وإلا بماذا يفسر وجود اسم أحد مسؤولي التعليم دائماً جنباً إلى جنب مع المعلمين المبدعين حتى بلغ بهم المطاف إلى اقتران اسمائهم بالمبدعين في كل عمل إعلامي وفكري.. بل وصل الأمر إلى أشد من ذلك حتى في تأليف الكتب المتخصصة فهذا المعلم يؤلف في الآثار ويقرن اسم المسؤول بجانب اسمه.. وذاك يؤلف كتاباً في التوجيه والإرشاد ويقرن المسؤول بجانب اسمه وآخر يبتكر ابتكاراً وينسب الفضل لهذا المسؤول.. وهلم جرا.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن.. لماذا نجد الكثيرين من المعلمين المبدعين لا يتسع لهم المجال لاظهار مواهبهم وأفكارهم ونثر إبداعاتهم على أرض الواقع؟؟؟ بعيداً عن التزلف والتملق والمداهنة.
ولقد رأيت العديد من المعلمين هجروا بيئتهم التعليمية إلى بيئات صحفية وخيرية وفكرية لاظهار مواهبهم في تلك البيئات، والسبب كما يلوح في الأفق هو وجود الحواجز والجمود الإداري كما افصح بذلك أحد الزملاء.. فالمسؤولون عن التعليم لا يقبلون بأي تغيير في أساليب العمل ولوائحه وقوانينه وتعليماته وقراراته حيث يعتبرون ذلك خروجاً عن المألوف والمعتاد مما يسبب لهم الشعور بالخوف من تعنيف وزارة المعارف لهم إذا هم خرجوا عن هذه الأطر. أضف إلى ذلك أسلوب مركزية الإدارة فعدم ثقة المديرين والمسؤولين بأنفسهم قد يجعلهم يحرصون على اتباع هذا الأسلوب وبالتالي احتكار القرارات مع عدم اعطاء الفرصة لمن هم في الميدان للمشاركة وإبداء الرأي.
والأدهى والأمر ان يعمد بعض المديرين إلى محاولة التأثير على المبدعين من المعلمين كي لا يكتشفوا أو يلفتوا الأنظار لقدراتهم.. بل ينظر إلى اجتهاداتهم ورؤاهم على انها محاولات لتجاوز الحدود. ولو امعنا النظر في الدول المتقدمة لوجدنا انها سخرت كل الإمكانات في زيادة اخلاص العاملين كل في موقعه وافسحت الطرق أمام مبدعيها للاستفادة من مواهبهم الإبداعية واستثمار أفكارهم ومواهبهم بشكل يفيد النظام التعليمي ككل.
لقد سبق وان قلت في افتتاحية هذه المقالة على ان العمل الجاد يعتبر متعة لدى البارزين والمبدعين عموماً وذلك لشعور داخلي ينتابهم بأنهم جزء من هذه المنظومة التربوية وواجبهم تجاه أنفسهم وأبنائهم وطلابهم يحتم عليهم إنجاز عمل ما.. ويميلون إلى عدم الرضا عن الوضع الراهن.. ولديهم قدرة على تقديم الأفكار وتبادل الرأي والمشاركة والبحث عن الحقيقة.
والواجب على كافة المديرين ومسؤولي الإدارات التعليمية تشجيع المعلمين المبدعين وأخذ أفكارهم بصورة جدية والاستفادة من أطروحاتهم وخبراتهم والعمل على إزالة الحواجز والعقبات التي تعترض مسيرتهم ودعم مغامراتهم ورفع مستوى كفاياتهم من خلال اتاحة الفرصة لهم للالتحاق بالدورات الداخلية والخارجية واكمال دراساتهم العليا، واعطائهم اسبقية متميزة وأفضلية على أقرانهم وحفزهم للأداء المتميز والإبداع فيه.
|