عصفت بعينِك هدأةُ الأرجاء
لله ما أقسى دُجَى الغُرباءِ
يا أيُّها الليل المهاجر في دمي
إنّي مَلَلتُ تَرقّبَ الأنواءِ
وعلوتني بمصائبٍ منها بَكَت
حَزناً عليَّ ملائكُ العَلُياء
وصرختُ حتى خِلت أنَّ نجومَهُ
لسكونها لَم تستَمِع لِنِدائي
نُذُرُ غَزَت فوْق الظلامِ وَغَادَرتْ
أسفاً يثورُ فيستبيحُ بُكَائي
يا أيَّها الليلُ الطويل تهيأتْ
هذيِ الجفونُ لِلَوعةٍ وعَنَاءِ
إنَّ الأسى متشبثٌ بسمائها
يُرْخي عليها وَحشَةَ الظلماء
دَعْها يحلّقُ في السوادِ جَناحُها
وتطوفُ أركان العُلا بإباء
قيدتّها بسلاسل من عبرة
وسجنتها في تلكم اللأواء
وتركتها بمصَاب عيني تحْتسي
ظمأً تعتَّقَ في سُلاَف دِمائي
حتى تنفستُ الرَّدَى شبَّابةً
عزفتْ بلحنِ تَطَرفِ الأشياء
حولي يَعُجّ تُرَابها مقهورةً
تُصغي إليها قوّةُ الأصداء
فترنحتّ بين الشموس ويا لها
شَبَّابةً في هذه الضوضاء
يا عينَ سلمانَ الوقورِ تَصَبَّري
إنَّ العَزَاءَ بآلكِ العُظَماء
هزّتْ عُبَابَ الليلِ في هذا النَّوَى
فتساقطتْ رُوحي لها وفدائي
أَمْسى البِلَى بمحاجري يا سيّدي
وبكيتُ أحمدَ في عُيُونِ بقائي
وَبَكى معي فَلَكٌ يدورُ ودونه
وَقَفَتْ كواكبُهُ على اسْتحياء
وَجَثَتْ على أَنْوائها مَذْعُورةً
حتى عَلَتْ في حُزْنها جَوْزائي
كم مرةً أَصْغى السُّها لما شَكَتْ
أَكبادهَا من طَعْنةٍ نَجْلاء
وتدثَّرتُ جلَلَ المُصَاب كأنَها
مشنوقةٌ في ساحةٍ حَمْراءِ
فَلِمَنْ تُغَنِّي بعد ما بَلَغَ الزُّبَى
سَيلٌ تَرَجَّل في صَدَى الغَوغاء
يا سيّدي هذي الجوانحُ تشتكي
عَبَراتُها في ليلتي الخرساءِ
في حزنِ يعقوب وغُربَةِ يُونسٍ
ونشيج موسى من لَظَى الأعباء
لما رأتْكَ تَنَفَّضَتْ منْ عَارها
وَتَطَهَّرَت في نُورك الوضَّاءِ
وتهادتِ الآياتُ في مِحْرابها
قُدْسيَّةً بشموخكِ المُتَنَاني
يا ابنَ الذين تَشَرَّفُوا في وائلٍ
نَسباً سَمَا برسالةِ الآباء
وتَهجَّدَ القرانُ في حُجُرَاتهم
وَتعطَّرَت بتلاوةِ القُرَّاءِ
سُحُبُ المُنَى جادت بغيتك هاطلاً
فَسَقَت عِطَاشاً في جوى البيداء
قَسماً بمَنْ أولاك أَجْرَ عزيمةٍ
إن الرضا صبر وحسن عزاء