Monday 22nd July,200210889العددالأثنين 12 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

يا أبا تراب تركت لنا أسنة الكمد وحرقة الكبد يا أبا تراب تركت لنا أسنة الكمد وحرقة الكبد

كيف لا أنفجع من ريب المنون وأذرف دمعي على أبي تراب أبي بعد أبتي أنا لست بالشاعرة ولكن هو ما اقتبسته من بحر علمك الغزير وقوافيك الغدقة ففاضت به قريحتي لكي أرثيك بها:


يا ذخر الوالدين التلتلِ
بكاك كل نايٍ ومقبل
والطيب على مسكوب
الطيب فوقك بمنهل
أجدلٌ كساه الديباج
فحلِّق في جنان المنزل
أبقى لنا بعد وهوهةٍ
قلوباً بين مرعبلٍ ومحنظل
يا أيها الناعي لي أبا تراب
شه وذرني أسألي
عن شيخٍ ورث الأدب والعلم
من أبٍ كصقر أكحلِ

أخي طب نفسا فالجنة بإذن الله مثواك يالزاز الزمن المتقلب يا علم العلوم وبحرها يا محب الطفل وجابر كسره، قد قضيت قبل رحيلك ثلاثة عشر يوماً من رمضان وكأني لا أعلم الوداع ولم أنس يوم أميت بأولادي فصليتم العشاء فآخر ما أسمعه «والضحى» ولا أنسي آخر نصائحك لي حين سألتني عن ماذا أفعل فأجبتك بأني أصلي التهجد فنصحتني بالمداومة عليه وإن أنسى لا أنسى يوم سارعت وأنقذت أولادي قبل وقوعهم في الهاوية فوق الجبل بالمغرب وجلست معهم تداعبهم، فأنت يا أخي ودعتني وداع أخت ذهلت بفقد أخيها وقد علمتني الجود والأخلاق الكريمة والحكمة فطاب ثراك فإن غبت عن عيني فإنك لا تغيب عن قلبي ما دمت حية، وكذلك ذكرياتي معك الجميلة لا أنساها فطفت بي البلاد كلها وقد كنت لي يا أخي عوناً وأباً في الزمن الممحل إذ قلت لي كالهزبر: «لا تحملي هماً فأبو تراب حي فأنا لم أمت» فتلك شجاعتك المعهودة ونجدتك من بعد الله المبذولة فهذه كلماتك الأخيرة مما سمعتها منك رحمك الله فما حل بي خطبٌ إلا وكنت كطائرٍ على الفيافي تبرق أمام عيني وأنفقت عليّ بعد أبي فزوجتني من صديقك فكان من خيرة الرجال فلما تلقيت خبر وفاتك وأنا بعيدة عنك كانت أم سلمة في الطريق إليك فسألت شقيقتي: كيف وجدته قالت: وجدته مستلقياً في حجرته بين الكتب باسما وكلتا سبابتيه تشهدان بالحق. قالت ما رأيت أفضل من هذه الميتة وتمنت ان نموت على مثل هذه التقوى والصورة الحسنة ودليل الإيمان الصادق، وعندئذٍ ذكرت لي كيف كانت تعينه على ربط عمامته التي كانت اربعين متراً وهي ابنة تسع سنين وكيف كان تشجعه على قراءة القرآن والسنَّة المطهرة. وذكرت لي شقيقتي فاطمة كيف انقذ ابنها فلا تنسى له هذا المعروف فما ضاقت بها السبل إلا وجدت عون الله ثم عونك. فيا أخي أنت في قلوبنا دائماً كنا نغترف من بحر علمك فكان غذاء عقلك القرآن وغذاء روحك البخاري ومسلم فلما كانت المنية المنية كانت بين الكتب فلما وصلت فوالله ما رأيتك إلا مسفراً ضاحكاً مستبشراً وكأن الملائكة تناديك قال تعالى:{وٍجٍوهِ يّوًمّئٌذُ مٍَسًفٌرّةِ (38) ضّاحٌكّةِ مٍَسًتّبًشٌرّةِ(39)} [عبس: 38-39]
وقال تعالى: {يّا أّيَّتٍهّا پنَّفًسٍ پًمٍطًمّئٌنَّةٍ (27)ارًجٌعٌي إلّى" رّبٌَكٌ رّاضٌيّةْ مَّرًضٌيَّةْ(28)فّادًخٍلٌي فٌي عٌبّادٌي (29) وّادًخٍلٌي جّنَّتٌي (30)} *الفجر:- 29-28-27 30) ، فطب يا أخي في دار البقاء هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون لقوله تعالى:{قٍلً يّا عٌبّادٌيّ پَّذٌينّ أّسًرّفٍوا عّلّى" أّنفٍسٌهٌمً لا تّقًنّطٍوا مٌن رَّحًمّةٌ پلَّهٌ إنَّ پلَّهّ يّغًفٌرٍ پذٍَنٍوبّ جّمٌيعْا إنَّهٍ هٍوّ پًغّفٍورٍ پرَّحٌيمٍ (53)} الزمر:( 53) فيا أبا محمد طب نفساً إن مثواك الجنة إن شاء الله.
آمنة
ابنة الشيخ أبي محمد عبدالحق الهاشمي المحدِّث والمدرِّس بالمسجد الحرام ودار الحديث -رحمه الله-

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved