كان الرجل يلهث من شدة الحر، قد اسود وجهه، ولسعت الشمس شيبته، سارع إلى الواقف عند الإشارة ومد إليه كيساً صغيراً فيه حبات ليمون، وقال: قيمته عشرة ريالات، ومد السائق يده إلى المحفظة وأعطاه عشرة ريالات، وقال: خذ الليمون لست بحاجة إليه فأنا مسافر، اكفهر وجه البائع وقذف بالريالات إلى داخل السيارة قائلاً: أدخل على الله أنا بائع ولست متسولاً.
هذا هو نموذج واحد من أولئك الباعة المتجولين الذين يطاردهم رجال البلديات أكثر مما يطاردون المتسولين، إنهم مواطنون شرفاء، لم يجدوا وظيفة، ولم يركنوا إلى الكسل، وعفت نفوسهم عن المسألة التي تريق ماء الوجه، وصارت حرارة الشمس التي تتجاوز الخمسين درجة أهون عليهم من برد صدقة تذل كرامتهم.
منهم من اشترى خضاراً وجلس على الطرقات العامة في وقت الزوال ليكسب بشرف في وقت يمر أمامه الناس في سيارات مكيفة، أو يغطون في نوم في غرف مكيفة أو تأتيهم آلاف الريالات في مكاتب مكيفة، ومنهم من اشترى بضائع رخيصة ليبيعها بربح زهيد على عربة، ومنهم نساء افترشن الأرصفة ليكسبن لقمة حلالاً، ولكن البلديات ليس لديها قلوب رحيمة لتدرس وضع هؤلاء وتوجد لهم أماكن مجانية ليبيعوا فيها، فهم غير قادرين على الاستئجار في الأسواق ذات الايجارات المرتفعة، ومن أسباب المطاردة عدم كساد تأجير المحلات في الأسواق.
يأتي جهول حظه أنه حصل على وظيفة صغيرة فيقلب عربة هذا البائع أمام الملأ، أو يصادر البضاعة «بأي ذنب قتلت» ومن العجيب أن الخضار والفواكه المصادرة تسلم للجمعيات الخيرية، وهذه الصدقة التي يتبعها أذى، ان جاز أن تكون صدقة، فالمسلوب مصدره غير شريف والصدقة لا تكون إلا من طيب، والبائع أولى بالصدقة من الجمعية، إنه مواطن ذو حاجة أكرم نفسه عن المسألة، وغالب البطالة، وجهد في أن يجد طعاماً لصغاره فهل يكافأ هذا الشريف باتلاف بضاعته أو مصادرتها أم يبحث وضعه ويوجد له المكان المناسب؟ ولو لم يكن محتاجاً لما قبل البيع بهذه الصورة التي تثير الشفقة في القلوب الرحيمة، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، ومن أغناه الله ليس بأكرم من ذي الحاجة.
قرأت قبل أيام تصريحاً لسمو الأمير مقرن بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة يشكر عليه، ومحتواه أن هؤلاء مواطنون يبحثون عن لقمة حلال بطريق شريف فهم بحاجة إلى المساعدة وقرأت في جريدة الرياض يوم الاثنين 5/5/1423هـ وفي عكاظ يوم الثلاثاء 6/5/1423هـ أن أمانة جدة حصرت (103) مواقع يرتكز فيها البائعون المتجولون، وأنها قامت بـ 1228 جولة على أولئك الباعة وصادرت 1820 ونيت خضار وفواكه وخردوات، وأتلفت 5210 عربة يدوية، وقبضت على 920 بائعاً متجولاً، وأقول إن هؤلاء إن كانوا غير سعوديين فيرحلون، أما إن كانوا سعوديين فهذا الإجراء غير سليم، فهم مواطنون لم يلجأوا إلى هذا النوع من البيع الشاق إلا لوجود أشق منه وهو الفقر والحاجة، فهل من سبيل لعلاج لعوزهم؟
للتواصل: ص. ب 45209 - الرياض 11512 - الفاكس 4012691
|