حلقات يكتبها: مبارك عبدالعزيز أبو دجين
نواصل التجوال عبر «حدود الوطن» في مناطق ومحافظات بلادنا الغالية، وسنحط الرحال هذا الاسبوع في محافظة الأفلاج تلك المحافظة الحالمة في مناخها وطبيعتها وكرم سكانها حيث سنتعرف على تاريخها وجغرافيتها ومعالم نهضتها العمرانية والاقتصادية.
التسمية والموقع
يعود سبب تسمية الأفلاج إلى كلمة فلج وهي واحد الأفلاج والفلج هو الماء الجاري من العين تلقائياً، وقد اشتهرت الأفلاج بأجمل القصص العاطفية كقصة قيس وليلى بجبل التوباد، كذلك بوفرة مياهها التي تسيح فوق سطح الأرض بالإضافة إلى وجود الأماكن الأثرية التي شهدت الأحداث التاريخية القديمة وصورتها قصصاً وقصائد.
وتقع الأفلاج جنوب مدينة الرياض بمسافة تقدر بحوالي 320كم وتشمل جميع المنطقة التي تقع بين دائرتي عرض 20 ،40 درجة، 15 ،23 درجة شمالا. وبين خطي الطول 15 ،45 درجة و12 ،48 درجة شرقاً، وهي بهذا تحتل مساحة كبيرة من الأرض تقدر بحوالي 54120 كيلومتراً مربعاً. وتعد إمارة الافلاج إحدى الإمارات التابعة لإمارة الرياض وهي أكبر هذه الإمارات مساحة، وتحد إمارة الأفلاج من الناحية الشمالية بكل من إمارة الخرج وإمارة حوطة بني تميم وإمارة الحريق، ومن الجنوب تحد الأفلاج بإمارة السليل حيث يفصل بينهما وادي الضبيعة الذي يعد أحد روافد وادي الشطبة.
ومن الشرق تحد الأفلاج بإمارة المنطقة الشرقية حيث تعد الدهناء الحد الفاصل بينهما، أما من الناحية الغربية فتحد الأفلاج بكل من إمارة وادي الدواسر وإمارة القويعية، حيث تعد جبال طويق ونفود الدحي الفاصل الطبيعي، لهذه الإمارة من الغرب.
ولهذا الموقع المتوسط للأفلاج أثر كبير في نهضتها التجارية والزراعية، ففي قديم الزمان كانت الأفلاج ممراً للقوافل التجارية التي تعبر الصحراء متجهة في تنقلاتها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، أما اليوم فقد نهضت الأفلاج نهضة تجارية كبيرة بحكم وقوعها على الطريق الرئيسي الذي يربط الرياض العاصمة بالمنطقة الجنوبية، ومن ورائها الجمهورية العربية اليمنية الشقيقية، وكذلك بحكم الزيادة السكانية التي شهدتها المنطقة ولقرب الأفلاج من المراكز العمرانية الكبرى وخاصة الرياض أثر كذلك على نهضتها الزراعية والتجارية.
جغرافية المحافظة
سطح منطقة الأفلاج يمكن أن يقسم إلى قسمين رئيسيين؛ القسم الأول هو منطقة البياض، وهي التي تقع شرق طريق الجنوب المسفلت ومنطقة المرتفعات وما تبعها من أودية، وهذه تقع في أغلبها غرب طريق الجنوب المعبد. ففي هذه الحالة تكون منطقة البياض علي يسار المتجه إلى الجنوب من حوطة بني تميم والمرتفعات وما يتبعها من سهول مرتفعة على يمينه.
وسطح الأفلاج يتدرج في الارتفاع من الشرق إلى الغرب حيث مرتفعات جبال طويق التي يصل ارتفاعها في بعض المناطق إلى أكثر من 1000 متر فوق سطح البحر، وينحدر من الغرب إلى الشرق حيث يصل أقل ارتفاع له حوالي 350 متراً فوق سطح البحر في أقصى شرق منطقة الأفلاج، وبما أن منطقة الأفلاج جزء من هضبة نجد فهي تبلغ في متوسط ارتفاعها حوالي 450 متراً فوق سطح البحر ومنطقة البياض تمتد امتداداً عظيماً من شمال إمارة الأفلاج إلى أقصى جنوبها، وهي عبارة عن سهول عظيمة يتخللها كثير من الوديان والمرتفعات والرمال، وهي تحد في شرقها برمال الدهناء وتحد في جنوبها برمال الربع الخالي مع وجود بعض التكوينات الرملية داخل منطقة البياض بسبب عملية النقل والإرساب. ومن أهم أودية البياض وادي الجدول ووادي المقرن ووادي تمامات والدوسري وأبو حميض وغيرها من الشعاب المتعددة.
أما منطقة المرتفعات فتتكون من جبال طويق الممتدة من شمال المنطقة المحيطة بوادي برك إلى أقصى الجنوب حيث المرتفعات التي يسيل منها وادي المقرن والمتمثل في فرعه وادي الشطبة. ويلي النطاق الجبلي من الناحية الشرقية سهول ضخمة مرتفعة تعرف باسم الخطافة في كثير من مناطق الأفلاج، وتخترق منطقة الخطافة كثير من الأودية والشعاب التي تنحدر من الجبال الغربية.
المناخ
تعد منطقة الأفلاج أقرب أجزاء المنطقة الوسطى من جهة الجنوب إلى الربع الخالي، كما أن اجزاءها الشرقية داخلة في صحراء الدهناء، وهي منطقة داخلية بعيدة عن تأثيرات المسطحات المائية، مما جعل المناخ الصحراوي بصفاته القارية يظهر بشكل واضح في المنطقة، وقد يؤدي الارتفاع في بعض أجزاء المنطقة إلى انخفاض نسبي في درجة الحرارة، ففي حين أن متوسط درجة الحرارة في بلدة الغيل - التي يبلغ ارتفاعها حوالي 900 متر عن سطح البحر حوالي 8 ،37 ليلى ودرجة مئوية نجدان متوسط درجة الحرارة في مدينة ليلى التي يبلغ ارتفاعها حوالي 550 متراً عن سطح البحر حوالي 6 ،40 درجة مئوية، وهذا دليل بحد ذاته على أن الارتفاع له دور كبير في انخفاض درجة الحرارة وله كذلك دور في نسبة سقوط الأمطار.
ويمكن أن يقسم مناخ الأفلاج إلى قسمين رئيسيين كمعظم مناطق المملكة الفصل الأول ويمثل الشتاء ويمتد من شهر أكتوبر إلى نهاية شهر مارس. ويمتاز بانخفاض درجة الحرارة وخاصة في شهر يناير وتصل متوسطات الحرارة في هذا الفصل من السنة إلى 2 ،20% وقد سجلت في هذا الفصل أدنى درجة حرارة في ديمسبر عام 1971م حيث بلغت 3 ،6 درجات مئوية. ولكن كبار السن يؤكدون بأنه قد مر على منطقة الأفلاج موجة برد أشد من تلك بكثير مما أودى بحياة الكثير من الأشجار مما جعل أهل المنطقة يطلقون عليها سنة الضريم التي كانت عام 1362هـ.
أما الفصل الثاني فيمتد من شهر أبريل حتى نهاية شهر سبتمبر، وهو فصل الصيف، ويمتاز بارتفاع درجة الحرارة خصوصاً في شهر يوليو، وتصل المتوسطات الحرارية في المنطقة إلى 6 ،31 درجة مئوية، وقد سجلت في هذا الفصل أعلى درجة حرارة في عام 1981م حيث بلغت في شهر يوليو من تلك السنة 49 درجة مئوية.
وتهب على الأفلاج في فصل الشتاء رياح جنوبية وجنوبية شرقية وهي ما يعرف في تلك المناطق باسم الهيف.
وتسود الرياح الشمالية والشمالية الشرقية في فصل الصيف، أما الفترة الانتقالية بين هذين الفصلين فتكون متقلبة الاتجاه.
أما الأمطار في الأفلاج فتمتاز بندرتها، وفي حين سقطوها فإن معظمها يسقط خلال فصل الشتاء الذي يستحوذ على أكبر نسبة من الأمطار خلال السنة وخاصة في آخره الذي يعرف بأشهر الربيع.
ومما يلاحظ أن الأمطار في منطقة الأفلاج تسقط بكميات كبيرة كلما اتجهنا إلى الغرب وتقل نسبة هذه الأمطار كلما اتجهنا إلى الشرق.
وليس أدل على ذلك من أن المجموع السنوي للأمطار في الهدار يصل إلى 90 ملم في حين أنها تقل بكثير في مدينة ليلى.
التربة والمياه
تزخر منطقة الأفلاج بأنواع عدة من التربة منها الصالح للزراعة ومنها ما لا يصلح لها أبداً.
فالنوع الأول من التربة هو النوع الذي يتميز بنتوءاته الصخرية وتربته الطميية غير الصالحة للزراعة، وهذا النوع يغطي جزءاً كبيراً من منطقة الأفلاج وخاصة المنطقة المحاذية لجبال طويق من الناحية الشرقية. ويتخلل هذه المنطقة سهول وقيعان بعضها يصلح للزراعة. وتستعمل معظم هذه الأراضي كمراع. وإن وجدت بها الزراعة المروية فهي في أماكن متباعدة جدّاً.
والنوع الثاني من التربة الطينية العميقة الصالحة للزراعة تتخللها بعض النتوءات الصخرية. وهي تتكون من سهول فيضية مستوية تقريباً أو منحدرة انحداراً خفيفاً ورواسب مروحية فيضية ومناطق فاصلة بين الأودية وسفوح المنحدرات وقد استغلت هذه التربة في الزراعة المروية التي تشهدها وشهدتها منطقة الأفلاج.
أما النوع الثالث من التربة فهي عبارة عن سهول وقيعان غير صالحة للزراعة مع وجود بعض التربة العميقة الصالحة للزراعة، وهذه عادة مناطق مستوية تقريباً خفيفة الانحدار على سهول منخفضة وأطراف منحدرات الأودية والسهول الرملية والقيعان وهي كثيراً ما تكون غير منتظمة الشكل، وتستعمل هذه الأراضي كمراع مفتوحة، وبعض المناطق تلائم الزراعة المروية ولكنها متناثرة على مساحة واسعة وكثيراً ما يكون حجمها غير كاف لقيام زراعة مروية على نطاق واسع.
وتمثل التربة الرملية والطيمية العميقة الصالحة للزراعة النطاق الذي تقوم عليه النهضة الزراعية بالأفلاج، ويتكون هذا النوع من تربة مستوية تقريباً إلى منحدرة انحداراً خفيفاً في مناطق السهول الفيضية والشرفات الواسعة المستوية والكثبان المنخفضة والسهول الرملية.
كما توجد تربة مالحة غير صالحة للزراعة ويتخللها بعض النتوءات الصخرية، ويتألف هذا النوع من التربة من سهول مستوية تقريباً إلى سهول شديدة الانحدار مغطاة بالحصى والحجارة. ونظراً لقلة النباتات الطبيعية في معظم مناطقها فإنها لا تصلح إلا للرعي القليل حيث تنمو الأعشاب والشجيرات في أماكن تجمع الرمال.
أما المياه فتقسم الأفلاج إلى عدة مناطق من حيث تكوين المياه: فالسهل الواقع غرب جبال طويق من منطقة الأفلاج توجد به تكوينات خف وطفل سديد والجلة، ومصادر المياه في هذه التكوينات صفر، لأنها جزء من الدرع العربي الذي يندر وجود الماء فيه.
أما الواحات في جبال طويق فتحتوي على تكوينات المنجور وضرماء والأحجار الجيرية لجبال طويق وتكوين حنيفة والجبيلة ومصادر المياه في هذه المناطق تأتي من عدة مصادر أهمها طبقة المنجور الحاملة للمياه، وهي على عمق 400 - 600 متر، ومياهها متوسطة النوعية ومستوى الماء الساكن فيها من 100-130 متر وتعد مصدراً مهما للاستغلال.
أما تكوينات رسوبيات الأودية وضرماء والموجودة في الأحمر والهدار فعمق مياهها لا يتجاوز الـ100 متر ومياهها مختلفة النوعية، ومستوى الماء الساكن فيها من 10- 50متراً، وقد بدأت كثير من المشاكل الزراعية تظهر في كثير من البلدان التي تقع في الأودية بسبب زيادة سحب المياه التي لم تعد السيول تعوضها بسبب التوسع الزراعي.
الرسوبيات والحجارة الجيرية المشققة والموجودة في ستارة والغيل واوسط وهي تحتفظ بمياه لا يتجاوز عمقها الـ100 متر، ولكن مصادر المياه محدودة مما يجعل المشكلة تبدو أكثر وضوحاً في هذه المناطق بسبب قلة المياه.
أما سهل ليلى فتوجد أسفل منه تكوينات عدة، هي الهيت والعرب والسليل واليمامة والبويب والبياض والمنجور والعميق. وأهم مصادر مياهها يأتي من المنجور الذي يبلغ عمقه في هذه البقعة من 950 - 1400هـ متر، لكن نوعية مياهه رديئة ومستوى الماء الساكن فيه يتدفق تلقائياً، وهو احتياطي مهم، وقد بدأ فعلاً استغلاله في الزراعة.
الحجارة الجيرية المنهارة والبياض، يبلغ عمق المياه بها من 60-100متر ونوعية المياه بها جيدة وخاصة في الغرب ومستوى الماء الساكن من 15-20سم أي قريب جداً من مستوى سطح الأرض فيما عدا الفرشة التي ينخفض مستوى الماء الساكن فيها إلى أكثر من 40 متراً، ونظرا للاستغلال الكبير للمياه في الزراعة فإن مستوى المياه في هذه المنطقة يهبط بسرعة كبيرة حيث بلغ في موسم عام 1409هـ لزراعة القمح حوالي 3سم يومياً.
وأخيراً المنطقة الواقعة شرق سهل ليلى وفيه توجد تكوينات الأحجار الرملية للتوسيع والبياض والعرمة والأحجار الرملية والمارل للميوسين، مصادر المياه في هذه التكوينات تأتي من الوسيع والبياض ومستوى الماء ينخفض بسرعة في الشرق، ولا يستغل هذا التكوين في منطقة الأفلاج لأن الماء غير عميق جداً.
|