أدار الحديث: حادي العنزي
حذر المشاركون في حديث الجزيرة من تنامي مشاكل القبول في الجامعات السعودية، ودعوا إلى إيجاد خطة وطنية لمواجهة هذه المشكلة الموسمية مؤكدين أن الجامعات ليست المكان الوحيد لاستيعاب خريجي الثانوية وأن هناك بدائل عديدة أمام الطلبة يجب أن يتم التفكير بها والاتجاه إليها.
وأجمعوا على أن عدم إتاحة الفرصة لشريحة كبيرة من حملة الثانوية العامة في مواصلة تعليمهم سيؤدي إلى إفراز سلوكيات تتنافى مع السلوك العام بسبب حرمانهم من الدراسة.
وبيّنوا أن كثيراً من حلول الجامعات لم يكتب لها النجاح بالدرجة المطلوبة ومع ذلك فهي تخطو حالياً بالاتجاه الصحيح نحو حل هذه المشكلة من خلال افتتاح الكليات وطرح العديد من البرامج أمام خريجي الثانوية.
فإلى حديث الجزيرة الذي شارك به كل من:
الدكتور محمد بن صالح النمي عميد القبول والتسجيل بجامعة
الملك سعود .
والأستاذ سليمان بن عواض الزايدي نائب رئيس لجنة الشؤون
التعليمية بمجلس الشورى.
والدكتور عبد الرحمن بن محمد الجمهور عميد المركز الجامعي
لخدمة المجتمع والتعليم المستمر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
الإقبال على الدراسة الجامعية
الجزيرة: تعاني الجامعات والكليات السعودية في كل عام من كثرة أعداد المتقدمين للدراسة بها، فما هي أسباب الازدحام الشديد على الدراسة بالجامعات السعودية؟.
* د. عبد الرحمن الجمهور:
عندما تنتشر مدارس التعليم في القرى والهجر فضلا عن المدن الكبيرة وخصوصاً الثانويات العامة بأنواعها المختلفة. وعندما تتخرج مجموعة من الطلاب في المدن والقرى والهجر فإنهم يتجهون إلى مؤسسات التعليم العالي بأنواعها.
وبلا شك فإن عدد الجامعات لا يتناسب مع عدد الخريجين، ولو استمر الحال على ما هو عليه كما أشار معالي الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي في محاضرة له في رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فإن الوضع سيتفاقم ولا بد من تفكير وتخطيط سليم لتدارك الوضع.
وهذا بلا شك يشكل عبئاً على الجامعات والكليات السعودية، ولا يمكن لها أن تستوعب الأعداد المتقدمة. وأشعر أن الأمر إذا لم يعالج في غرف صناعة القرار في إدارات التعليم العالي فإن الوضع سيصبح مشكلة قومية لا يمكن السكوت عليها. خاصة أن عدد الحاصلين على الثانوية العامة في كل عام يزداد بنسبة كبيرة جدا.
ومن أسباب الإقبال على التعليم الجامعي أيضا ارتفاع الوعي بأهمية التعليم لدى شرائح المجتمع السعودي وازدياد الرغبة لدى كثير من الأسر في تحسين وضعها الاقتصادي من خلال إلحاق الأبناء والبنات بمؤسسات التعليم العالي، وكذلك اطراد نسبة المواليد في المجتمع السعودي.
* سليمان الزايدي :
يمثل النمو السكاني في المملكة النسبة الأعلى على المستوى العالمي.. فقد بلغت في السنوات الأخيرة معدلا يزيد على 4% وهي نسبة مركبة سيتضاعف معها عدد السكان خلال 22 سنة منذ بداية تصاعد هذا النمو، وهذا ما سيجعل الطلب على التعليم متزايداً لأن نصف السكان وفق معدل النمو سيكون دون العشرين .. وهذه السن من العمر مكانها مقاعد الدراسة والتدريب.
فالتعليم الثانوي مثلا تحوّل من الشكل الهرمي إلى الشكل الأسطواني، فالأعداد في الصفوف الثانوية الثلاثة متقاربة، وبالتالي جاء هذا التدفق من الطلاب والطالبات كل عام بكثافة تفوق الاستيعاب للجامعات طاقة وسيكون الطلب على مقاعد التعليم الجامعي متزايداً كل عام، وما سيضاعف من ذلك هو محدودية فرص التعليم والتدريب في التعليم العالي غير الجامعي.
ومن المؤكد أن رغبة الأباء والأمهات السعوديين جامحة في مواصلة أبنائهم وبناتهم تعليمهم في الجامعات لتحقيق مكانة اقتصادية، واجتماعية وهو هاجس ظل ملازما لمعظم أسرنا حتى اليوم.
والمتتبع للدراسات والإحصاءات يجد أن عدد الخريجين من الثانوية العامة لعام 1420/1421هـ كان 974 ،180 طالباً وطالبة تم قبول 529 ،100 طالباً وطالبة من العدد الإجمالي في مؤسسات التعليم العالي أي ما نسبته 56% والذين لم يتيسر لهم مقاعد في الجامعة كان عددهم 455 ،80 طالباً وطالبة أي ما نسبته 44% وهؤلاء بالتأكيد بحثوا عن فرص قبول خارج المملكة، ومنهم من بقي منتظراً الفرصة في الداخل. وهي نادرة وربما لن تأتي.
* د. محمد النمي :
لا شك أن القبول في الجامعات حلم يراود الغالبية العظمى من الطلاب ولذلك أسباب عدة منها وجود التخصص المناسب لرغبة الطالب وقدراته وتعدد وتنوع البرامج المتاحة والرغبة في الحصول على شهادة البكالوريوس كنوع من الوجاهة الاجتماعية بغض النظر عن قدرات الطالب واستعداده وكذلك عدم وجود البدائل الأكثر مناسبة وواقعية وتلمسا لاحتياجات القطاع العام والخاص وهذا يكون من وجهة نظر الآباء وأيضا قلة الوعي لدى أولياء الأمور بأهمية التوازن أو التوافق بين قدرات الطالب ونوعية تعليمه، مما يزيد من رغبة الأب في إلحاق ابنه بالجامعة والبحث عن نوع معين من البرامج أو التخصصات تظهر حاجة سوق العمل إليها.
بالإضافة إلى مجانية التعليم الجامعي، حيث أظهرت بعض برامج كلية الدراسات التطبيقية وخدمة المجتمع قلة الإقبال عليها لأنها مدفوعة الرسوم مع أنها تؤهل الطالب للدخول في سوق العمل مباشرة.
من المسؤول؟
الجزيرة: عندما لا يتحقق حلم القبول في الجامعة، تنعكس على الطالب والمجتمع آثار سلبية بسبب حرمان هذا الطالب من مواصلة الدراسة، فما هي الآثار وعلى من تقع المسؤولية في عدم إفساح المجال أمام الراغبين في مواصلة تعليمهم؟.
* د. عبد الرحمن الجمهور:
عندما لا تتاح الفرصة لشريحة كبيرة من حملة الثانوية العامة للإنخراط في التعليم الجامعي أو التعليم الموازي للتعليم الجامعي فهذا سيؤدي إلى إفراز سلوكيات تتنافى مع السلوك العام ومرد ذلك إلى شعور الطالب بالحرمان وعدم الاهتمام به، فالطالب إذا لم يجد من يحتضنه بعد حصوله على الثانوية العامة سيقبع في منزله، ولن يزاول أي مهنة لأنه غير مؤهل للانخراط في سوق العمل، وله متطلباته الشخصية التي قد لا يستطيع وليه الوفاء بها وتأمينها له بصورة كاملة مما قد يدفع به إلى البحث عن مصدر لتلبية رغباته وحاجاته من خلال سلوكيات تؤثر على الأمن بشكل مباشر.
ومعلوم أن الفراغ سبب من أسباب الجريمة، فإذا اجتمع الفراغ والشباب والشعور بعدم الانتماء سينتج لا محالة ما قد يتسبب في خلخلة الأمن.
ومما يخشى منه أن يتصيد أرباب الجريمة هؤلاء الشباب ويغرونهم بالمال وحب المغامرة مما قد يحيلهم إلى مجرمين ومنحرفين. وكلنا ندرك أن المجتمع بحاجة إلى تكاتف جميع شرائحه، ويبني بصورة كبيرة أمل على الشباب، إذ هم من سيتولى المهام الاجتماعية مستقبلا، وإذا كان الشاب بعيدا عن التعليم ولم تتح له الفرصة ليزاول ما يزاوله أقرانه فإن هذا الأمر سيقلل من عطائه في المجتمع ويحرم المجتمع من بعض أفراده.
والإحصائيات تدل في المجتمعات الصناعية على ازدياد نسبة المصابين بأمراض القلق والاكتئاب بين شريحة من لا يعملون، والسبب هو الخوف والقلق على المستقبل، وقد بدأت آثار وأعراض هذه الأمراض تظهر بين فئة الشباب، وهذا يعد هدراً اقتصادياً إذ يستلزم الأمر علاجهم والعناية بهم والاهتمام بأمرهم.
ولا شك أن المسؤولية مشتركة يشترك فيها المجتمع والقطاع العام والخاص والأفراد أنفسهم، ولا أظن أن الدولة ملزمة بتأمين مقعد لكل خريج ثانوية في الجامعات.
* د. محمد النمي:
نستطيع القول أولا إن خريج الثانوية العامة أمام مفترق طرق حيث إن أمامه العديد من الفرص لمواصلة دراسته فهناك العديد من المؤسسات الحكومية والأهلية التي تقدم برامج مختلفة في درجات متعددة من دورات ودبلومات وشهادات جامعية وعلى الطالب أن يختار من بين هذه الفرص ما يتوافق مع قدراته ورغباته.
لكن الواقع أن غالبية خريجي الثانوية العامة لا يرضون عن الجامعة بديلا وفي هذه الحالة فالمنطق يقول: إن عددا كبيراً من خريجي الثانوية العامة لن يستطيعوا مواصلة تعليمهم لأن الجامعات ليست معدة لتستوعب جميع الخريجين، وهنا تبرز مشكلة وجود طلاب غير ملتحقين بأي نوع من التعليم مما قد يترتب عليه آثار خطرة على الطالب والمجتمع وفي هذه الحالة تلخيص بعض الآثار المترتبة على الطالب والمجتمع ومن ذلك الفراغ وما يترتب عليه من مفاسد وضياع والهدر في الطاقات فالشباب هم عماد المجتمع ويفترض العناية به وتوجيههم للاستفادة من طاقاتهم لخدمة الأمة وكذلك البطالة حيث تصبح هذه الفئة عالة على المجتمع وعلى أسرهم، ولا دور لهم ولا مسؤولية والانحراف لا سمح الله وهو محصلة للآثار السابقة، فالشباب له مستلزمات ومتطلبات وقد ينحرف في سبيل تحقيقها، بالإضافة إلى المشكلات النفسية والاجتماعية الشائكة وهي النتيجة النهائية.
والمسؤولية مشتركة بين مؤسسات التربية وهي طبعا الأسرة والمجتمع والمدرسة ووسائل الإعلام.
دور مؤسسات التربية
الجزيرة: إذا كانت المسؤولية مشتركة بين مؤسسات التربية فما هو دور كل واحدة منها ؟.
* د. محمد النمي:
لنبدأ بالأسرة ونعني بذلك أن رب الأسرة عليه أن يبحث عن التعليم المناسب المتوافق مع قدرات واستعدادات ابنه، وأن يعلم أن الجامعة ليست المكان المناسب الوحيد لكل خريج فهناك بدائل كثيرة عليه أن يفكر فيها بجد، فبعض الآباء يرغب في إلحاق ابنه بالجامعة في أي تخصص، ولربما ألحقه بتخصص متشبع بخريجيه، وهناك أمثلة حية لعدد من البرامج التي لم يجد خريجوها أي فرص وظيفية، ونحن هنا نطالب أولياء الأمور بأن يقبلوا بالبدائل المتاحة كما أن المجتمع بكل فئاته مطالب بالمشاركة في حل هذه المشكلة من خلال دعم وتشجيع البرامج الموازية للتعليم الجامعي، وهو مطالب بعدم تحميل الجامعات ما لا تطيق، فالمشكلة وطنية وخلقت بتقصير مشترك تتحمل الأسر والمجتمع العبء الأكبر فيه، لذا عليه المساهمة بفعالية في حل المشكلة ربما من خلال انجاح برامج التعليم الموازي على سبيل المثال وهي البديل المناسب لمن لا تنطبق عليه شروط القبول بالجامعات، وهذا الإجراء موجود وممارس في عدد الجامعات العربية.
كما أن القطاع الخاص وهي جهة تعتمد في نشاطها على استهلاك المجتمع، لذا فهو مطالب كذلك بالمشاركة في حل المشكلات من خلال تبني برامج معينة تعكس احتياج القطاع الخاص، وترشح القطاعات الخاصة لهذه البرامج من تراه من خريجي الثانوية وفق معايير معينة، على أن تتولى الجهات الأكاديمية التخطيط والتنفيذ لهذه البرامج ولعل هذا امتداد لحملة السعودة التي نتمنى أن نراها واقعاً ممارساً بدلا من أن تكون شعاراً للمناورة لدى تلك المؤسسات.
والمدرسة أو الجامعة تتحمل جزءا من المسؤولية ولكن علينا أن نقف عند بعض الثوابت ومنها أن الجامعة ليست المكان المناسب لجميع خريجي الثانوية العامة وكذلك ثبات موارد التعليم الجامعي نسبيا والزيادة المطردة في أعداد خريجي الثانوية العامة ومحدودية المقاعد في جميع التخصصات مع شدة التنافس عليها إذ إن الجامعة مطالبة بالمحافظة على المستوى الأكاديمي إضافة إلى استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب.
ومع ذلك وضعت الجامعة نفسها وسط المشكلة وحاولت إيجاد بدائل مناسبة للحد من آثارها حيث طرحت الجامعات برامج موازية لدرجة الدبلوم في تخصصات طبية وحاسوبية وهندسية وإدارية تعكس احتياج سوق العمل برسوم لا تمثل سوى 50% من تكلفتها الفعلية، ومع ذلك فالإقبال عليها محدود، رغم أن الرسوم أقل بكثير من مثيلاتها في الدول العربية، فعلى سبيل المثال تكلفة الساعة الواحدة في جامعة العلوم والتكنولوجيا بالأردن في علوم الحاسب تصل إلى 900 ريال تقريبا بينما هي حوالي 400 ريال في بعض برامج كلية الدراسات التطبيقية وخدمة المجتمع.
كما أن جامعة الملك سعود طرقت بديلا آخر للحاصلين على نسب لا تؤهلهم للالتحاق بالجامعة هو الدورة التأهيلية في ستة برامج يظهر عليها التنافس شديدا في الجامعة برسم للساعة قدره 500 ريال ولمدة عام يمكن بعدها قبول الطالب عند حصوله على معدل مناسب بالجامعة، مع احتساب جميع ما درسه في الدورة التأهيلية بمعنى أن يكمل الجامعة في ثلاث سنوات فقط، ومع ذلك لم يتوفر الحد الأدنى من العدد المطلوب لفتح بعض البرامج، في الوقت الذي نجد فيه رب الأسرة يدفع رسوما عالية مقابل بعض الخدمات الصحية والتعليمية للمرحلة الثانوية للحصول على أفضل الخدمات، بينما في المقابل لا يدفع مثل تلك الرسوم للحصول على مقعد مناسب لابنه، بل ويكابد كثيرا من أجل حصول ابنه على أي تخصص مجاني متشبع سيترتب عليه معاناة للأب والطالب من مشكلة أكثر تعقيدا بعد أربع سنوات من خلال انعدام الفرص الوظيفية.
وقد ساهمت الجامعات كذلك بافتتاح كليات المجتمع في مختلف مناطق المملكة وهي مستمرة في هذا التوجه فكل فترة نسمع عن افتتاح كلية مجتمع جديدة في طرف من أطراف هذا البلد المعطاء.وهذه ولا شك تضع لبنة في بناء نأمل أن يكتمل بتظافر الجهود.
ولعل الجامعات بذلك أوجدت فرصاً مناسبة للحاصلين على نسب لا تؤهلهم للتنافس على مقاعد الجامعة المتاحة ولا ندعي أن الجامعة حلت المشكلة جذرياً لكنها خطت خطوة في الاتجاه الصحيح. وعلينا أن لا ننسى دور وسائل الإعلام التي أؤكد واجبها في نشر أهمية الوعي بالمرحلة الجامعية ومتطلباتها وأهمية التوازن بين رغبات الطالب وقدراته، وهنا يبرز دور الإعلام بكافة أشكاله في تسليط الضوء على هذا الجانب، كما تبرز أهمية الإعلام في التركيز على متطلبات المجتمع واحتياجاته التي تنطلق منها احتياجات سوق العمل وبالتالي فالإعلام يوجه الشباب نحو الأفضل، وكذلك ينبغي أن يسهم الإعلام في تحديد وإيضاح مسؤوليات مؤسسات التعليم لتقوم بواجبها حتى تتضافر الجهود وتتكامل لتحقيق الهدف المنشود.
الواسطة والتحديث
الجزيرة: كثيرون يرون دوراً رئيسياً للواسطة في عملية القبول بالجامعات السعودية وينادون أيضا بتحديث معايير القبول لأجل مواكبة النمو السكاني الذي تمر به المملكة، فما رأيكم بذلك؟.
* سليمان الزايدي:
الالتزام بالعدالة في القبول سنة يجب التقيد بها، والواسطة رغم وجودها تبقى محدودة التأثير على التسجيل والقبول في مؤسسات التعليم العالي، وسمو النائب الثاني حفظه الله سبق أن نوّه في حديث سابق لسموه عن خطورة أثر الواسطة على القبول في الجامعات، وعدم قبول مثل ذلك بأي حال من الأحوال.
ومن المؤكد أن تحديث معايير التسجيل أمر ملح فالأسلوب المعمول به حاليا ساهم في تكرار المشكلة مما أفقد بعض الطلاب والطالبات فرص الالتحاق بالجامعات، فالعبء الإداري في أسلوب القبول حالياً ضخم جداً حيث تجد لطالب واحد ملفاً في أكثر من جامعة أو كلية وقد يحصل على مقعد في أكثر من مكان وبالتالي يساهم في ضياع الفرصة على غيره من راغبي التسجيل في الجامعات ونحن لسنا لوحدنا على هذا الكوكب وعلينا أن نستفيد من تجارب الآخرين في معالجة مثل هذه المشاكل لأن الإبقاء على المشكلة يساهم في نموها، وبالتالي جني افرازاتها السيئة في المستقبل.
* د. محمد النمي:
الواسطة بصفة عامة هي مشكلة موروثة وموجودة بحكم تركيبه مجتمعنا وأعرافه وتقاليده، فالضغوط الاجتماعية ممارسة على كافة الأصعدة، وحتى إنها وللأسف قد تمارس في الظروف العادية.
ويمكننا القول إنها موجودة دون مكابرة، ولكن بأي حجم ودرجة؟ من خلال الممارسة والمشاهدة نقول إن المشكلة بدأت تقل تدريجيا وبشكل ملحوظ بحكم وضوح الشروط والضوابط المحددة للكثير من الإجراءات وهذا أيضا حد بلا شك من دور الاجتهاد من منطلق العاطفة في تيسير شؤون الإدارة.
أما التحديث في المعايير فلن يقلل من تفاقم المشكلة، سواء اعتمد على نسبة الثانوية العامة فقط، أو اختبارات القبول والنسب العامة والخاصة، أو إتاحة الفرصة لجميع خريجي الثانوية العامة للتنافس على مقاعد الجامعة من خلال اختبار القدرات أو التحصيل، فهذا لن يغير من المشكلة ولن يقلل من تفاقمها لأن إمكانيات الجامعات وطاقتها الاستيعابية لم تختلف فهي بمعاييرها الحالية تستنفذ كامل طاقاتها الاستيعابية، بل إن بعض الجامعات تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حيث تضيف إلى كامل طاقتها الاستيعابية النسبة المتوقعة من الانسحاب من أجل إتاحة الفرصة أمام أكبر عدد ممكن من شباب هذا الوطن.
وأعتقد أن تحديث معايير القبول تساعد في اختيار الأفضل علميا لاعتمادها على اختبارات التحصيل والقدرات بدلا من اعتمادها على النسبة العامة فقط.
مخارج التعليم العالي
الجزيرة: عملت وزارة التعليم العالي على إيجاد العديد من المخارج لحل مشكلة القبول ومن ذلك استحداث كليات المجتمع وبرامج الدبلومات الجديدة وكذلك فتح المجال أمام التعليم الأهلي، هل هذه الخطوات أعطت فعلا متنفساً حقيقياً للجامعات عند موسم القبول في كلياتها؟.
* د. عبد الرحمن الجمهور:
مشكلة الإقبال الشديد على الجامعات مسؤولية المجتمع بجميع شرائحه، وعلى وجه الخصوص القيادات العليا في وزارة التعليم العالي. فالإقبال سيزداد وعدد حملة الثانوية العامة سيكثر مع مرور الأيام فالملاحظ أن وزارة المعارف تفتتح عدداً من المدارس الثانوية على مدار العام، بينما عدد الجامعات ثابت لم يتغير إلا بنسب ضئيلة. لهذا نتوجه إلى وزارة التعليم العالي لتدارك الوضع وأدعو إلى النظر في الأقسام العلمية الحالية في الجامعات السعودية ومدى مناسبتها لمتطلبات سوق العمل السعودي، وهل يقبل الطلاب على هذه الأقسام، واستحداث أقسام علمية جديدة تناسب العصر الذي نعيشه، فالعالم يتجه إلى التقنية والعلوم الطبيعية، لذلك نرى أنه من المناسب استحداث أقسام علمية تفي بما يتطلبه سوق العمل.
بالإضافة إلى تفعيل الجامعات والكليات في المملكة بحيث تغطي أوقات الدراسة فترات كبيرة، كأن تبدأ الدراسة في الجامعة من الثامنة إلى العاشرة ليلاًَ، وتصبح الدراسة على ثلاث مراحل، ففي هذا المقترح تفعيل للمباني واستثمار للأساتذة وفتح فرصة أكبر أمام الطلاب والطالبات.
* د. محمد النمي:
الجامعات السعودية استحدثت بدائل مناسبة «برامج موازية» في تخصصات حيوية تظهر حاجة سوق العمل إليها، يتم الالتحاق فيها برسوم دراسية تصل إلى 50% تقريبا من التكلفة الفعلية، وهي فعلا متنفس جيد للجامعات، ومع ذلك فالإقبال على هذه البرامج لا يرقى للمستوى المطلوب، رغم أن رسوم البرامج تعادل 50% من رسوم مثيلاتها في بعض الجامعات العربية، وتمثل تقريبا 30% من رسوم الكليات الأهلية.
ومن هنا نعود ونؤكد على أهمية توعية الطلاب وأولياء الأمور بمناسبة هذه البرامج مع توافقها مع احتياجات سوق العمل، وقد آن الأوان أن ينفق ولي الأمر على تعليم ابنه في حال عدم قدرته على التنافس على مقاعد الجامعة وهو من خلال إنفاقه يحدد نوع التعليم المطلوب المتوافق مع احتياجات سوق العمل وبالتالي فالعائد الاقتصادي منها يشجع على دعمها. والملاحظ أن فتح المجال أمام التعليم الأهلي ساهم في تخفيف الضغط على الجامعات لكن الطريق لا يزال طويلا قبل الوصول إلى الهدف المنشود.
* أ. سليمان الزايدي:
القطاع الخاص حقق نجاحاً في التعليم العام ومع ذلك يبقى هو الغائب أو المغيّب الأبرز في الاستثمار في التعليم الجامعي، وفي اعتقادي أنه يجب علينا دعم القطاع الخاص، ومنحه القروض وتشجيعه، وزرع الثقة فيه لدخول مجال التعليم الجامعي بقوة ضمن إطار من التوجيه والمراقبة من وزارة التعليم العالي، وعلينا أن نقلل من هاجس الشك تجاه كفاءة هذا القطاع لا سيما ونحن نرى أعداداً من أبنائنا أمام عدم توفر مقاعد دراسية لهم في المملكة يعمدون إلى الالتحاق بجامعات أهلية خارج المملكة دون رقيب .. فنحن لا نعرف مستوى تلك الجامعات، ولا نعرف مناهجها، أو فلسفتها، وأهدافها .. إضافة إلى الأموال الكبيرة التي تخرج من المملكة باسم التعليم.
ومن هنا أؤكد على أن المرحلة القادمة تستدعي التكامل والتعاون بين القطاع الحكومي والخاص .. فلا بد من وجود خطة تحدد أوجه وأساليب استراتيجية التكامل، وتوضح آليات العمل لتحقيق هذه الاستراتيجية.
أين سيذهبون؟
الجزيرة: توحيد الجهود مطلوب في جميع المجالات، ولا يخفى على أحد أهمية العمل الجماعي، وما يؤتيه من ثمار ناجحة، لكن المشكلة تكاد تنحصر في الطلبة الذين لم يتم قبولهم، فماذا بوسعنا أن نقدم لهم من حلول، وأين سيذهبون؟.
* د. عبد الرحمن الجمهور:
الطالب الذي لم يقبل في الجامعة، لا يعني هذا أن الأمل فقد ولا يستطيع أن يصنع شيئا، وما الدراسة إلا طريق للعيش في هذه الحياة، فإذا لم يحالف الشاب الحظ وينخرط في الصفوف الجامعية، فعليه في هذه الحالة أن يبحث عن فرصة في مكان آخر مثل الكليات التقنية، والمعاهد العسكرية، أو المعاهد المتخصصة. فهذا سيتيح له مهنة تنفعه وتسهم في بناء مجتمعه.
* د. محمد النمي:
الجامعات طرقت عددا من الحلول أو البدائل المناسبة، لكن لم يكتب لها النجاح بالدرجة المطلوبة ولذلك أسبابه. إضافة إلى أن التجربة حديثة ولعل عدم وضوح الفكرة في أذهان الطلاب وأولياء الأمور يزول مع الوقت وتؤدي تلك البرامج دورها الفعال.
وهذه الحلول أو البدائل المطروحة بحاجة إلى دعم وتشجيع حتى تسهم في حل المشكلة أو التخفيف منها للحد المناسب، وهذا الدعم مطلوب من أطراف متعددة، مثل أولياء الأمور ورجال الأعمال ووسائل الإعلام، مع عدم إغفال الحل الجوهري لهذه المشكلة والمتمثل في زيادة الدعم المادي للجامعات حتى تتوسع في برامجها وتزداد تبعا لذلك طاقتها الاستيعابية وتتمكن من قبول أكبر عدد ممكن من خريجي الثانوية العامة.
* سليمان الزايدي:
أعتقد أن تعزيز الثقة في التعليم الفني والتدريب المهني من قبل القطاع الخاص سيؤدي إلى توسيع دائرة هذا النوع من التعليم، واستيعاب القطاع الخاص لخريجيه الذين يعدون وفق برامج شاملة في هذه الكليات للقطاعين العام والخاص.
كما أن الإسراع في افتتاح كليات المجتمع الثلاث عشرة التي صدرت الموافقة بإنشائها في مناطق مختلفة من المملكة ستساهم في حل المشكلة بشكل جزئي. ولا بد هنا من الإشارة إلى ضرورة التسريع بتنفيذ البرنامج العاجل الذي أوصت به اللجنة الوزارية برئاسة سمو النائب الثاني يحفظه الله والذي قدّر لتنفيذه مبلغ 78 ،698 ،2 مليون ريال تنفق على ما تبقى في سنوات التنمية السابعة وذلك لزيادة القبول في مؤسسات التعليم العالي بما تقديره بنحو «57450» طالباً وطالبة من خلال التوسع في البرامج، والتخصصات، والكليات.
مقترحات وحلول
الجزيرة: يطول الحديث ويتشعب عن مشكلة القبول في الجامعات، إلا أن هناك قنوات عديدة نستطيع أن نستقي منها الحلول، فما هي مقترحاتكم للقضاء على هذه المشكلة؟.
* أ . سليمان الزايدي:
قنوات حل مشكلة القبول في مؤسسات التعليم العالي واسعة ومنها على سبيل المثال فسح المجال للقطاع الأهلي بالاستثمار في التعليم والتدريب الجامعي بإنشاء جامعات وكليات خاصة في مجال التقنية والمعلومات، والاستفادة من نظام التعليم على بعد والذي أصبح نظاماً فاعلاً في بعض الدول ومنها بريطانيا التي وصل عدد طلاب واحدة من جامعاتها التي تقدم التعليم من بعد إلى أكثر من 250 ألف طالب وطالبة.
وكذلك استضافة بعض الجامعات العالمية والسماح لها بفتح نشاط تحت سمعنا وبصرنا في المملكة .. فبدلا من ذهاب أبنائنا إلى تلك الجامعات يمكن لنا استضافة بعض منها لتقديم برامجها وفق نظرتنا . وأيضا إعادة فتح باب الانتساب الذي لا يزال العمل به في جامعة الملك عبد العزيز بجدة بينما ألغي في الجامعات الأخرى التي كانت تأخذ به، وكل هذه الحلول ليست بديلا عن دعم الجامعات مالياً لتتوسع في برامجها وكلياتها، واستحداث وظائف المعيدين والمحاضرين لإعدادهم للمستقبل للعمل في الجامعات.. بالإضافة إلى وضع نظام للمنح الدراسية من قبل الأفراد والهيئات للصرف على شريحة من الطلاب في الداخل والخارج وتحت إشراف وزارة التعليم العالي، ومما يزيد من ضرورة سرعة الأخذ بهذه المقترحات وغيرها أن عدد خريجي الثانوية العامة في نهاية الخطة الخمسية السابقة سيزيد عن «260» ألف طالباً وطالبة وإذا بقي الاستيعاب في مؤسسات التعليم العالي كما هو فإن نسبة القبول ستتدنى في نهاية الخطة السابقة إلى أقل من 40%.
* د. محمد النمي:
أقترح الزيادة في الدعم المادي للجامعات للقيام بواجباتها على أكمل وجه ودعم المجتمع مادياً ومعنوياً لبرامج الجامعات الموازية وكذلك مساهمة القطاع الخاص وبفعالية في التقليل من المشكلة من خلال تبنيه مجموعة من الشباب وإتاحة الفرصة للالتحاق ببرامج الجامعات، وهذا من منطلق سعي القطاع الخاص في تعميم السعودة، مع الأخذ في الاعتبار أن القطاع الخاص يبحث عن الإنتاجية بأقل تكلفة، لكننا نقول إن حل المشكلة بحاجة إلى تضحية من كافة الجهات والمؤسسات.
ونحن نعلم أن الإحصائيات تشير إلى ما نسبته 40% من عدد سكان المملكة من فئة الشباب مما يعني ضرورة إيجاد حلول جذرية للمشكلة أو أنها ستزداد عاماً بعد آخر رغم طرح العديد من البدائل، لذا ينبغي دراسة أسباب إحجام الشباب عن البدائل المطروحة ومناقشتها.
* د. عبد الرحمن الجمهور:
أعتقد أن من المقترحات الفعالية التي تخدم الأمة وتسهم في تقليل آثار الازدحام الشديد في الجامعات، إتاحة الفرصة للتدريس الجامعي عن بعد فالعصر يتسم بالتقنية العالية والواجب يحتم علينا أن نستثمر هذه الثروة وأن نعمل جاهدين على تفعيلها في جامعاتنا. كما ان التعليم عن بعد لن يشكل عبئاً على الجامعات.
|