لا يستطيع مدَّعٍ أن يدَّعي أنه يوجد في الدنيا من يماثل العرب في الحفاظ على شرف العرض والغيرة على المحارم، وتقديم النفس رخيصة من أجل شرف القبيلة، ولكن كل ذلك لا يتم إلا بأساليب شريفة تتساوى مع الدرجة العليا للشرف العربي، ولذا لم يروِ التاريخ أن قبيلة عربية قابلت فعلاً فاضحاً بأفضح منه، ولا عاقبت غير الجاني على انتهاك شرف حصل من غيره.أكتب ذلك لما قرأته منشوراً في أكثر الصحف يوم الأربعاء 22/4/1423هـ عما حصل من محكمة قبلية باكستانية من حكم فاضح ارتكب من الرذيلة أضعاف ما ارتكبه المحكوم عليه حيث يقول الخبر: «حكمت محكمة قبائل في إقليم البنجاب على شابة تبلغ (18) سنة بأن يغتصبها 4 أشخاص ثم تسير في الشارع عارية نحو بيتها عقاباً لعائلتها وعشيرتها، نظراً لأن أخاها البالغ من العمر (11) سنة كان يمارس علاقة غير مشروعة مع بنت قبيلة الأسياد في المنطقة» وهذه الفتاة سيئة الحظ لم ترتكب جرماً سوى انتمائها لقبيلتها، وقد جنى غيرها وعوقبت هي بهذا الحكم الحقير من حقراء قابلوا الرذيلة بأرذل منها، وتركوا المجرم ليعاقبوا البريء بأعز ما يملك وهو العرض، ولم أقرأ حتى في شرائع الهمج من حَكَم بهذا الحكم، ولكن حسبنا أنه يوجد أهمج من الهمج، وأحقر من الخنازير!!وأعادني هذا الفعل القبيح إلى ما يتمتع به العِرق العربي من شهامة إذ لم يُعرف عنه بالرغم من حساسيته المفرطة تجاه عرض المرأة أن قابل انتهاك العرض بانتهاك عرض له الحرمة نفسها.في العهد العثماني سادت في الجزيرة العربية فوضى خارج المدن استدعت أن تَسُنَّ القبائل العربية قوانين عرفية لحفظ الحقوق أو استيفائها حيث تخلت الدولة عن حفظها، وقد فصَّل هذه القوانين المؤرخ العثماني أيوب صبري باشا في كتابه (مرآة جزيرة العرب) ومن يقرأ هذه القوانين يزداد إعجاباً بالعرب الذين أصدروا تلك القوانين التي تتفق مع ما منحهم الله من فضائل الأخلاق وحميد الصفات وقد ذكر أيوب صبري أنهم لا يعرفون معنى الفاحشة، ولا توجد بينهم، ولا يعتدي عربي على مرأة حتى لو كان لصاً يستاقها مع أغنامها ليالي وأياما ليسلب الأغنام، لكنه لا يخطر بباله أن يعتدي على شرفها، ولو فعل ذلك لوسموه بكَيَّة على أنفه أو فوقه ليرى تلك الوصمة كل من رآه في أي مكان فرَّ إليه، يقول المؤرخ العثماني: «وكان الأعراب لا يهابون أي تضحية في سبيل مسألة الشرف، وهذا يدل على اشتداد غيرتهم وحميتهم، ولا يعْرف أحدٌ من الأعراب معنى الفاحشة، لكن لو فُرض وظهر من ارتكب مثل هذا الفعل الفاضح فقد كان يتم قتل الفاعل والمفعول بها» وهكذا نرى أن الفعل الفاضح لا يحصل من العرب العرباء، ولو حصل لا يتجاوز العقاب المجرم إلى أخته أو ابنته، فشرفها شرف لكل عربي ولو لم تصله قرابة بها.أرأيتم الفرق بين الشرف الرفيع والشرف الرقيع، وبين النفوس العفيفة والنفوس التي تدَّعي العفة وترتكب أحقر رذيلة؟!، والحمد لله على مكارم الأخلاق وحميد السجايا.
للتواصل: ص.ب 45209 الرياض 11512 الفاكس 4012691
|