Sunday 14th July,200210881العددالأحد 4 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الكلمة المكتوبة والكلمة المسموعة وأيهما أقوى تأثيراً الكلمة المكتوبة والكلمة المسموعة وأيهما أقوى تأثيراً
عبدالرحمن إبراهيم الحقيل

الكلمة المقروءة تخلق حالة من الخوف لدى بعض الناس على اعتبار أن الكتاب قادر على إحداث تغير في مفاهيم وأفكار الناس.
هذه دعوى ربما تطلق وقبل إعطاء رأي حول تلك الدعوى أرغب في عقد بعض المقارنة بين الكلمة المسموعة والكلمة المقروءة وأيهما أكثر إحداث تأثير في الناس.
1 الأصل إن الإنسان في تلقيه المعرفة والأوامر والنواهي وتبادل الخبرات كان بالكلمة المسموعة اي الحديث الشفهي لأن الكتابة جاءت متأخرة لكونها عملا اختراعيا.
2 ان من صفات الله تعالى «الكلام» فالله تعالى أرسل كلمته ورسالته إلى البشر بواسطة الملائكة عن طريق الكلام الذي لا نعرف كيفيته طبعاً والذي يقوم الملك بتبليغ الرسالة إلى النبي أو الرسول. والرسول يبلغ أتباعه بالكلمة المسموعة. فالكتب المنزلة على الأنبياء لم يعد لها وجود ما عدا الكتب الثلاثة التوراة والأنجيل والقرآن الكريم.
التوراة والإنجيل لحقهما التحريف بسبب أنهما لم يدونا في حين نزولهما. فمر عليهما زمن وهما تتناقلان بالرواية أي الكلمة المسموعة مما سهل عملية تداخل النص المقدس مع النص البشري فكان التحريف. القرآن الكريم سلم من التحريف بسبب أن الرسول عليه الصلاة والسلام اتخذ كتبته ليكتبوا الوحي للحفظ والتوثيق، لكن رسالة الإسلام بلغت للناس بالكلمة المسموعة لأن أغلب العرب أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب .. ولأن الصديق عندما أراد جمع القرآن في مصحف فكان يؤخذ من الرقاع المكتوبة عن بعض الصحابة أو من حفظ الصدور.
3 إن الصلاة الجهرية والتي تقام عادة عندما يخيم الظلام في الأفق يقرأ القرآن جهراً أي بالكلمة المسموعة والسبب في ظني لكون المكان مظلماً والمصلين لا يرون بعضهم بعضا فكانت الكلمة المسموعة ضرورة لخلق حالة من الوحدة والربط بين المصلين بعضهم مع بعض ومع الإمام الذي يخاطبهم بالقرآن.
وصلاة الجمعة يشترط فيها الخطبة وجهرية القرآن من أجل إعطاء التعاليم والدروس للمسلمين وخلق عقل جماعي بينهم لوحدة الصف وإظهار القوة للمؤمنين لإرهاب العدو.
4 إن المتحدث حين يرسل رسالته إلى المخاطبين فإنه يرسل حديثه مصحوباً بمؤثرات صوتية في جرس كلامه لخلق الإثارة والحيوية أو الغضب والهدوء وعندما يطرح تساؤلا فإن الصوت يرتفع أو ينخفض حسب التساؤل ويستخدم عبارات التكرار لشرح الفكرة وتبسيطها أمام الجمهور مستخدما حركات يديه وعينيه وجسمه كله وتقلصات وجهه وانشراحه ورفع بصره وخفضه كل ذلك من أجل تسهيل وصول الفكرة وتحقيق الهدف من الرسالة،
والمتحدث أيضا أمام المتلقين، فيدرك أمزجتهم وردود فعلهم من كلمته وهذا يسهل عليه خلق حالة توحد روحي بينه وبين المخاطبين.
بينما الكلمة المكتوبة تفقد كل سماتها الصوتية، والمؤلف عادة ينتقي الكلمات والتعابير العالية المستوى من مفردات قاموسه الثقافي اللغوي.
والكاتب أيضا عندما يكتب كلمته يحاول أن يتخيل الحالة المزاجية لقارئيه وهذه قد تكون في غاية الصعوبة وهذا يجعل الكتاب تأثيره محدودا.
5 تلقي الكلمة المسموعة أيسر من الكلمة المكوتبة لأن السامع عادة يستخدم حاسة السمع في تلقي الفكرة أو المعلومة وهو في حالة استرخاء والجهاز السمعي عند الإنسان يسهل عليه تخزين المعلومة في الذاكرة وبقائها مدة أطول إذا كانت الكلمة سهلة وواضحة.
والسامع ممكن أن يتلقى الكلمة في أي وضع وأي مكان إذا كانت المادة مسجلة في شريط ويسهل عليه تكرارها ومشاركة الآخرين في الاستماع دون عناء وصعوبة.
6 رجال السياسة ورؤساء الأحزاب وأصحاب الدعوات الدينية والأيديولوجية والمتنافسون على كراسي الرئاسة والمجالس النيابية في العالم عادة يستخدمون الكلمة المسموعة لبث الأفكار والبرامج وتحسين صورتهم أمام جمهورهم ومما يروى عن «حسن البنا» مؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر إنه طلب إليه أن يؤلف الكتب وقد أجاب سائله بأنه يصنع الرجال الذين يؤلفون الكتب لإدراكه بأن الكتاب أو الكلمة المكتوبة لا تملك قوة وتأثير الكلمة المسموعة.
لا أريد الاستطراد في عقد المقارنات ولكن ما نريد الوصول إليه أن الكلمة المكتوبة «الكتاب» ليس له تأثير قوي ولا يملك القدرة على تغير عقول الناس لأن عملية تغير البشر تتطلب التواصل المباشر واللقاءات المتكررة وممارسة فن العلاقات العامة مع الناس من حيث مجاملتهم في أفراحهم وأتراحهم، وتبسيط للأفكار المراد توصيلها وخلق أجواء ذات طابع سحري للحياة المرغوب في تحقيقها. ويعتمد على قدرة الداعي الروحية والنفسية في بث الحيوية في أفكاره وخلق رأسمال معنوي يشتاق إليه الآخرون ويطمعون في النهل من فوائده.
الكتاب لا يملك هذه الخاصية لأسباب:
ان الكتب أنواع منها المتخصص وهذا لا يهم إلا قطاعا محدودا من المتخصصين كل في فرعه العلمي.
ومنها الكتب المسلية مثل القصص الرومانسية والبوليسية والشعر الغنائي والسير الشعبية ..الخ.
وهذا النوع لا يترك أثرا لأنه يشبع مرحلة معينة من العمر، عندما يتجاوزها الإنسان ينساها .
الاشكالية في الكتب التي تحمل مضموناً إيديولوجيا أو نقداً للأنظمة المعرفية والفكرية القائمة أو للروايات ذات المضامين الرفيعة، هذه النوعية من الكتب روادها قليلون، والأغلبية عندما يقتنون الكتاب ربما يمر عليه وقت طويل لم يقرأ، والقارئ له إما انه يرغب في المعرفة لذاتها، أو لنقدها وتقليل من شأنها ..الخ.
أخيرا أود أن أعقد مقارنة عملية بين إنسان كانت الكلمة المسموعة صانعة لنجوميته مثل الشيخ محمد متولي الشعراوي، فإن جمهور كبير في العالم العربي وجمهوره يستمع ويتأثر من كلمته المسموعة والتي تبثها وسائل الإعلام العربية لكنك ستجد جمهوره أقل بكثير الذين يقتنون كتبه وهي مفرغة أصلا من أحادث، مع أن القارئ سوف يستحضر المؤثرات الصوتية المصاحبة لحديثه مما يسهل قراءة كتبه.
ولو ألقينا نظرة على علمين في فضاء الثقافة مثل الشيخ عايض القرني الذي صنع نجوميته بالكلمة المسموعة من خلال خطب الجمعة وتناقلها الناس في شرائط الكاسيت وعندما فرغ أحاديثه في كتب أصبحت من أكثر الكتب مبيعاً كما يذكر ناشره.. نقارنه بالدكتور محمد عابد الجابري الذي جرفه التأليف والبحث بالكلمة المكتوبة.. اسأل كم من الناس يعرفه وإذا عرف هل كتبه معروفة وإذا عرفت كم عدد الناس الذين قرأوه؟.. انهم يعدون على الأصابع.
ختاما:
دعوة إلى وزارة الإعلام كونها الجهة المختصة برقابة الكتب أن تخفف من رقابتها وتتيح للكتب التي تصدر في عالمنا العربي بأن تدخل بكل سهولة لأننا نحن للأسف من أقل البلدان في توافر الكتب الثقافية الجادة فيها، وأنا متأكد بأن الجهاز الرقابي في المطبوعات لا يملك معايير محددة للمنع إنما يعتمد على وجهة نظر المكلف بفسح المطبوعة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved