Sunday 14th July,200210881العددالأحد 4 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

على ضفاف الواقع على ضفاف الواقع
آخر عناقيد... التعب (1)
غادة عبدالله الخضير

وعندما نلتقي:
حزينة أنا..
حزينة أنا جدا..
ربما لأن اكثر الملامح التي أحبها..
تحوَّلت إلى صور في الذاكرة..
أو ربما لأن أجمل ما عشت تحول إلى مجموعة من الصور في شكل ذاكرة..
أو ربما لان الذين يسكنون ذاكرتي وأحبهم..
أكثر من اولئك الذين يسكنون الدنيا الكبيرة..
ويجهلون كل ما يثلج القلب..
أو ربما لأن الذاكرة لا يعلق بها بقوة إلا ما نرغب..
لا يلتصق بها بعنف إلا الذين.. رحلوا..
آثار أقدامهم رطبة..
وأعيننا لا زالت شاخصة.. تنتظر أن يبتلعهم المدى..
ولكن..!!!!
حزينة أنا..
حزينة أنا جدا..
ربما لأن كل الوجوه التي تقاسمت معها ترانيم الفرح..
تأتي إلى حروفي بهذا الاتشاح الحزين..
فأشعر انني أزحف بين الكلمات..
فابتهج .. تعبا..
(2)
ثلاثة مشاهد من الذاكرة..
المشهد الأول (اليد الحانية هي تلك التي تصفِّق لك بقوة.. عندما تصفعك الحياة)..
أظنني يا باسمة حينها لم أشكرك جيدا.. ولم اعبر لك عن ذلك الامتنان الذي اكنه لك.. ولم اقل لك اننا نكتشف احيانا الحنو في الملامح التي تقسو.. أو تلك التي يبدو لنا أنها تقسو .. أو تلك التي تدَّعي القسوة وهي نهر جار من الحنان والرقة!!
ليلتها اكتشفتك على تلك الحقيقة التي لم تكن لتظهر.. ولكن قدّر لها هذا..!!
تلك الليلة التي ارتفعت فيها درجة الحرارة لدي إلى «سقف الغرفة» ولم اعد افرق بين باسمة أو مريم أو نوف.. تساوت لدي الملامح ما أتذكره فقط أنني كنت ابتسم عندما اشعر أن احداكن بجانبي فأطمئن.. وأنا بأنين يشعل الحزن والرأفة..
بعدها بنهار واحد.. استيقظت على مستوى جيد من التحسن لابصر باب غرفتي مواربا.. يشع من خلاله ضوء خافت يطل من باب غرفتك الذي تركته أيضا مواربا من اجلي.. نظرت إلى غرفتي فوجدت أثار عدة تدل على انك كنت «طبيبتي» في مكان ترتفع فيه درجات الحرارة وتنخفض دون أن يشعر بذلك أحد!!!!
بعدها عرفت تفاصيل دقيقة عن الكيفية التي كنت التهم فيها اطباق الارز الابيض المزين بحبات الصنوبر.. وحساء الدجاج المعبأ بالهيل.. والعصائر الطازجة التي كنت تدكين عنقها.. ليشتد عنقي..!!!!
كل هذا.. وحكايا الليل ألما زالت تنسج.. تنشر في المكان عبق الحنين.. إلى الف ليلة وليلة تتحدث عن الملامح الصادقة عندما تكشف عن أسرارها الطيبة سرا وراء آخر.
المشهد الثاني: (نبحث عن وجوه بين السطور تحول أحلامنا إلى حقائق.. لا يهمنا درجة المرارة فيها).
الآن..
يحدث لي أن أتأمل وجهك بعد كل رواية تلتهمينها.. وتبكين عليها (هل كانت دموع تماسيح يا باسمة).. أم أننا كنا نعيش تفاصيل الحدث.. أنا حد الانزواء.. وأنت حد البكاء؟؟؟ أتذكر جيدا.. كيف كنت تخرجين من غرفتك.. متعبة من البكاء كلما تمنعت اكثر في تفاصيل (كان يشبهني).. لم اكن اعلم ما سر تلك الرواية..؟؟
ولم أكن أعلم من أين تأتيك كل انهمارات الدموع البائسة حتى الاشفاق عليك..
تعلمين لقد حقدت على تلك الرواية.. وكلما رغبت قراءتها تراجعت تضامنا مع دموعك السخية!!
لكنها لا زالت أمامي تحتل صدارة الذاكرة الاجمل..
لكن ماذا عن (يوميات سراب عفان)..؟
كيف كان الزمن يتلاقى.. تماما عندما يدعو نائل عمران سراب عفان إلى شرب القهوة الغائرة الرائحة.. في الوقت الذي كنت اصنع أنا فيه قهوتي.. لتتصاعد الرائحة من كل الامكنة والازمنة.
فأجدك امامي.. تتأكدين أنني لست مدعوة معهم من دونك...!!!
كل هذا لا يوازي ليلة الحقد الدفين على (رسائل غسان كنفاني لغادة السمان).. فكيف يتجرأ رجل (متزوج) أن يكتب كل هذا العشق لروح أخرى.. يرسمها بقلمه كيفما يشاء..!!!!
امرأة.. وطفلين... ورجل لا يعود..!!!
اسماء عدة.. لروايات عدة كنا نهرول بين سطورها.. ونعود متعبين من الحلم.. أو الحب.. أو صروف الزمن.. روايات عدة كنا نخاف أن نتوغل في تفاصيلها فلا نخرج.. لكننا خرجنا للدنيا (الرواية الأكبر) نكتب فصول ما مضى.. وما هو قادم.. فصلا فصلا.
المشهد الثالث: (انه الفراق هذا الذي ينبت لنا مخالب قاسية نغرسها بجرم في من نريد.. كي نتشبث فيهم اكثر).
ماذا حدث لك..؟! ما فعلها الرياض في وجدانك؟
هل سكنتك..؟؟
هل احتلت صحراؤها كل جوانبك المطلة على البحر..؟!
هل كل الزواحف التي فيها.. أنستك نوارس البياض..؟؟
هل امتدت جذور نخيلك.. حتى آخر هذه الارض..؟
ترفضين كل شيء سواها..
مخالبك غرست في جسد البقاء..
في جسد الملامح التي أحببت..
في جسد الذاكرة التي بنيتها كالاهرامات..
عظيمة..
خالدة..
ويسكنها من لا يموتون أبدا..!!!
من يتقافزون في العمر..
وفي الزمن الذي لا يرجع..
حتى وإن أشعلنا له مصابيح الحكايا..
وسردنا له ماذا كنا نقول ونفعل..
يبقى هناك بعيدا..
حيث الامساك به غفوة..
لحلم آخر......!!!!!!!

ص.ب 28688 الرياض 11447

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved