Friday 12th July,200210879العددالجمعة 2 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

صور من الصحراء صور من الصحراء

إن الدراسات الانثربولوجيه أثبتت أن ليس من يقطن خيمة او بيت شعر يعتبر بدويا، فهناك من هو مستقر ولكن مع ذلك يسكن الخيمة اضافة الى أنه مرتبط ارتباطا مباشراً بالمدينة وبأسواقها او الواحات المحيطة، بل في بعض الأحيان يمتهن بعض ساكني الخيام الزراعة بدلا من الرعي إلا ان ذلك لا يعني ان البداوة سمتها التنقل المطلق غير المحدود انما هي تنقل يستهدف التحرك حول مراكز محددة يتوقف مدى الاستقرار فيها على كمية موارد المعيشة المتاحة ونوعية هذه الموارد.
ويُعد العالم ابن خلدون من اوائل المفكرين الذين افردوا فصولا كاملة عن البدو والبداوة فقد بيّن في مقدمته في فصل العمران البدوي اهم السمات والخصائص التي يتميز بها ابناء البادية وقد عرّفهم بأنهم اولئك المنتحلون للمعاش الطبيعي من الفح والقيام على الانعام وانهم مقتصرون على الضروري من الأقوات والملابس والمساكن وسائر العوائد والأحوال.
أثر البيئة في الشعر في الصحراء
للبيئة تأثير كبير على سلوك الإنسان وبالتالي على لغته على اعتبار أنه جزء من هذا السلوك ولقد تلاشت بعض المفردات السائدة آنذاك وقد حافظ الشعر الشعبي على خصائص اللغة القديمة ومازال يستعمل اوصافاً كانت معروفة ولكن مفاهيمها تغيرت الآن.
تأمل هذه الأبيات للشاعر: نجر العتيبي الذي عاصر البادية ويعيش في المدينة عندما قال:


يا موتري ما شريتك والثمن غالي
الا الى سرت ابي ديره تقربها

يتحدث الى سيارته التي اشتراها بثمن مرتفع حتى تقربه من الحبيبة فهو هنا يستعمل ألفاظ المدينة بمفاهيم الصحراء. لأن ابن البادية قديما كان يذهب الى خطبة حبيبته فوق ظهر جمل ويقطع المسافات الطويلة وهكذا تغيّر الألفاظ لا يعني تغيّر المفاهيم البيئية الراسخة التي تتقدم ببطء.
تأمل في ما يأتي في شعر نجر العتيبي في وصف الجمل:


سفينة الصحراء ما هو صنعة انسان
اخير من سفن الخشب والحديده
الله خلق له روح وعيون ولسان
يحيا ويفنا والتواير جديده

وله أيضاً:


صيحة التاير على القار ازعجتني
مثل صوت الذيب لنعجة بغاها

هنا واضح ان البيئة البدوية هي المسيطرة على روح الشاعر الذي لم ينسه صوت السيارات أصوات عواء الذئب في الصحراء.
أهداف الشعر في الصحراء
أهم أهداف الشعر في أي مكان هو التعبير عما يجول بالنفس من الداخل أو انعكاس لما يمارسه الإنسان فيعبر عنه بأفكار مترجمة الى شعر، وشبكة الأحاسيس الشخصية بين الشاعر والبادية من ناحية وبين الشاعر نفسه وذاته من ناحية أخرى تتبلور في حياة البدوي الذي يصول ويجول دائماً على وجهه بحثاً عن الكلأ لغذاء ابله وعن الماء للارتواء ومكان يستطيع ان ينصب فيه خيمته دون خوف وهو يصطاد الظباء والأرانب والغزلان ليقتات منها ويربي الأغنام والابل ليستفيد من حليبها وصوفها لذلك عندما يأتي المساء ويعم الهدوء البراري والقفار ينطلق خيال هذا الإنسان البسيط الذي يعيش في الخلاء ليصور أشياء مرت به في يومه أو حياته أو في حياة الآخرين من حوله فيخرج قولاً جميلا منظما بلغة سهلة يسمعها القاصي والداني وتحفظ في القلوب لسهولتها.
هذه اللغة التي يعبّر بها عن مشاعره وأحاسيسه هي لغة الناس اليومية لذلك يحفظونها لفطنتهم وحدّة ذهنهم واتساع ذاكرتهم لذلك كانت تلك الذاكرة القوية هي أهم أسباب حفظ التراث القيم.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved