* تحقيق منيف خضير:
إخوان الرضاعة عادة اسلامية قديمة أوجدتها الظروف العصيبة وقتذاك.. وكان لها ايجابياتها وسلبياتها مثلها مثل أي أمر من أمور الحياة، وفي العصر الحديث تلاشت هذه العادة أو كادت.. بسبب توفر وانتشار أنواع الحليب الصناعي والتوجه نحو معطيات المدينة الحديثة وبروز ظاهرة الخدم والحاضنات.
«الجزيرة» أثارت تساؤلاً مهماً: هل انتهت الأخوة من الرضاعة؟!
وقد يكون الأمر أبعد من ذلك: لماذا ترفض الأمهات حالياً الرضاعة الطبيعية؟!.
في هذا التحقيق ألقينا الضوء على ظاهرة اخوان الرضاعة «مالها وما عليها» وأوردنا رأي الطب والدين وبعض القصص المرتبطة بالموضوع فالى البداية:
المرض، التكافل، نقص الحليب
كيف نشأت فكرة إرضاع الآخرين، وما هي الأسباب التي تدعو الى إرضاع الغير؟
أجابت على هذا السؤال نورة الشمري «55 سنة» قائلة:
الحمل والولادة مشقة عظيمة على المرأة، لا يمكن أن يتخيل آلامها إلا من كابدها من النساء، وبعد الولادة تعاني المرأة الأمرّين جراء التعب والإعياء اللذين تنتظرهما، ورغم ذلك تكابد الأم من أجل ارضاع طفلها والتحامل على آلامها، وغالبا ما تتعرض الأم الى بعض الأمراض أو المواقف التي تجعل من عملية الارضاع عملية صعبة.
وقبل سنين خلت تعرضت احدى خالاتي لمرض عضال أفقدها القدرة على الارضاع، وكان الوليد في شهوره الأولى، ولم يكن لديها أقرباء في المدينة التي تسكنها، ولم يكن هناك حليب صناعي، فاضطرت احدى قريباتها لانقاذ الموقف الى الاستعانة بحليب بقرة كانوا يربونها، وفعلاً استمر الحال حتى تم فطام الطفل!!.
* أم صالح «كبيرة في السن» تتحدث عن عدم ادرار الحليب عند الأم بسبب المرض - غالباً - أو بسبب الحزن والهم أو الهزال وسوء التغذية، فيكون حليب الأم غير كاف لذلك تضطر الى الاستعانة بالمرضعات، وقصة ارضاع السيدة حليمة السعدية للنبي صلى الله عليه وسلم خير دليل على كلامنا، حيث جف ثدي أمه ولم تستطع ارضاعه، من هنا نشأت فكرة المرضعات، لأن حليب الأم لا يمكن مقارنته بأي حليب من أي مصدر كان، وكان الطفل الذي يرضع من ثدي أمه طيب الرائحة، حسن الصحة، قوي البنية، وهذه الرائحة الزكية التي تنشأ من ارضاع الحليب الطبيعي تقريباً فقدت الآن بسبب الحليب الصناعي والمعلب..
وفي كل بيت سابقاً توجد بقرة أو ماعز، والأم التي يجف ثديها، ويقل الحليب فيه، تلجأ الى المرضعات من أخواتها وقريباتها، وإذا لم تجد فلا بد أن تلجأ الى الماعز أو البقرة لتأخذ حليبها وتستعين به مؤقتاً، حتى يفرجها الله لها.
* ضاحي سعود المطرب قال حول هذا الموضوع: كان أهالي القرية كأنهم بيت واحد، الجميع يعرف بعضهم وكانوا يتكافلون ويتعاونون إذا مرضت الأم بعد ولادتها تهب النساء لمساعدتها والعناية ببيتها وطفلها.. وكان الجيران يساعدون الزوج الفقير ويعينون على مصائب الدهر، بل انهم كانوا يقيمون الغداء والعشاء بانتظام لمن يبني بيتاً جديداً، ويكون ذلك طوال الفترة التي يقوم بها الناس من أهال البلدة بالبناء سابقاً «لعدم وجود عمالة وافدة».
انظر الى أي درجة يوجد التكافل والترابط بين الناس في أمور عامة وربما غير مهمة، فما بالك بوجود طفل بدون حليب لذلك فالرضاعة التطوعية مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي.
* أم يوسف «معلمة» ترى ان وجود ظاهرة الاخوان من الرضاعة أو ارضاع أطفال الغير نشأت لعدم وجود الحليب الصناعي المعلب، فسابقاً المرضع لا تجد بداً من الاستعانة بجاراتها أو بأخواتها وأقاربها عندما تحتاج الى ارضاع وليدها، وإذا تقطعت بها الأسباب لجأت الى عنز أو بقرة أو ناقة لاستخدام حليبها ولا أحد يلومها لعدم وجود حل بديل.
الآن إذا لم تستطع الأم الارضاع - لأي سبب - وجدت صنوفاً وألواناً متعددة من الحليب الصناعي بأنواعه المتعددة تملأ رفوف المحلات التجارية والصيدليات وفوق ذلك تجد المواد المغذية سهلة الهضم من السيرلاك بأنواعه، والعصائر، والزبادي، وأنواع السكريات ونحمد الله على هذا الخير والتيسير.
لا نرضعهم لهذه الأسباب
لماذا تلاشت ظاهرة إخوان الرضاعة، وما هي الأسباب التي تجعل الأمهات حالياً لا يرضعن أولادهن رضاعة طبيعية؟!
* منى «موظفة - الرياض».. أرجعت ذلك الى الانشغال والاهتمام بالعمل، وتضيف: نعم العمل لا يتيح لي ارضاع ابني بانتظام، فالمولود يحتاج الى ارضاع بشكل مستمر وخلال ساعات متقاربة، وأنا أعمل حتى الثانية والنصف ظهراً «أكثر من سبع ساعات» فمتى أرضع ابني؟!
والأمهات سابقاً لا عمل لهن غير تربية الأولاد وارضاعهن، وأعمال البيت الخفيفة، صحيح أن ظاهرة اخوان الرضاعة تلاشت أو كادت، ولكن أيضا الأوضاع الاجتماعية الحالية ليست بحاجة الى هذه الظاهرة «والتي يفضلها البعض»، الآن الإخوان الأشقاء - للأسف الشديد - لا تربطهم علاقات قوية، فما بالكم بإخوان الرضاعة؟!
* تتفق مع هذا الرأي «أم خالد - معلمة» مؤكدة انها حاولت ارضاع ابنها رضاعة طبيعية، وفعلا تم ذلك في الأيام الأولى، وبعد ذلك بدأ يقل الحليب وأصبح غير كاف للطفل فاستعنت بالحليب الصناعي، وحتى بعد العودة للمدرسة والعمل لا أجد وقتاً كافياً لارضاع الابن وخصوصاً في فترة العمل، أما خارج أوقات العمل فقلة الحليب هي السبب.. وحينما سألت دكتور الأطفال عن هذه الاشكالية نصحني بالاجازة على الأقل لمدة سنة، وأنا أتمنى ذلك ولكنه غير ممكن في كل الأوقات. وتمنت أم خالد على وزارة المعارف أن تجد حلاً جذرياً لهذه المشكلة، فإجازة الأمومة غير كافية وتساءلت كيف تتصرف المعلمة التي ليس عندها أقارب أو خادمة هل من المعقول أن تصطحب ابنها معها للمدرسة؟!.
أخشى على مظهري العام
* «م.س - طالبة جامعية» تؤكد على أهمية الرضاعة الطبيعية، وخصوصاً في اللحظات والساعات الأولى للولادة، ولكنها لا ترغب في ذلك خوفا على مظهرها العام ورشاقة جسمها. وتضيف: كل زميلاتي اللاتي أرضعن أولادهن من صدورهن الأن مترهلات، وقوامهن غير رشيق، ورغم تأكيد الأطباء على ان الرضاعة الطبيعية لا تؤثر على شكل ومظهر الأم خاصة مع التمارين الرياضية إلا أن بعضهن لا تتمكن من ممارسة الرياضة باستمرار فتبدو مترهلة.
وتشير «م.س» الى ان هذا الرأي يشكل نسبة 99% من الأمهات المتعلمات، وهو اعتقاد سائد عند الأغلبية لا يمكن الفكاك منه!!.
* «ح.ر - متزوجة» تؤكد هذا الرأي عن الفتيات المتزوجات وتذهب الى موضوع آخر وهو تقليد الأخريات، فالمرأة عموماً تتأثر بسرعة، ومتى ما وجدت امرأة جميلة ورشيقة الجسم تسألها: هل ترضعين «طبيعي»؟!
فإذا أجابت بلا طبعاً، ساد الاعتقاد بأن هذا هو السبب في رشاقتها، فالنساء يقلد بعضهن بعضا بشكل كبير، وهذا هو السبب في عدم ارضاعهن الأطفال طبيعياً.
* «أم محمد - ربة بيت» لها رأي واقعي متعقل منطقي يتوافق والتجارب السليمة قالت: لا أعتقد أن أماً متعلمة ترفض ارضاع طفلها من ثديها، فالرضاعة الطبيعية صحية ولها أثر نفسي ايجابي على الطفل، وقد لمسنا هذا الشيء على أطفالنا، وإذا لم تستطع الأم ارضاع طفلها كل الوقت فالأفضل أن ترضعه بعض الوقت، أو على الأقل في الساعات الأولى من الولادة.
وعن قول بعض المتعلمات والموظفات ان حليبها «جف» فهذه كذبة نسائية ليس لها ما يبررها طبياً ولا علمياً، وخوف المرأة على مظهرها العام هو السبب في بعدها عن ارضاع طفلها طبيعياً.. وعن أسباب العزوف هذه تقول أم محمد:
لا أتخيل سبباً أقوى من المرض هو الذي يمنع الأم من ارضاع طفلها، أو بشكل عام عدم وجود الحليب في صدر الأم للأسباب المعروفة وما عدا ذلك لا أجد مبرراً لعدم ارضاع الأم لطفلها، والأسباب تختلف من أم لأخرى.
* «أم سعود - ربة بيت» تشنّ حملة على الأمهات الحاليات بسبب لجوئهن الى الرضاعة الصناعية وتؤكد أن بقاء الحليب في صدر الأم بعد الولادة مرض له أضراره الصحية على الأمهات والدليل أن الأمهات - حاليا - يلجأن الى «الشفاط الصناعي» للتخلص من الحليب الموجود في صدر الأم والذي يسبب لها آلاما مختلفة، وهذا «الشفط» معروف عن جميع الأمهات.
وتضيف أم سعود قائلة:
دعونا نكون أكثر صراحة، الأمهات حاليا شابات يبحثن عن القوام الرشيق، والجسم المشدود، لذلك لا ترضع الواحدة منهن خوفا على مظهرها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى النساء - للأسف - كثيرات الخروج في هذا الزمان إما للأسواق أو لحفلات الزواج أو للعمل، فلا وقت لديها للارتباط بطفلها، والذي ترميه على الشغالة «الخادمة»، وعشرات الأنواع من الحليب موجودة في كل مكان. والرضاعات الصناعية متوفرة في كل مكان.. فلماذا ترتبط بطفلها؟!
* سعدية أحمد - ربة منزل ترى ان وجود الخادمات ووجود الحليب الصناعي سبب رئيسي وتتحدث عن علاقة الأم بطفلها قائلة: حينما تترك الأم وليدها في حضن الشغالة ترضعه، وتغير له ملابسه، وينام عندها ماذا تنتظر من هذا الطفل حينما يكبر؟!
معظم الأطفال الذين تربيهم الشغالات فاقدون للحنان والرحمة بسبب بعد الأم، وركضها المستمر خلف الموضة والأسواق وحفلات الزواج - نسأل الله السلامة - فعلى الأم حتى تأخذ من ابنها ان تعطيه بالمقابل..
قصص واقعية
كان الجميع يجهز للحفل الذي سيقام بعد يوم في منطقة حائل هكذا تتذكر «أم صالح 55 سنة» قائلة:
وحفلات الزواج في السابق ليست مثل الآن. فالتعب فيها كثير، والناس ربما تزوجت من زوجات من بلاد بعيدة، وهذا ما حدث لبعض أفراد جماعتنا «من شمر»، حيث كان العريس يعشق عروسه المنتظرة وحانت ساعة الصفر، فإذا بعجوز من الجماعة «مقعدة» تسأل: من هم المعاريس"؟! فلما أخبروها قالت: أحملوني الآن وبسرعة اليهم، وكان الجميع يتوقع أنها ستحضر الحفلة مثلها مثل غيرها، وبعد وصولها للحفل من قرية بعيدة كانت المفاجأة الكبرى حيث أخبرتهم بالدليل القاطع ان العريس أخو العروسة من الرضاع، فاختلطت المفاجأة بخيبة أمل فما كان منهم إلا ايقاف مراسم الزواج فوراً!!.
* صايل المبارك من كبار السن يروي هذه القصة:
كان أحد الشباب من قبيلة معروفة من شبه الجزيرة عليه ثأر فهرب بعيداً عن قبيلته والقبيلة المجاورة، وهذا كان الى وقت قريب «في بدايات عهد الملك عبدالعزيز» وكانت القبيلتان متجاورتين ومرت الأيام والسنون، وهذا الجلوي «الهارب» بعيد عن جماعته وأقاربه، ثم حدثته نفسه بالعودة متخفياً الى قبيلته، وفعلا عاد وفي جنح الظلام اكتشفه أحد أفراد القبيلة صاحبة الثأر. وأخبر الناس عنه، وفعلاً مسكوه والأمر شبه منته في عرف القبائل حيث انه سيقتل لا محالة، وفي هذه الأثناء تدخل أحد أفراد القبيلة صاحبة الثأر من الشجعان أصحاب المواقف والرأي وطلب الصلح متوسطاً بين القاتل وأهل المقتول على أن يدفع لهم الدية مضاعفة من ماله الخاص، وبعد ضغط والحاح وافقت القبيلة، وتم الصلح بين قبيلتين متناحرتين بسبب اخوة الرضاعة بين القاتل والشجاع صاحب الواسطة الذي أعلن عنها فيما بعد!!.
قطيعة، وتخالط أنساب
عدد من الناس لا يرغب في ظاهرة ارضاع أبناء الغير لعدة أسباب..
* أحمد صالح يرى ان الاخوة من الرضاعة لها خطر وجوانب سلبية كما أن لها جوانب ايجابية. فأخوة الرضاعة لها واجبات وحقوق، ومن أضرارها القطيعة التي قد تنشأ بين الاخوان من الرضاعة، فاليوم وللأسف تباعدت القلوب والمسافات، وأصبحت القطيعة بين الأرحام واردة فما بالكم بين اخوان الرضاعة؟!
فلماذا يضيف الانسان على نفسه عبئاً لا يستطيع الالتزام به؟!
* أم عبدالعزيز ترى ان الرضاعة بين أبناء الغير قد تسبب تخالطاً بين الانساب مؤكدة ان قصصاً كثيرة حدثت بسبب وجود الرضاعة وكانت مؤثرة، فكثيراً ما نسمع عن طلاق زوجين بسبب اخوتهما من الرضاعة، لذلك أنا لا أؤيد ارضاع أبناء الغير حاليا - ما لم يكن هناك حاجة ملحة-!!.
* هيفاء تعتبر الاخوة من الرضاعة مدخلاً للاختلاط بصوره البشعة وتؤكد ان الأوضاع حالياً ليست كالسابق، والمجتمع دخل فيه الغث والسمين، وكثير من الناس يتخذ أخوة الرضاعة - وللأسف الشديد - ذريعة للقاء اخواته من الرضاعة «واللاتي ربما لم يشاهدهن منذ سنوات» لقاء لا يخلو من وجود الشيطان!!
* سامر علي - سوري - يقول: نعم اخوان الرضاعة ظاهرة موجودة في سوريا، وهي ظاهرة اسلامية تعرفها كل الدول العربية، وأنا حاليا لا أؤيدها لعدة أسباب من أهمها انه لا حاجة لها في ظل وجود الحليب الصناعي والمستشفيات، ناهيك عن سبب جوهري وهو ارتباط الانسان بأخيه من الرضاعة لأنه «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» كما أرشد الرسول محمد «صلى الله عليه وسلم»، وهذه العلاقة التي أوجدتها الرضاعة تكون ملزمة على الانسان طوال حياته، وتتعلق فيها أشياء كثيرة مثل صلة الرحم والمواريث وغيرها، لذلك لا داعي لها طالما انه لا حاجة ضرورية اليها..
ويرى سامر ان هذه العادة تكاد تكون منقرضة في سوريا الآن وربما في كل الدول العربية باستثناء المناطق الريفية.
أحكام الرضاعة في الإسلام
* الشيخ صالح بن فوزان آل فوزان لخص أحكام الرضاعة في كتابه الملخص الفقهي فقال:
قال تعالى في سياق بيان المحرمات من النساء {وّأٍمَّهّاتٍكٍمٍ پلاَّتٌي أّرًضّعًنّكٍمً وّأّخّوّاتٍكٍم مٌَنّ پرَّضّاعّةٌ}، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».. وقوله صلى الله عليه وسلم «يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة» رواه الجماعة.
والرضاع لغة: مص اللبن من الثدي أو شربه، وشرعاً: هو مص من دون الحولين لبناً ثاب عن حمل أو شربه أو نحوه.
والرضاع حكمه حكم النسب في النكاح والخلوة، والمحرمية وجواز النظر على ما يأتي تفصيله ولكن لا تثبت له هذه الأحكام إلا بشرطين:
1- أن يكون خمس «5» رضعات فأكثر لحديث عائشة «رضي الله عنها» قالت:«أنزل الله في القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخ من ذلك خمس رضعات، وصار الى خمس رضعات معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك».
2- أن تكون خمس الرضعات في الحولين لقوله تعالى:{وّالًوّالٌدّاتٍ يٍرًضٌعًنّ أّوًلادّهٍنَّ حّوًلّيًنٌ كّامٌلّيًنٌ لٌمّنً أّرّادّ أّن يٍتٌمَّ پرَّضّاعّةّ} وقوله صلى الله عليه وسلم «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام».
وحد الرضعة أن يمتص الثدي ثم يقطع امتصاصه لتنفس أو انتقال من ثدي لآخر أو لغير ذلك، فيحتسب له بذلك رضعة، فإن عاد فرضعتان، وهكذا ولو في مجلس واحد، وذلك لأن الشرع اعتبر عدد الرضعات، ولم يحدد الرضعة، فيرجع في تحديدها الى العرف.
ولو وصل اللبن الى جوف الطفل بغير الرضاع فحكمه حكم الرضاع بشرط أن يحصل ذلك خمس مرات، ومتى أرضعت امرأة طفلا دون الحولين خمس رضعات فأكثر؛ صار المرتضع ولدها في تحريم نكاحها عليه وفي اباحة نظره اليها وخلوته بها، ويكون محرماً لها، ولا يكون ولداً لها في بقية الأحكام فلا تجب نفقتها عليه، ولا توارث بينهما، ولا يعقل عنها، ولا يكون وليا عليها، لأن النسب أقوى من الرضاع، ويصير المرتضع ولداً لمن ينسب لبنها اليه بسبب حملها منه أو بسبب وطئها بنكاح أو شبهه، وتكون محارم من نسب اليه اللبن كآبائه وأولاده، وأمهاته وأجداده وجداته واخواته وأولادهم وأعمامه وعماته، وأخواله وخالاته يكونون محارم لمرتضع، وتكون محارم المرضعة محارم للمرتضع.
وكما تثبت الحرمة على المرتضع تنتشر كذلك على فروعه دون أصوله وحواشيه، فلا تنتشر الحرمة على من هو أعلى منه من أبائه وأمهاته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته، كما لا تنتشر الى من هو في درجته من حواشيه وهم اخوانه وأخواته.
ومن رضع من لبن امرأة موطوءة بعقد باطل أو زنى، صار ولدا للمرضعة فقط، لأنه لما لم تثبت الأبوة من النسب، لم يثبت من الرضاع، وهو فرعها.
ولبن البهيمة لا يحرم، واختلف في لبن المرأة إذا در لها لبن بدون حمل وبدون وطء تقدم، ورضع منه طفل، فقيل: لا ينشر الحرمة؛ لأنه ليس بلبن حقيقة، بل رطوبة متولدة، ولأن اللبن ما أنشز العظم وأنبت اللحم، وهذا ليس كذلك، والقول الثاني: أنه ينشر الحرمة، واختاره الموفق وغيره.
ويثبت الرضاع بشهادة امرأة مرضية في دينها، قال شيخ الاسلام:«إذا كانت معروفة بالصدق، وذكرت أنها أرضعت طفلاً خمس رضعات؛ قبل على الصحيح، ويثبت حكم الرضاع».
وإن شك في وجود الرضاع، أو شك في كماله خمس رضعات، وليس هناك بينة؛ فلا تحريم؛ لأن الأصل عدم الرضاع، والله أعلم.
المرجع/ «الملخص الفقهي «بتصرف» - الجزء الثاني - قسم المعاملات وغيرها - باب في أحكام الرضاع ص ص 345-348 الشيخ/ صالح بن فوزان آل فوزان.
|