Friday 12th July,200210879العددالجمعة 2 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

التنويم المغناطيسي ارتبط بالخيال وبصفات السحر والفتنة التنويم المغناطيسي ارتبط بالخيال وبصفات السحر والفتنة

التنويم المغناطيسي يعني إحداث حالة تنويم شبيهة بالنوم نتيجة إطفاء جذوة مقاومة الوعي بالإيحاء النفسي وإيجاد مرحلة من انخفاض درجة الوعي نتيجة المؤثرات النفسية الرتيبة والمنظمة بصورة خاصة ذات علاقة وثيقة بين العقل والجسم وهي ليست نوماً طبيعياً يمر بمراحل التدرج المعروفة، فهي إذن حالة فسيولوجية متميزة تحت ظروف خاصة «قابلة للمغنطة» أي مشتقة أصلاً من قوة جذب حجر المغناطيس في علم الظواهر المغناطيسية والاستدلال فيها بصفات الجذب والسحر والفتنة، وهي عناصر مرتبطة بالعلاقة بين قابلية الشخص للتنويم و«جاذبية» المعالج في الإيحاء اضافة للمحرك الداخلي الاحتراق المولد للطاقة النفسية بين الطرفين، وفي ظل المعالجة الحديثة يستبدل بعض الأطباء النفسانيين التنويم المغناطيسي بالتنويم الكيميائي باستعمال العقاقير الكيميائية الخافضة للقلق والتوتر التي تدخل بالمريض مباشرة في نوم عميق دون مقاومة أو إرهاب.
إن البدايات العلمية للتنويم كانت على يد عالم الأعصاب الفرنسي الشهير (شاركوت) في عام 1885م عندما حاول إثبات دور الإيحاء تحت التنويم المغناطيسي في حدوث أو إزالة أعراض جسدية كشلل الأطراف أو فقدان الحواس.
وقد أكد تلاميذ (شاركوت) على العلاقة الوثيقة بين ظاهرة التنويم المغناطيسي ومرض الهستيريا التحولية وهو المرض النفسي الذي تتحول فيه الآلام النفسية إلى أعراض جسمية كالشلل والصمم والبكم التي يمكن معالجتها عن طريق الإيحاء تحت التنويم.
وقد اختلف العلماء في دور التنويم المغناطيسي في علاج الظواهر النفسية، خاصة وأن بعض العلماء يرى أن بعض الناس غير قابلين للتنويم بالإيحاء مطلقاً بينما يرى فريق آخر أن أي شخص سليم سوي يمكن أن ينوم مغنطيسياً حسب قدرة المعالج، بينما يرى فريق آخر أن الخلاف ليس في حدوث التنويم، ولكن في درجته المتفاوتة في السطحية والعمق والمتأثرة بانخفاض القلق وتهيئة الجو المناسب من غرفة هادئة وقدرة المنوم على الإيحاء وقدرة المريض على التركيز إلى الدرجة المطلوبة منه.
ونجاح التنويم يعتمد على طرق الإيحاء المختلفة: الإيحاء المباشر، الإيحاء غير المباشر، أو الإيحاء بعد التنويم، ولكل نوع من الإيحاء ظواهر نفسية وأخرى فسيولوجية وعلى المعالج منذ البداية أن يدقق في تشخيص الحالة واختيار الشخص ونوع الإيحاء حتى يستطيع أن يقيس مدى نجاح أو فشل التنويم من خلال الظواهر التلقائية أو الظواهر الناتجة عن الإيحاء Hypnotic Sug- gestions ومن أكبر مظاهر التنويم شعور الود والالفة بين المنوم (بفتح الواو) والمنوم (بكسر الواو) التي جعلت (فرويد) أحد تلاميذ (شاركوت) يشبهها بحالة الالفة التي تنشأ بين المريض والطبيب في التحليل النفسي مما جعله يترك التنويم ويلجأ إلى أسلوب التداعي الحر Free As- sociation بعدما وضح أن من الظواهر النفسية المصاحبة للتنويم زيادة القابلية للإيحاء وزيادة الالفة مع المعالج والقدرة على الاتصال بالعقل الباطن مع حدوث فقدان الذاكرة المصاحب للتنويم العميق، أما الجوانب النفسية المصاحبة للتنويم ذاته فهي التغيرات الإدراكية كحدوث الهلاوس والتغيرات الوجدانية من قلق وخوف وفرح وفقدان الذاكرة المحيطي الذي يجعل الفرد ينسى بعض الأحداث ويتذكر غيرها تحت تأثير الإيحاء، ورغم أن له جانباً علاجياً في حالات الاكتئاب والقلق النفسي إلا أنه دفع (فرويد) لهجر فكرة التنويم بحجة أن الكبت والنسيان عاملان أساسيان في أسباب الأمراض النفسية.. فإذا استطعنا أن نجعل الفرد ينسى أو يكبت فنكون قد سلبناه قدراته الدفاعية الحافزة لتوليد الطاقة النفسية لمقاومة المرض.
إن تفسير ظاهرة التنويم المغناطيسي في نظرية واحدة تمثل أحد التحديات التي تواجه علم النفس المعاصر لأسباب كثيرة، ولكن الواضح أن ظاهرة التنويم المغناطيسي تختلف نفسيا وفسيولوجيا عن حالة النوم الطبيعي، ولذلك كثرت النظريات، و هناك عشر نظريات ثابتة في شرح الظاهرة تُلقي ضوءاً على جانب منها، وهذا يعود إلى أن كل نظرية تحاول تفسير جانب واحد أو تصف ملاحظاتها فيه دون تفسير كيفية حدوث هذه الملاحظات، وأكثرها أهمية في نظر الباحثين حسب الإحاطة والشمول أولاً: نظرية الاستجابة الشرطية (لبافلوف)، وثانيا: نظرية العقل الالكتروني، وثالثاً: نظرية النوم، ورابعاً: نظرية زيادة الإيحائية التي تقول إن الشخص القابل للتنويم هو شخص يتمتع بزيادة قابليتة للاستهواء والايحاء، وخامسا: نظرية الهستيريا لشاركوت، وسادساً: نظرية الاستجابة التأسلية أي العودة إلى صفات الأسلاف لا تقاء شر الخطر في إحدى مراحل التطور، وسابعاً: نظرية النكوص التي تقول إن التنويم حالة نكوص للطفولة الأولى يأخذ فيها المنوم دور الوالد المفضل، وثامناً: نظرية تمثيل الدور أي أن الشخص في هذه الحالة يقوم بالدور كما يتوقعه، وتاسعاً: نظرية الانشقاق وتُرِي أن الشخصية تتركب من مجموعة ملكات مستقلة يمكنها الانفصال والعمل باستقلال، وأخيراً نظرية الإدراك الحسي.
وتعد نظرية الاستجابة الشرطية (لبافلوت) الرائدة في مجال تفسير الظاهرة، كما أن نظرية العقل الالكتروني وهي نظرية حديثة تنظر إلى المخ نظرها إلى العقل الالكتروني أو الحاسب الآلي حيث توجد ثلاث نقاط مهمة.. أولها المعلومات الداخلة وثانيها: مرورها على المخزون من المعلومات وثالثها المعلومات الخارجة، ومن المعروف في هذه النظرية أن المعلومات التي تفهم وتثبت داخل المخ لا بد وأن تتناسب أو تتفق مع المخزون من المعلومات وإلا فإن المعلومات الداخلة ستلفظ ولا تختزن، وتقول النظرية إن حالة التنويم هي حالة تثبيط دائرة المخزون حتى يمكن للمعلومات الداخلة عن طريق الإيحاء أن تبقى دون مقاومة ودون رفض حتى وإن كانت لا تتناسب مع المخزون وبذلك استطاعت النظرية تفسير لماذا يتقبل المخ المعلومات التي تدخله بالإيجاء رغم تعارضها مع شخصية الفرد؟ وهي أقرب إلى نظرية الادراك الحسي الأخيرة، التي تفترض وجود مجال نفسي حركي نتيجة حدوث عائق بين قشرة المخ وبين المخ المتوسط حيث يكون الإنسان على غير دراية بالمدركات العادية، وتتصل كل هذه النظريات وتفسر كل نظرية جانبا أو أكثر دون الإلمام، بكل الجوانب مما يدل على وحدة وتكامل ظاهرة التنويم التي لا تقبل التجزئة، وشأنها شأن النظريات العلمية الأخرى في مجال الطب النفسي التي تحتاج إلى درجة دراسة تجريبية تخضع لأدوات قياس غير متوافرة الآن، ولا يقلل من شأن النظرية قصور العاملين في مجال الصحة النفسية في تأصيل البحث قبل الممارسة.
وإذا أردنا تبسيط ظاهرة التنويم المغناطيسي حسب نظرية الاستجابة الشرطية (لبافلوف) نقول: إن الطفل في أيامه الأولى يبدأ في الاهتزازات الرتيبة في حضن أمه حتى ينام، ثم يبدأ - اشتراطيا - ينام في ظل حدوث هذه الاهتزازات حتى في حالة عدم وجود الرغبة في النوم، ومن هنا جاءت طريقة التنويم عن طريق الأفعال المنعكسة الشرطية التي تأصلت في الإنسان منذ أن كان طفلاً حيث يرقد على سرير ناعم ووسادة وثيرة في غرفة هادئة واضاءة خافتة بعد التهيئة النفسية اللازمة الخالية من أعراض القلق والتوتر والاطمئنان إلى شخصية المنوم ثم التركيز على أي شيء له صفة الرتابة في الحركة والايقاع المنتظم مع استرخاء الأطراف واغماض العيون ثم يبدأ الايحاء حتى يدخل الفرد في مرحلة التنويم بكل التغيرات النفسية المذكورة.. وبنظرية متأنية إلى هذه التفاصيل نجد أن هناك شعاعاً من كل نظرية يصب في دائرة الضوء وسط هذه النظرية.
إن من أهم التغيرات في التنويم القدرة على الاتصال بالعقل الباطن فإذا اعتبرنا أن كثيراً من الدوافع والرغبات اللا شعورية يكون مصدرها لا شعورياً فإنه يمكننا توجيه دفة اللا شعور من خلال عمليات الإيحاء المختلفة وبالتالي التحكم في الدوافع والرغبات اللا شعورية، وهذه القابلية قد ساعدت في علاج كثير من الاضطرابات النفسية كالشلل والعمى في الهستريا التحولية واضطرابات الدورة الشهرية وحالات الضعف الجنسي والأمراض الجلدية والربو الشعبي في الأمراض النفسجسدية التي تحدث بنتيجة اضطرابات الجهاز العصبي اللا إرادي.
إن إقبال الكثيرين غير المتخصصين على اقتحام مجال التنويم المغناطيسي وممارسته بصورة استغلالية في غير مجالاته في الأفلام والمسلسلات أفقد الظاهرة كثيراً من مصداقيتها العلمية مما جعل الأطباء النفسانيين يلجأون إلى التنويم الكيميائي الذي لا تمتد إليه يد المتاجرين بأحزان «الغلابة» أو المسترزقين من الجانب المأساوي في حياة التعساء الذين جعلوا من التنويم (منجم ذهب) يدر ثروات طائلة خاصة في أمريكا وفي مدينة النجوم هوليود كما تقول صحافة المنجمين والعرافين وقارئي الفنجان في بداية كل مقال ونهاية كل إعلان.

د. الزين عباس عمارة
استشاري الطب النفسي

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved