Friday 12th July,200210879العددالجمعة 2 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

بعد صدام الحضارات ونهاية التاريخ بعد صدام الحضارات ونهاية التاريخ
«الإمبريالية الدفاعية» ضد من يهدد دول ما بعد الحداثة

* موسكو خدمة الجزيرة الصحفية:
لعل تاريخ السياسة سيذكر الدبلوماسي الإنجليزي روبرت كوبر إلى جانب واضعي نظرية «صدام الحضارات» مثل صامويل هنتنجتون وبرنارد لويس، ونظرية «نهاية التاريخ» لفرنسيس فوكوياما بفصولها المتجددة يوميا، فروبرت كوبر هو الذي ساعد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على وضع نظرية «الدولية الجديدة والتدخل الإنساني» التي تحد من سيادة الدول على أراضيها، وطرح روبرت كوبر مؤخرا تصورا مطورا ل «النظام العالمي الجديد» سيتحول غالب الظن إلى واقع عملي ملموس في أقرب وقت ممكن.
يرى الدبلوماسي الإنجليزي طبقا لما نشر في صحيفة «فيك» الأسبوعية الروسية أن أوروبا بدأت منذ عام 1989 تتخلى عن نظام يرتكز إلى تكتلات وتجمعات من الدول من جهة، وهيمنة بعض الدول من جهة أخرى، منتقلة نحو رؤية جديدة حيال الأمن الأوروبي والأمن العالمي.
وكانت الإمبراطوريات العثمانية والألمانية والنمساوية والفرنسية والبريطانية والروسية والسوفيتية عنصرا غالبا في الساحة الدولية من قبل في مواجهة مختلف التوجهات والتجمعات الأخرى.
وأدى تفكك الاتحادالسوفيتي في رأي روبرت كوبر إلى ظهور نوعين من الكيانات أو الدول.
الأول: هو الكيانات التي تعود إلى حقبة ما قبل الحداثة مثل الصومال وأفغانستان، والثاني: هو الدول التي دخلت حقبة ما بعد الحداثة وتنتمي إلى «النظام الذي يعيش فيه الأوروبيون»، وفي الحقيقة هناك نوع آخر من الدول التي تنتمي إلى عالم الحداثة ولكنها تتصرف من منطلق مصالحها فقط مثل الصين وباكستان والهند.
إن الدول التي دخلت حقبة ما بعد الحداثة لا ترتكز إلى التوازنات ولا إلى السيادة والفصل بين الشؤون الداخلية والخارجية وفقا لما يقوله روبرت كوبر الذي يعتبر الاتحاد الأوروبي مثلا أعلى في التدخل المتبادل في الشؤون الداخلية.
ويدعو كوبر إلى استخدام القوة واللجوء إلى غير ذلك من الأساليب العائدة إلى الحقبة الماضية ضد «من لا يزال يعيش في القرن التاسع عشر»، إذ «يجب أن نتبع قانون الغاب عندما نتحرك في الغاب»، ويمكن أن تشكل الدول الضعيفة قمة الخطورة إذا فتحت أراضيها لشخصيات غير حكومية يمكنها أن تمثل تهديدا لعالم ما بعدالحداثة، ويمكن اللجوء في مثل هذه الحالات إلى ما يسميه روبرت كوبر ب«الإمبريالية الدفاعية».
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدبلوماسي الإنجليزي يعتبر جمهورية مثل «الشيشان»، مثلا، كيانا يعود إلى حقبة ما قبل الحداثة ويمثل تهديدا لوحدة أراضي روسيا.
في هذا السياق لا يخفى على أحد أن الرئيس الأمريكي جورج بوش قد وضع مؤخرا «نظريته» في محاربة «الإرهاب الدولي»، هذه النظرية تقول:
الولايات المتحدة ستوجه ضربات وقائية ضد أعدائها من الإرهابيين والأنظمة التى تدعمهم.
واشنطن تعتزم وضع نهاية لخطر اندلاع حرب بين الدول الكبرى من خلال الحفاظ على التفوق العسكري الأمريكي. وأيضا من خلال الدخول في حلف مع الدول الكبرى الأخرى من أجل تسوية النزاعات الإقليمية.
- الولايات المتحدة ستعمل على نشر الاعتدال والتسامح وحقوق الإنسان في العالم الإسلامي وغيره من أنحاء الكوكب التي تفتقر إلى الحرية، ويعتقد الرئيس الأمريكي أن أحداث 11 سبتمبر 2001 «فرضت» مواجهة التهديدات الأكثر خطورة قبل ظهورها، وبالتالي «يتعين» على الولايات المتحدة، وفقا لكلمات بوش نفسه، اكتشاف «خلايا الإرهاب» فيما يزيد عن 60 دولة «أي حوالي ثلث الكرة الأرضية»، هذا الأمر، من أجل أن يتحقق، يحتاج إلى إصلاحات جوهرية تشمل المؤسسة العسكرية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وحتى المجتمع الأمريكي الذي يتعين عليه التخلي عن عدد كامل من الحقوق المدنية والديمقراطية التي يتضمنها الدستور الأمريكي.
ومن المفترض أن يجسد كتاب سيصدر قريبا بعنوان «استراتيجية الأمن القومي» كل هذه الأفكار، علما بأن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، الذي طرح التصور الجديد لاستراتيجية الأمن القومي هذه، هو الذي كان ينتقد بشدة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون لأنه قام بدور «الشرطي العالمي»، النظرية الجديدة تتوخى تشكيل تكتل دولي برئاسة الولايات المتحدة ويضم الدول والتكتلات الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وروسيا، وأيضا الصين في المرحلة القادمة، وهي بالذات الدول التي تشترك في الأخذ ببعض القيم التي توحدها في مواجهة «الإرهابيين» و«العصاة» و«المارقين».. إلخ.
إن ما طرحة جورج بوش في الحقيقة ما هو إلا عبارة عن نسخة طبق الأصل مما طرحه الدبلوماسي الإنجليزي روبرت كوبر من أفكار بشأن ما يسمى ب «الإمبريالية الدفاعية» أو «الإمبريالية الليبرالية» التي لن تمت حقيقة بأية صلة إلى ماهو ليبرالي، والأكثر إثارة للقلق هو احتمال ألا تكون هذه «الإمبريالية» موضوعية حين تحدد هذا «إرهابي»، وهذا «مارق»، وهذا «منبوذ»، وهذا «شرير» مثلما هوالحال عليه الآن وبالذات فيما يخص تصنيف «هذا ابن كلبة» أما «ذاك فهو ابن كلبة أيضا ولكنه يعمل معنا».. وهناك شكوك كثيرة في صحة التعريفات التي ستأخذ بها تلك «الإمبريالية الليبرالية» بشأن دول مثل العراق وكوريا الشمالية وليبيا وإيران وكوبا، وربما أيضا السودان والصومال واليمن والهند، والعكس صحيح بالنسبة لدول مثل إسرائيل.
من هنا تحديدا كان من الضروري اختراع مصطلح «الإرهاب» وتسييده، بل وتطبيقه بأثر رجعي حتى على أحداث ما قبل التاريخ، وحركات التحرر الوطني، وبعض أحداث الحربين العالميتين الأولى والثانية، والثورات الاجتماعية، واليوم لا يمكن إنكار أن أحداث 11 سبتمبر، وفقا للسيناريو الموضوع، قد قلبت وجهة النظر السائدة حيال الأمن إذ أصبح خطر «الإرهاب» هو الخطر الطاغي.
ولم تعد طبعا النظريات الدفاعية «القديمة» كافة تتوافق ومتطلبات عصرنا الراهن: عصر «الإرهاب».

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved