تحقيق: لمياء الزيادي - الطائف
عندما تنجرف الفتاة في تيار المعاكسات الهاتفية ويتضح أمرها في مجتمع له عاداته وتقاليده ترى كيف تستطيع مواجهة عواصف الكلام وحدة النظرات اللائمة التي تلاحقها في كل مكان؟ هل تستطيع بمفردها مواجهة هذا الكم الهائل من الناس لكي تتخطى مشكلتها أم ماذا؟
هذا التساؤل طرحناه على عدد من الفتيات والمسؤولات وكانت ردود الفعل لديهن في سياق التحقيق التالي:
في البداية التقينا بالأخت مها الحارثي التي ترى أن العادات والتقاليد تعيق الفتاة عن تخطي مثل تلك المشكلة، حيث تقول لا أعتقد أن الفتاة في مجتمعنا تستطيع أن تواجه هذه المشكلة بسبب العادات والتقاليد، فالفتاة التي تبيع سمعتها لشاب طال الزمن أم قصر سوف يرميها رمية الكلاب الضالة، فلن يرضى بأن يتزوج من خانت أهلها، وكم من فتاة خسرت سمعتها بمجرد مكالمة هاتفية، فما بالكم لو تطورت إلى علاقة، فاعتقد أن الأمر صعب للغاية حيث لا تستطيع أية فتاة مواجهته وتخطيه.
تفكيك المشكلة
أما المشرفة الاجتماعية فيروز الزيادي فتقول: هذه المشكلة تعاني منها الكثير من الفتيات الخليجيات اللواتي بتن ضحية لها وبالتالي جعلتهن فاكهة تتحلى بها ألسنة الناس في كل مجلس ومكان لسنين طويلة، ومن الطبيعي أن تكون النهاية كذلك في مجتمع له عاداته وتقاليده التي ترفع من شأن الفتاة التي تشتري سمعتها وسمعة عائلتها بالمحافظة عليها، وتهبط من شأن من باعتها.
أن ليس أمامها إلا الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، فخسرانها للدنيا ليس خسراناً للآخرة إذا استقامت، ولعلها بذلك تعيد ولو بعض الشيء من نظرة أهلها الحسنة لها.
العبرة
أما أم رينا فتقول: إن هذه المشكلة أشبه بمتاهة يصعب الخروج منها كما تلقي بلومها وسخطها على كل فتاة دخلت هذه المتاهة بكامل إرادتها، حيث تقول كل فتاة دخلت في تلك المتاهة بكامل إرادتها العقلية والجسمية فلا تتصور أنها سوف تخرج منها بسلام في مجتمع متمسك بقيمه ومبادئه، فهي بذلك تستحق أن تكون مستحقرة ومنبوذة بين الناس لكي تكون عظة وعبرة لآلاف البنات اللواتي يفكرن أن يحذون حذوها.
عادات لا عبادات
أما معلمة الدراسات الإسلامية بدرية العتيبي فتنوه إلى نقطة هامة وهي سمو العادات والتقاليد لدى أغلب الناس على الدين وتعاليمه السامية، فترى أن الناس يتجاهلون ما حث عليه ديننا الحنيف من عدم تتبع عورات المسلمين بغير وجه حق، فتقول متسائلة: أنسي هؤلاء الناس تعاليم ديننا الحنيف عن الغيبة والبهتان والقذف وتتبع عورات الناس، فقد توعدهم الله بالخزي في الدنيا والآخرة ففي الدنيا قد يجد من يتتبع عورته ويقذف عرضه، كذلك يتجاهل الناس أنهم بذلك ينقصوا من حسناتهم ويزيدون من سيئاتهم في مجلس بدأوه بالسلام وأنهوه بالفحش في القول، وأريد التذكير بحديث ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه: من ستر على مؤمن في الدنيا ستره الله بحجاب يوم القيامة، وعن كيف تستطيع الفتاة التغلب على مشكلتها؟ قالت: كما ذكرت لا تستطيع التغلب عليها في مجتمع يتجاهل تعاليم الدين كما تجاهلته هي وتجاهلت معه عاداتها وتقاليدها.
ذئب بشري
أما الطالبة أمل السبعي فترى أن المشكلة يصعب حلها خصوصاً أنها عاشت معاناة إحدى البنات التي كانت وفاة والدتها وإهمال والدها الذي نسي مع زوجته الثانية واجبه كأب نحو أبنائه الأربعة، سببين كافيين في أن تكون الفتاة فريسة سهلة لألسنة الناس ولذلك الذئب البشري الذي أوهمها بالحب وقادها في تياره حتى أوصلها إلى شباك أقرانه، فتقول أمل: لقد غابت عن المنزل أسبوعاً الأمر الذي أثار فوضى بين أسرتها فبلغ والدها الشرطة عندما فقد الأمل في العثور عليها وبالتالي انتشر الخبر بين الجيران، فعادت وهي ملطخة بالعار، فكاد والدها يقتلها لولا تدخل الشرطة، فحرمت من الجو الأسري الذي كانت تعيشه، ونقلت إلى الأحداث.
ولعل هذه الحادثة توقظ والدها من غفلته ليحافظ على أبنائه، أما الشاب الذي لا يوجد لديه ضمير ولا ذمة فما إن عرف أن الشرطة عند باب منزله حتى فر هارباً بسيارته فحدث له حادث في الطريق جعله إلى يومنا هذا في إحدى غرف العناية المركزة متوفى دماغياً. وقد مضى على هذه الحادثة أكثر من ثلاث سنوات إلى يومنا هذا، وما زال الناس يتحدثون عنها لدرجة أنهم منعوا بناتهم الصغيرات من اللعب مع أخوات تلك الفتاة، كذلك تلك الحادثة سببت مشاكل كثيرة لدى الفتيات في ذلك الحي فما إن ترفع فتاة سماعة الهاتف حتى تجد أمها وأخاها واقفين فوق رأسها حيث يصل بهما الأمر أحياناً إلى أخذ السماعة من يد الفتاة، وبعضهم يهددونها ويحذرونها ويرددون على مسامعها عبارات الخشية بأن تصنع بهم ما صنعته تلك الفتاة بأسرتها. فالمشكلة غاية في الخطورة ليس على الفتاة فحسب، بل على من حولها من الفتيات.
تجربة شخصية!!
أما المعلمة م.س: فعاشت تلك المعاناة بنفسها والسبب صديقة السوء التي قادتها إلى ذلك التيار وما كان منها بعد أن اتضح أمرها بين الأهل والناس إلا أن ترى أن عملها هو السبيل الوحيد كي ترتاح من نظرات الازدراء التي تلاحقها والكلام الذي كثر عنها والذي لم يخل من الشائعات الكاذبة التي وجدتها منفذاً لها، ولكن العمل أيضاً وصل إليه الخبر عن طريق إحدى الزميلات بعد شهور قليلة فوجدت نفسها محاصرة من جميع الجهات محطمة نفسياً لا تعلم أين تذهب ولمن تلجأ؟ فهداها الله إلى إحدى المتدينات التي حثتها على التوبة والصبر، وأن تحتسب ما حدث عند الله موضحة لها أن كلام الناس قد ضرّها في الدنيا ولكنه سينفعها في الآخرة بإذن الله، وهكذا استطاعت م.س التغلب على مشكلتها فلم تعد تبالي بما يقولون طالما أن الله معها، وبدأ يتلاشى الكلام عنها تدريجياً واكتسبت احترام البعض من المحاضرات الدينية التي تلقيها في المساجد وحلقات الذكر وعدم خوفها من ذكر تجربتها على الكثير من الفتيات والنساء لكي يتعظن ويحذرن من صيحات هذا العصر المستهدفة تدمير ما تبقى من قيمنا الإنسانية.
مسؤولية المدرسة
أما خديجة القرشي فهي في موضع مسؤولية وتكمن مسؤوليتها في إدارتها مدرسة تضم طالبات مرحلة تحتاج إلى الحرص والاهتمام والمتابعة أكثر من غيرها من كلا المجتمعين الأسري والمدرسي، لأنها مرحلة حساسة يكثر فيها الطيش وبها تبنى وتحدد شخصية الطالبة وهل تكون شخصية سوية أو العكس.
هذه المرحلة تدخل في إطار المراهقة ألا وهي المرحلة المتوسطة التي تتراوح أعمار طالباتها ما بين 13-16، ونحن نعلم مدى خطورة هذا العمر لذا من الطبيعي جداً أن تقع ضحية لمثل تلك الظاهرة ولاسيما إذا خفت عنها حدة المراقبة وعدم الاهتمام من الأسرة أولاً ثم من البيت الثاني للطالبة وهو المدرسة، فتقول الأستاذة خديجة: وما ينبغي أن تقوم بفعله أي مسؤولة مدرسة أن تركز على حضور أو غياب الطالبة، وأنا حريصة في الإذاعة على أن أروي القصص المشابهة لأنها تجذب السامع وبالتالي يأخذ العظة والصبر منها، فالمشكلة يجب معالجتها من جذورها قبل أن تتفرع، وأنا أنصح مسؤولات المدارس اللواتي تقع لديهن مشكلة من هذا النوع في طالباتهنّ بأن يعالجنها دون تشهير ومن ثم تدمير مستقبل.
مسؤولية الوالدين
أما معلمة علم النفس شريفة الحلبي فتنظر إلى الأسباب التي تدفع بالفتاة إلى ذلك التيار، فترى أن إهمال المراقبة من الأبوين بسبب ظروف عملية أو خلافات زوجية تغفلهم عن أبنائهم وتسبب لهم اضطرابات نفسية تساهم بدورها في أغلب الأحيان في الانحراف، وكذلك إعطاء الثقة الزائدة عن حدها ولاسيما في سن المراهقة والفراغ العاطفي الذي تعاني منه الكثير من الفتيات ولاسيما بعدما انتشرت ظاهرة العنوسة، كذلك الضغط المادي على البعض منهن والذي يدخل في إطاره استغلال بعض المسؤولين مناصبهم فيستغلون وضع الفتاة الطامع في الوظيفة، ومن أسبابها أيضاً الوقوع في فخ صديقات السوء وبالتالي الإدمان على ذلك، كذلك وسائل الإعلام التي تلعب دوراً كبيراً في التأثير على الشباب، تلك الأسباب لو تمكنا من علاجها قبل وقوعها ما حدثت الكارثة.
وعن كيفية معالجتها إذا وقعت فأنا أرى أن الحلول تتفاوت بحسب تفاوت المشكلة، فالفتاة التي لا يعرف عنها الشاب سوى رقم الهاتف فتستطيع أن تغير رقمها، أما الفتاة التي يعرف عنها إضافة إلى رقمها عنوان منزلها دون معرفة الاسم فتستطيع أن تغيرهما معاً، أما الفتاة التي يعرف كل شيء عنها فلا مفر لها من الهروب من المدينة، ولكي تتم كل هذه الإجراءات لابد أن تصارح أحداً من أهلها دون تردد قبل أن يقع الفأس في الرأس.
وعن قصة فتاة كان جمالها مفتاحاً لدخول قلوب الكثير من الشباب باتت قلوبهم ضحية لها وبالتالي وقعت هي ضحية لمن أخذ بثأرهم، هذه القصة طرحتها لنا المشرفة الاجتماعية سلمى القحطاني في أثناء حوارنا معها حيث تقول: في ذات يوم قدمت إلى مكتبي طالبة في التوجيهي كي تسرد لي مشكلتها التي تبحث لها عن حل لدي، ولكن للأسف لم أجد لها حلاً ليس تقصيراً مني في أداء واجبي ولكن مثل هذه المشكلة يصعب حلها، فالفتاة سمعة إذا خسرتها حوربت من المجتمع، وكل ما أرجوه من كل فتاة سواء كانت جميلة أم لا ألا تلوثها أيادي الذئاب، وكل فتاة تفكر بأن تسير في هذا الطريق سوف ينكشف أمرها عاجلاً أم آجلاً.
التوبة.. متى؟
أما الأخت زهرة فتلقي لومها على الذين يرتكبون المحرمات ويقولون إن الله غفور رحيم أو إنهم سيتوبون، أيضمن هؤلاء الناس أجلهم متى يأتي حتى يسرعوا في التوبة قبل أن تستعجلهم المنية ويموتوا على ضلالة. فتقول تلك العبارات كانت ترددها إحدى الصديقات التي أدمنت على المعاكسات ولم تستمع إلى نصائحي، وفي ذات يوم حدث لها حادث سيارة مع شاب غريب توفيت فيه على الفور.
في عيادة نفسية
أما الاخصائية النفسية عفاف فقد استطاعت ان تجد حلاً لإحدى الحالات ولكن كانت المشكلة في بدايتها، فتقول: تعرفت هذه الحالة على شاب عن طريق أسلاك الهاتف ولم تخبره بأي شيء عنها واستطاع هو بنفسه معرفة ذلك عن طريق رقم الهاتف والفضل يعود لصديقه الذي يعمل في الهاتف فأخبره هو بالاسم وحدد موقع المنزل.
وقام الشاب بتهديد الفتاة بالخروج معه فرفضت طلبه ولم تبال بتهديداته، وعندما رآها متمسكة برأيها نفذ تهديده وأرسل أشرطة تحمل صوتها إلى شقيقها الذي ما إن سمع الشريط حتى انهال عليها ضرباً، فانهارت أعصابها وخرت مغشياً عليها فنقلوها لعيادتي، ففهمت تفاصيل مشكلتها وأمرتهم بكتمان الأمر عن والدها وباقي أفراد العائلة وطلبت منهم تغيير رقم الهاتف والانتقال من المنزل، فنجحت والأمر الذي ساعد على نجاحها أكثر هو عدم انتمائهم لسكان المدينة فهم من مدينة أخرى، وكذلك لم أنس اخاها ووالدتها وأنهما محظوظان لأن الأمر وصل إلى حد المكالمة فقط فلو خضعت لتهديداته لكانت الكارثة.
|