يتساءل خبراء المخابرات أين يمكن أن يختبىء أسامة ابن لادن هربا من غضب الأمريكان ونقمتهم ؟الأمر يستلزم التقليب في خليط من الأوراق والأطالس الجغرافية بحثا عن أكثرالمناطق بعدا في العالم والتي يمكن أن تستضيف أسامة بن لادن.
ولكن تظل الحقيقة الماثلة على حد تعبير أليكس ستاندش المحرر ب: «جينز إنتلجينسدايجست»، هي أن أحدا لا يعرف أين يختبىء ابن لادن، فبعد قرابة تسعة أشهر على قول بوش بأنه يريد أسامة بن لادن «حيا أو ميتا»، وإعلانه الحرب على حركة طالبان التي كانت تمسك بزمام السلطة في أفغانستان والتي رفضت تسليم ابن لادن للولايات المتحدة. لا يزال هذا الرجل الذي يعد أكثر شخصية مطلوب القبض عليها في العالم طليق السراح، وعلى الرغم من أن المسئولين الأمريكيين يتحدثون الآن بشكل أكبر حول المخاطرة المحتملة من قبل العناصر الوسطى بتنظيم القاعدة ورجال الصف الثاني بهذه الحركة إلا أن المطلب الأساسي هو زعماء تنظيم القاعدة وقادته الروحيون ومنظروه، وفي تعبير عن مدى أهمية القبض على ابن لادن، يذكر مسئول سابق بالمخابرات الأمريكيةرفض الإفصاح عن اسمه: «إن القبض على زعيم القاعدة يشكل أهمية قصوى للولايات المتحدة، فطالما ظل ابن لادن وأتباعه طلقاء فسوف يشكلون تهديداً خطيراً سواء فيما يتعلق بإمكانية استقطاب وتجنيد الأعضاء، أو إمكانية تنفيذ هجمات أخرى، ويذكر أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد حققوا نجاحاً في مجال القضاء على رؤوس القاعدة.
فلقد لقي محمد عاطف القائد العسكري للتنظيم مصرعه وذلك في الرابع من نوفمبر أثناء إحدى الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة، كذلك فقد تم إلقاء القبض على أبو زبيدة، أحد المساعديون الرئيسيين لابن لادن، والمدبر للعمليات الخارجية. إذ تم إلقاء القبض عليه في مارس الماضي في فيصل أباد من قبل الشرطة الباكستانية بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي « إف -بى - آى ».
ولكن منذ إعلان الولايات المتحدة والقوات الأفغانية عن تطويق ابن لادن داخل مرتفعات تورا بورا في ديسمبر الماضى، لم ير مؤسس تنظيم القاعدة الذي رصدت الولايات المتحدة 25مليون دولار لقاء رأسه.
كما لم يسمع له أي صوت، ولا لمساعده المقرب أيمن الظواهري، كما لم يقم ابن لادن بإصدار أي أشرطة فيديو جديدة. ولم تلتقط له أي اتصالات سواء من خلال الراديو أو التليفون أو الكمبيوتر، و يعتقد بعض المحللين أن صمت اابن لادن يرجح أنه قد لقي مصرعه في مرتفعات تورا بورا.
إلا أنه لم يظهر بعد الدليل الذي يؤكد موته، كذلك فإن أحد المتحدثين باسم القاعدة يصر في بيان له أن ابن لادن مازال حيا، وبحالة جيدة. ففي شريط صوتي بثته محطة الجزيرة التليفزيونية القطرية أعلن سليمان أبو غيث المتحدث باسم القاعدة قائلا: أود حقيقة التأكيد للمسلمين على أن أسامة ابن لادن - بحمد الله- في صحة جيدة، وكل الشائعات حول مرضه الشيخ أسامة أوتعرضه للإصابة في تورا بورا هي أخبار غير دقيقة بالمرة، وذكرت صحيفة الواشنطن بوست في تقرير لها أن محللين حكوميين عمدوا إلى التثبت من صحة هذا الشريط، ويعتقد العديد من المسئولين الأمريكيين أن أسامة بن لادن مازال في أفغانستان يبحث عن مأوى له في جبالها على الحدود مع باكستان، وهو الاعتقاد نفسه الذى يتبناه د كتور روهان جوناراتنا مؤلف كتاب: «داخل القاعدة»، الذي نشر مؤخرا والذي يقول: « إن ابن لادن لن يترك أفغانستان، فمكانته كزعيم لن تتضاءل إذا ما لقي حتفه، وذلك لانه لا يمكن أن يقوم آخرون بمحاربة الولايات المتحدة في أفغانستان إذا لم يكن ابن لادن هناك، ويضيف جوناراتنا: إن ابن لادن يألف المنطقة الحدودية منذ أن عمل هناك لعدة سنوات خلال الحرب ضد القوات السوفيتية.
كما أنه يحظى بالتأييد والدعم بين السكان المحليين، والبديل هو إن يكون ابن لادن قد تسلل عبر المنافذ الحدودية إلى باكستان، كما فعل المئات من مقاتلي القاعدة خلال الشهور الأخيرة حسب ما ذكره السكان المحليون.
ولا تذهب التقارير الحكومية الرئيسية خلف الزعم القائل بأن ابن لادن موجود في المناطق القبلية لشمالي غرب باكستان، حيث يقيم السكان المحافظون والذين يبدون تعاطفا كبيرا تجاه القاعدة.
وعلى الرغم من إرسال القوات المسلحةالباكستانية إلى هذه المنطقة، فإن قوات القاعدة التي لديها الخبرة بأساليب حرب العصابات لن تجد صعوبة في الفرار إلى الكهوف الجبلية المحيرة.
وقد أعلن بوب جرهام رئيس لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ أن واشنطن تعتقد بأن ابن لادن موجود في منطقة القبائل غرب باكستان، إلا أن الرئيس الباكستاني برفيز مشرف نفى ذلك.
وصرح المتحدث باسم الخارجية الباكستانية عزيز أحمد خان قائلا : هناك العديد من التقارير تدعي أن أسامة ابن لادن هنا أو هناك، ولكن لو أن هناك تقريرا مخابراتيا دقيقا حول مكان هؤلاء الناس فأنا متأكد أنه سوف يتم القبض عليهم فورا.
وقد دأب المسئولون الأمريكيون مؤخرا على التقليل من أهمية ابن لادن. ففي مقابلة مع صحيفة «المونيتور»، قال: جين دان ماكنيل قائد القوات الأمريكية في أفغنستان: إنني لا أعول كلية على مسألة القبض على أسامة ابن لادن فليست لدي أوامر خاصة بملاحقته، ولكن إذا ما تم إلقاء القبض عليه بشكل عارض خلال العمليات التي نقوم بها، فسوف يكون هذا أمرا حسنا وهو ما يتناقض مع التهديدات التي أطلقها بوش على ابن لادن إثر كارثة الحادي عشر من سبتمبر مباشرة. إذ قال بوش: إذا كان ابن لادن يعتقد أنه سوف يتمكن من الاختباء والفرار من الولايات المتحدة وحلفائها، يكون مخطئاً بشدة، كما أعلن بوش في خطاب إذاعي ألقاه في سبتمبر الماضى: أن أولئك الذين أعلنوا الحرب ضد الولايات المتحدة اختاروا بأيديهم طريق دمارهم وعلى حد رأي جوناراتنا فإن أكبر نقاط الضعف التي تعتري حملة الولايات المتحدة لمناهضة الإرهاب هي الفشل في استهداف أسامة ابن لادن و مساعده أيمن الظواهري.
فطالما أنهما مازالا على قيد الحياة، فسوف تظل القاعدة مصدر تهديد خطير ومباشر للولايات المتحدة.
ويذكر المراقبون لتنظيم القاعدة أن أهمية ابن لادن لاتكمن في كونه مجرد مخطط لعمليات لان جماعته تعمل في إطار شبكة شبه رسمية أكثر من كونهم منظمة تتخذ الشكل التراتبي، فأسامة ابن لادن على حد قول ستاندش المحرر ب «جينزإنتلجينس دايجست»، يتصرف كما لو كان بمثابة رمز يمنح أتباعه ترخيصا للقيام بالعمليات التي يقر بأنها مشروعة. إذ ينظر إليه على أنه الشخص الذي يمثل رمزا لمقاومة القوة العظمى، بشكل يفوق الآخرين.
ويرى جوناراتنا أن المسئولين الآخرين بتنظيم القاعدة يفتقرون إلى «الكاريزما»، والاحترام والنفوذ التي يتمتع بها ابن لادن، وطالما أن رجلا في مكانته مازال على قيد الحياة فسوف يكون بإمكانه تعويض الخسائر البشرية والمادية من خلال استقطاب متطوعين جدد، ويضيف جوناراتنا: لقد أصبح التخلص من التهديد على المدى الطويل يعني التخلص من اابن لادن والظواهري ولكنه يحذر في الوقت نفسه قائلا: شخصية ابن لادن هي شخصية لرجل حيثما وجد فسوف يكون نشطا وليس من طبعه أن يتخفى بل أن يخطط ويدبر.
«كريستيان ساينس مونيتور» |