يعيش خريجو الثانوية هذه الأيام فترة من أهم فترات حياتهم ويحتاجون معها إلى كل مشورة ورأي ومساعدة لإعطائهم مزيدا من البناء المعنوي الذي يحتاجونه وهم على مفترق الطريق. وإذا كنا ندعوهم إلى الاستقلال برأيهم فإن ذلك لا يعني بحال إهمال تجارب الآخرين. إن جميع السنوات التي قضاها الطالب في مرحلة التعليم العام وهي اثنتا عشرة سنة ما هي إلا مقدمة للسنوات التي بعدها في مجال العلم والعمل، وبعضهم قد لا يدرك ذلك فيظل يتنقل بعد الثانوية بين عدة مجالات في التعليم والعمل حتى يخسر وتقل قدرته على تحقيق أهداف العلمية والعملية، وعلى الشاب أن يدرك أن هذه المرحلة لا تتكرر وعلى ضوئها يحدد مساره في الحياة فكما أنه ودع الطفولة إلى غير رجعة فكذلك التعليم العام فهو بعد الثانوية يبدأ مرحلة التخصص ولعلي أعرض لبعض الوقفات وأدعو الخريجين إلى تأملها:
1- وضوح الهدف وسلامة القصد فهو من أكبر أسباب السعادة في الدارين ولذا لا بد أن يكون للطالب نية صحيحة في التحاقه بأي مجال علمي أو عملي. إن وضوح الهدف أصل كبير في حياة الأفراد والأمم وهدف الفرد لا ينفك عن هدف المجتمع، ولا ينبغي أن يغلب الإنسان هدفه الخاص دون أن ينظر إلى حاجة مجتمعه وأمته.
2- طلب الدعاء من الوالدين فاطلب منهما أن يدعوا لك بالتوفيق والسداد فرب أبواب غلقت يفتحها الله بدعاء الوالدين ورب قضاء قدره الله فيرده دعاء الوالدين.
3- التفاؤل، فكن متفائلاً وأنت في طريقك إلى الجامعة أو إلى ميدان العلم وعش للدنيا كأنك تعيش أبداً وللآخرة كأنك تموت غداً.
4- حمد الله تعالى وشكره ثم شكر كل من أسدى إليك معروفاً من الناس، فلا خير فيمن لا يشكر الناس وأول من تشكر من الناس والديك ومعلميك وكل من أسدى لك معروفاً في علم أو عمل.
5- الخلوة بالنفس، فكم هو جميل أن تخلو بنفسك ساعة تقلب فيها هذه السنوات التي مضت وتتأمل فيها لقد أنهيت الآن رحلة التعليم العام انتقلت فيها من صف إلى صف ومن مدرسة إلى مدرسة ومن معلم لآخر، في السادسة من عمرك لم تكن تقرأ ولا تكتب وبعد هذه السنوات اختلف الأمر كثيراً فما أجدر هذه النعمة بالشكر {وّاللَّهٍ أّّخًرّجّكٍم مٌَنً بٍطٍونٌ أٍمَّهّاتٌكٍمً لا تّعًلّمٍونّ شّيًئْا وّجّعّلّ لّكٍمٍ پسَّمًعّ وّالأّّبًصّارّ وّالأّّفًئٌدّةّ لّعّلَّكٍٍمً تّشًكٍرٍونّ} وكم من أناس حرموا هذه الحواس فعاشوا على هامش الحياة، كم من المعارف والعلوم اختزنها عقلك طيلة هذه السنوات وكم من المسائل حفظتها وفهمتها ولولا عون الله لك لم تحفظ ولم تفهم، ولذلك فمن حق نفسك عليك أن تخلو بها لتتأمل ماذا أنت مقدم عليه وماذا يجب عليك وما مدى رضاك عن نفسك ورضا ربك عنك ورضا الناس عنك؟
6- التطلع إلى المستقبل البعيد، فلا ينبغي أن يغلب الهدف الخاص للطالب على الأهداف العليا لمجتمعه وأمته، وإن من الوفاء أن تعطي كما أخذت وأن تشكر على العطاء، وكم أعطاك هذا البلد وأنفق على تعليمك دون مقابل، ومن المهم أن يكون لك أخي الطالب معرفة واضحة باحتياجات الدولة في خططها التنموية، ومن واجب القائمين على التعليم أن يبصروا الطلاب بذلك.
7- جمع المعلومات عن الفرص المتاحة، ليكون لديك تصور صحيح تنطلق من خلاله إلى آفاق رحبة في التخصص الذي يتوافق مع ميولك وقدراتك ويتطلب ذلك الرجوع إلي أهل الاختصاص والزيارات والاطلاع على أدلة الجامعات. وفي الاستخارة أخذ للنجاح من جميع أبوابه وطرقه. ففيها تلجأ إلى الله تعالى وتضرع إليه أن يختار لك ما هو أكمل لك في حياتك.
8- البعد عن تأثير الأصدقاء، فأنت نسيج وحدك فلا تجعل حكم الآخرين يسير حياتك وفي هذه المرحلة لا بد أن تدرك أن لك ميولك واتجاهاتك ولك قدراتك وامكاناتك فلا تكن أسيراً لأحد، وإن البعد عن تأثير الأصدقاء في هذه الفترة من أهم الأمور التي ينبغي أن يراعيها الطالب واحذر أن يكون تسجيلك ردة فعل.
9- اعرف نفسك وقدر حجمك، وتذكر أن وضع المرء لنفسه في الموضع الصحيح طريق إلى تفوقه ونجاحه، ولا يعني ذلك بحال أن تبحث عن الأسهل فهذه المرحلة من عمرك جديرة بأن تبرز فيها كوامن طاقاتك وقدراتك ومن لم يبدع في هذه المرحلة فمتى يكون إبداعه؟
10- لا تستطل الطريق، فالحياة دروب ومسالك وقد أمضيت أخي الطالب من عمرك قريباً من عقدين وأنت الآن على مشارف التخصص، فكن واثق الخطى مطمئن النفس واعلم أن بناء الأوطان لا يكون إلا بالسواعد الفتية والعقول الذكية والنفوس الأبية.
ففكر كثيراً فيما يجب عليك اليوم وماذا ينتظر منك غداً
|