* كتب - ناصر إبراهيم اليوسف:
من خلال متابعتي لما يطرح من أراء وأفكار حول وضع الأندية في بلادنا والذي يبحث فيه عن علاج وحلول لعدد من مشاكل هذه الأندية والعوائق التي تقف أمامها والمتركزة في اغلبها في النواحي المالية التي تشتكي منها جميع الأندية وتجعلها السبب الأول في ضعف النتائج وقلة المنافسة.
ولاشك أن وجود مثل هذه المساحة من النقاش وطرح الآراء والأفكار في مثل هذه المواضيع شيء إيجابي ورائع حتي ولو اختلفت تلك الآراء والأفكار فيبقى التوجه والهدف واحداً وهو المصلحة العامة وان كان أكثر ما لفت نظري ما طرحه الزميل سلطان المهوس في العدد 10857 يوم الخميس 9/4/1423هـ من نقاط جديرة بالاهتمام وما أضافه الكاتب يوم الأربعاء 15/4/1423هـ بخصوص دمج الأندية والأرقام التي ذكرها وان كنت اخالفه في بعض تلك النقاط خصوصاً دمج الأندية كحل وإنقاذ لأحوالها المتدهورة لعدة أسباب منها:
- أن من الأهداف الأساسية لتأسيس الأندية هو خدمة أبناء كل مدينة أو قرية وهذا حق مشروع في أن يمارس أبناء هذه المدينة أو القرية أو الحي الرياضة في هذا النادي ويعتبر متنفساً وملتقى لهم بغض النظر عن المنافسات.
- كذلك من أهم أهداف الرئاسة العامة لرعاية الشباب في تأسيس الأندية هو إعداد مواطن صالح يخدم وطنه ومجتمعه إعداداً أخلاقياً في ظل تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ولم يذكر التنافس الرياضي كهدف أساسي للأندية.
- في ظل الأوضاع الحالية للمجتمع والمخاطر المحدقة بالشباب وحمايتهم من شبح الفراغ فإن دخولهم الأندية الرياضية لممارسة الهوايات والنشاطات الرياضية التي يرغبونها يعتبر أحد الحلول المتاحة والناجحة لهذه المشكلة لذا يجب دراسة زيادة عدد الأندية وتوسيع انتشارها وليس تقليصها بالدمج.
- ولو فرضنا حدوث الدمج هل يتم إغلاق قرابة «77» منشأة رياضية بكل ما تحتويه من مرافق أم يتم تحويلها إلى أندية اجتماعية وثقافية أو مراكز تدريب الناشئين أو للهوايات وفي جميع الأحوال سوف تتكفل الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالصرف عليها وبهذا لم يتحقق الهدف الرئيسي من الدمج.
- من ناحية التنافس وارتفاع المستوى فإن دمج الأندية المتنافسة من مدينة واحدة أو مدينتين متجاورتين هذا يعني انعدام وجود النادي المنافس بعد الدمج وهذا يضعف المستوى اكثر حيث يعد التنافس التقليدي دافعاً لرفع المستوى خصوصا بين الأندية المتجاورة التي دعا الكثيرون لدمجها مع بعض.
- عملية الدمج تعني إلغاء أندية بمسمياتها وكيانها وشعارها حتى لو كان لها تاريخ وإنجازات اضافة لارتباط منسوبي هذا النادي بناديهم بشكل كبير كما تعتبر بعض الأندية جزءاً من تاريخ مدن ومحافظات ولا يمكن التفريط فيه أو بشعاره أو اسمه.
- كما ان هناك عدداً من الدول الأقل من بلادنا سكاناً ومساحة وعدد الأندية لديها ضعف عدد انديتنا ولم تظهر لديهم مثل ما لدينا من مشاكل مالية.
لذا أرى أن الحل وهذا اجتهاد مني خصوصا أني طرحت الموضوع في هذه الصفحة قبل أربع سنوات ولكن بشكل مختصر وهو عندما ننظر للموضوع من ناحية ابحث عن ارتفاع التنافس والتوفير المادي فكما هو معروف أن الاتقان في العمل أحد الأهداف الرئيسية لممارسة الأنشطة بمختلف أنواعها ومن المبادئ المساعدة على تحقيق الاتقان والدقة في العمل مبدأ التخصص حيث انه يزيد من المعرفة والخبرة بالعمل الممارس مما يزيد من فرص إنجازه بنجاح أكبر.
ومن المجالات التي يمكن تطبيق التخصص بها النشاط الرياضي في الأندية ففي بعض الدول المتقدمة رياضياً يقتصر دور النادي على وجود لعبة واحدة أو عدد محدود من الألعاب يستطيع من خلالها النادي التركيز عليها والتفوق والإبداع فيها.
وعندما ننظر لواقع الحال في أنديتنا المحلية والبالغ عددها «153»، ناديا نلاحظ أن كل نادي تقريبا يضم عدداً كبيراً من الألعاب المسجلة لديه يتجاوز في بعضها «16» لعبة وهذا العدد الكبير يمثل ولا شك عبئا على جميع الأندية التي لديها هذا الكم من الألعاب باستثناء عدد محدود من الأندية الموجودة في المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية الكبيرة وصاحبة الدخل المادي الاعلى والتي ايضا بدأت تشتكي من ضعف الموارد المادية وصعوبة تغطية التكاليف لجميع الألعاب فسمعنا بيانات الإفلاس وطلب الدعم المادي وشكاوي تأخر الرواتب واستقالات المسئولين وانسحاب بعض الفرق وكل هذا بسبب الضائقة المادية فكيف بأندية المدن الصغيرة والقرى ذات الكثافة السكانية القليلة وقلة مرتاديها مقارنة بعدد الألعاب المسجلة والتي يتجاوز عددها طاقة البلدة السكانية وإمكانات النادي المادية مما يجعل هذه الأندية تعاني موسمياً من نقص عدد المسجلين وتواجه صعوبة احيانا في إكمال قوائم التصنيف خاصة في بعض الألعاب التي لا تجد إقبالاً من الشباب كممارسين مسجلين بشكل رسمي في اللعبة مما يضطر هذه الأندية إلى ادراج أسماء أناس لا يمارسون اللعبة وانما لاكمال القائمة وهذا بدوره ينعكس على مشاركة هذه الأندية في المسابقات الرسمية لهذه الألعاب فنجد النتائج الضعيفة وأحياناً المخجلة وقد يصل الأمر إلى الانسحاب خاصة في درجتي الشباب والناشئين.
كما أن وجود هذا العدد الكبير من الألعاب في أي ناد صغير أو كبير يشتت أذهان مسئوليه ويقلل من إمكانية تركيزهم على تحقيق نتائج جيدة ويصعب عليهم متابعة لاعبي ومدربي واحتياجات كل هذه الألعاب في وقت واحد ويضعف المتابعة الجماهيرية.
إضافة لتأخر رواتب العاملين في هذه الألعاب وفي النادي عموما نتيجة ضعف أو انعدام الموارد المادية. وان كانت حجة بعض الأندية في تسجيل أكبر عدد من الألعاب مفادها الحصول على العائد المادي من جراء المشاركات بهذه الألعاب في المسابقات الرسمية والحصول على الإعانة الخاصة بهذه الألعاب وليس بحثا عن النتائج الإيجابية والتفوق والمنافسات ومن اجل ان يذهب عائد هذه الألعاب غير الجماهيرية للصرف على لعبة كرة القدم صاحبة الشعبية والاهتمام الأعلى ولتسديد بعض الالتزامات الأخرى التي تخص النادي وهذه الحجة نستطيع ايجاد حل لها يتمثل في زيادة مخصصات الألعاب المسجلة في النادي بناء على نتائجها وذلك بعد التقليص الإجباري للألعاب في الأندية وهذا التقليص للألعاب هو الحل الأمثل من وجهة نظري لوضع الأندية الحالي المادي أو التنافسي الذي بدأ يضعف في الألعاب المختلفة حيث يجب أن يتم هذا التقليص في عدد الألعاب بناء على تقرير تقدمه لجنة متخصصة تدرس أوضاع الأندية لتحدد نوع وعدد الألعاب الفردية والجماعية التي يجب استمرارها أو شطبها أو تسجيل لعبة بديلة في كل ناد مع الإبقاء على لعبة كرة القدم لعبة أساسية في جميع الأندية وهذه اللجنة ستسير في تقييمها على عدة مرتكزات مثل نشاط كل لعبة وتاريخ نتائجها في النادي وتحدد عدد ونوع الألعاب التي تتناسب وحجم البلد الذي يقع فيه النادي من حيث الكثافة السكانية وموقع المدينة أو البلدة ومنشآت النادي بحيث توزع الألعاب جغرافياً على المدن، الأندية المجاورة أو القريبة بحيث كل مكتب فرعي يمثله ناد في لعبة تختلف عن النادي الآخر الذي يمثل المكتب في لعبة أخرى مع الابقاء على بعض الألعاب التي يمارسها بعض أفراد المجتمع شباباً أو كباراً كدور اجتماعي مطلوب من النادي ولكن لا تسجل كلعبة رسمية في النادي وليس لها التزامات مادية.
حيث يمكن تصنيف الأندية إلى فئات حسب عدد الألعاب التي تتوافق مع إمكانيات كل ناد والمنشآت المتوفرة لديه مع عدم إغفال قرار الرئاسة العامة لرعاية الشباب القاضي بعدم تسجيل أي ناد رسمي إلا بوجود لعبتين جماعيتين ولعبتين فرديتين كحد أدنى حيث لا يتناقض هذا القرار مع اقتراح تخصيص الأندية إذ من الممكن «كمثال»، تحديد الحد الأدنى لعدد الألعاب بأربع ولا تتجاوز ست ألعاب للأندية فئات «ج»، وست العاب حد أدنى وثماني العاب حد أعلى للأندية فئة «ب»، وثماني العاب حد أدنى واثنا عشر حد أعلى للأندية ذات الفئة «أ».
وتقليص الألعاب في الأندية وتخصيصها لألعاب محدودة العدد ومحددة الاسم سوف يثمر عدة إيجابيات منها:
1 - التقليل من التكاليف المادية والمصاريف التشغيلية في الأندية نتيجة الاستغناء عن عدد العاملين من المدربين والأخصائيين والمترجمين والعمال.
2 - زيادة القدرة على التركيز من قبل إدارات الأندية على الألعاب المتوفرة محدودة العدد وهذا بدوره سيساعد على تحسين النتائج ويرفع من إمكانية الدخول في المنافسة ويزيد عدد المنافسين لتبرز المواهب ويرتفع المستوى.
3 - يتيح لهذه الأندية الفرصة لتقديم خدمات غير رياضية للمجتمع مثل الأنشطة الثقافية والاجتماعية والهوايات المفيدة والمراكز الصيفية على اعتبار انه تم توفير جزء من المنشآت وعدد من العاملين.
4 - التقليل من أعداد الحكام في جميع الألعاب وبالتالي الحد من مصاريف الحكام نظراً للتقليل من عدد المباريات ومن ثم سيكون هناك فرصة للتركيز على الرفع من مستويات الحكام الفنية والتركيز على الكيف لا على الكم.
وان كان ما ذكره الكاتب سلطان الدوس من إيجابيات اقتصادية واعلامية وتنافسية لدمج الأندية فان اغلب تلك الايجابيات ينطبق في اغلبها عند تقليص الألعاب في الأندية.
- كما توجد حلول كثيرة لزيادة دخل الأندية مثل حرية الاستثمار وفرض نسبة من رسوم البلديات يذهب للأندية مثل ماهو معمول به في تونس وفرض على البنوك والشركات الكبيرة بدفع مبلغ مقطوع للأندية كل سنة مالية وهذا مطبق في بعض الدول العربية.
الوضع الإداري:
أما بخصوص الوضع الإداري في ظل أحوال الأندية الحالية فسوف تأتي فترة قريبة يتهرب الجميع فيها من الانخراط في العمل الإداري في الأندية وذلك لضعف الموارد المادية وتكفل بعض إداريي الأندية خصوصاً قليلة الدخل بالكثير من الالتزامات المادية المستحقة على الأندية وعدم وجود حوافز مادية أو معنوية ترغب الإداريين في العمل في الأندية رغم أن البعض يقضي اغلب وقته في النادي لمتابعة نشاطاته والعابه وسفر لاعبيه ومراقبة شبابه من النواحي الأخلاقية والسلوكية وحتى الدراسية والتكفل برواتب العاملين في أحيان كثيرة لذا يجب أن يلتفت للوضع الإداري في الأندية إما بتفريغ الإداريين من أعمالهم بنظام الإعارة كما ذكر الكاتب سلطان الدوس أو أن تحتسب سنوات العمل في الأندية ضمن خدمة الموظف في الدولة وذلك بسنتين بعملهم في الأندية بسنة في مجال عمله وحسب المرتبة التي يشغلها في الدولة مع خضوعه لرقابة ادارية وتقييم لعمله من مكتب رعاية الشباب الذي ينتمي له النادي وبذلك يعمل الإداري بشكل جيد ويخضع للرقابة ويكون مطالباً بعمل متميز وفي المقابل يضمن حقه من الحوافز التشجيعية والمكافأة المعنوية الملموسة.
|