Thursday 4th July,200210871العددالخميس 23 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

أجنحة الكلام أجنحة الكلام
أصحاب الملايين.. الفقراء!
ريمة الخميس

هل بقي في عالمنا العربي من يهتم بحجز مساحة سطر أو جملة في صفحات التاريخ، يشغله باسم كتاب له، بأهمية أغاني أبو الفرج أو لسان ابن منظور أو رسائل الجاحظ أو أطروحات ابن المعتز وقدامة وأبي هلال العسكري والآمدي والجرجاني وعشرات من تزاحمت أسماؤهم حتى ضاقت بها صفحات أرخت لعصور الأدب العربي؟.. وهل بقي في عالمنا العربي من يهتم بأن ينسب إليه فضل الدعوة إلى إشعال حركة كحركة الترجمة في العصر العباسي، أو حركة الإحياء في عصور الأدب العربي المتأخرة أو حركة النهضة في بقعة أو أخرى من مواقعه الجغرافية في عالمنا العربي؟
لست أعني الوقوف عند الهم الفردي المغلق على نفسه، فالهم الفردي في نهاية الأمر يكرس لرفعة الأمة العربية كلها، مع ذلك يخالجني الشك كله في أن الاهتمام بحشو الجوف لدى الفرد قد غلب الاهتمام بحشد الرأس، وأن الحرص على جمع القرش قد صادر لحسابه الرغبة في جمع المعلومة أو صياغة الفكرة أو عرض الرؤية، وأن التوق المشبوب إلى الترقي في الوظيفة قد ابتلع كل مساحات الانشغال بتجويد الإنتاج الإبداعي أو النقدي والترقي في المكانة الأدبية والفكرية، وأن التخطيط لبرامج الترفيه والتسلية وتعطيل الرأس أو إراحة الدماغ قد استهلك كل وقت قيادات القطاعات الكلام عن العالم العربي بأكمله وكل بنود الانفاق..! وإلا فلماذا تزداد النجوم الورقية في اللعب والغناء الهابط تألقاً، وتصل آخر مراحل المنافسات العالمية، وتزداد حدة ويأساً بالمقابل كلمات التأسي على «جيل العمالقة» من الأدباء والمفكرين الذي دائماً «لم يترك في الأرض خليفة» في الشعر أو القصة أو النقد.! هل نحن نهتم بتربية الكوادر المتتابعة في الإدارة أو الكرة أو السياسة، ولا نهتم بتربيتها في مجال ثقافي؟
هذا أمر طبيعي فيما يبدو، ففي زماننا هذا الجيب هو السيد البديل للقلب والضمير، وإذا أردنا مثالا ملموساً فلنتأمل كل الفضائيات العربية «دون أي استثناء»: تشغل مساحات هائلة من فضاء الكون تحقق دخلاً إجمالياً يحسب ويعد بالمليار من الإعلان الذي بسط نفوذه وتربع بكل شروطه ونزواته تجتذب «الزبائن» من المشاهدين بالملايين من داخل العالم العربي وحده ولا يعنينا الباقون تفسد عددا من العقول هو نفس عدد الذين اجتذبتهم إلى أسواقها، ويكفي أن نتأمل سباقاً محموماً بين تلك الفضائيات على تحطيم اللغة وتحقيق أرقام قياسية في تكسير الحروف وتغيير المخارج والانتصار على حركات الإعراب، كسباقها على تسطيح الأفكار وتعويم القضايا وافتعال موضوعات الحوار وغباء الأسئلة وبلاهة الإجابات.
هذه الفضائيات بتراكم منجزاتها التي لا تكف عن الترويج لها، يوما ما ستكون السبب الأول وربما الأوحد في انتهاء ما كان يعرف آنذاك يقال بالحضارة العربية والإسلامية، إلا أن تحدث معجزة وتستفيق!
وسط هذه الكآبة يمثل مشروع كمشروع صاحب السمو الأمير خالد الفيصل في إنشاء مؤسسة للفكر العربي تستقطب ضمن مهامها العديد العقول العربية التي ضاقت ذرعاً بالحال فهاجرت، يمثل بارقة أمل، فالمشروع إشارة إلى وعي متأجج بما بلغه حال الفكر العربي، ورغبة مخلصة وفريدة في الإمساك بفرصة أخيرة لإصلاح ما أفسده الزمن.
كنت استمع إليه في حديثه التلفزيوني، وأقاسمه مرارة الأسى أن دعوته لأصحاب الملايين العرب بالإسهام في هذا المشروع الحضاري، الذي يدون اسمه واسم المملكة بحروف من نور في أبرز صفحات التاريخ، لم تجد أي استجابة إلا من قبل ثلاثين فقط، رغم أن الإسهام بمبلغ زهيد لا يقاس بمئات الملايين التي تنفق كتبرع على مشروعات أجنبية، أو تهدر في الهروب المرفه من قيظ الصيف، أقاسمه الأسى، وأعزيه وأعزي نفسي وكل المثقفين العرب، بأن آلاف الناس من أصحاب الملايين في العالم العربي هم حقيقة من الجانب الآخر يعيشون في فقر مدقع، فلا أمل ولا رجاء..!

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved