Thursday 4th July,200210871العددالخميس 23 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

سنن الأحداث الكونية بين وعد الله.. ووعد فوكوياما سنن الأحداث الكونية بين وعد الله.. ووعد فوكوياما
خالد الشريدة

مدخل:
وعد الله عباده بالاستخلاف في الأرض وتمكين دينهم وتبديل خوفهم أمناً، وكل هذه الوعود في الواقع الآن بالعكس تماماً من مراد الله، فهل يُخلف الله وعده؟ أوأخلف الله وعده؟. ووعد الفيلسوف الأمريكي «فوكوياما» الرأسمالية الغربية بالعلو والنصر وأنها مصير الناس، ذلك أن الناس لن يجدوا أفضل منها منهجاً ومسيرة حياة.. وفي الواقع ما يصدّق وعد فوكوياما!! فكيف كان ويكون ذلك؟ إنها معادلة عجيبة وتقرير قد يتقزز منه «المتعاطفون» مع الإسلام!! بل ذهب فوكوياما إلى ما هو أبعد من ذلك حيث أشار إلى أن النظام الليبرالي هو أعظم وأفضل الأنظمة وأن الرأسمالية هي أجدى وعاء اقتصادي وأن الإسلام ليس بمقدوره مقاومة المد الرأسمالي الليبرالي إذ إن الإسلام حسب زعمه يتصف بالتقوقع ويفتقر إلى المزايا التي تقود إلى قبوله عالمياً.. وإزاء هذا الزعم تجد فعلاً في واقع المسلمين من يريد أن يقوقع الإسلام بفعله أو قوله وبالتالي يعكس هذا حالة تصحّح مزاعم فوكوياما ووعده! هل يا ترى يتعلق المسلمون بوعد الله وينتظرون حدثاً من غير أنفسهم يحقق لهم وعدهم، أم أن السنن والأحداث تجري لصالح تحقيق وعد فوكوياما وبالتالي نحتاج لمراجعة مسلمات دينية ربما لم نفهمها كما يراد لها أو أنا تلقيناها بطريقة غير سليمة، أسئلة كثيرة يمكن أن تثار حول هذه الجدلية من جهة بعدها الواقعي والمسلمة من جهة بعدها العقدي؟؟.
محتوى:
ليس من خلاف بأن للنصر أسبابه التي تتوزع بين المادية والمعنوية، فالشخصية المحطمة نفسياً والمنتكسة خلقياً مهما أوتيت من قوة فلن تؤدي دورها المطلوب في التعامل مع موجوداتها المادية، ومن ثم القدرة على المصابرة في مجابهة العدو ومغالبته، وفي الجانب الآخر تلك الحالة المليئة بالمعنوية والمتدفقة حماساً وحيوية في المنظور العقلي لا يكفيها هذا الحماس لتحقيق مراداتها من غير عدة مناسبة، وبالتالي فيلزم من تحقيق النصر عقلاً أن يتكامل السببان، لكن الحالة الأكثر خصوصية «حالة المسلمين» فقدرهم أكبر من ذلك وأعمق ذلك أن توفر السببين لا يكفي لنصرتهم! «؟»، فدستورهم يؤكد ذلك ويوم حنين يجليها. فما المطلوب لاستجلاب قدر النصر والعزة على كافة الأصعدة؟.. سؤال تكثر الإجابة عنه ويندر العمل!!.
نقرأ أحياناً نصوص التشريع ومقاصده بالمقلوب ولذلك الوضع مقلوب نقرأ التحريم وقد نحله ونتحدث عن أهمية الأمانة والأخلاق وقد نعاكسها!!، ونسمع عن الربا وربما نمارسه.. نعم.. إن فقه النص لا يعني بالضرورة حرفيته من غير معرفة لناسخه ومنسوخه وسبب وقوعه، ومحكمه ومتشابهه وضعفه وقوته حالاً أو مقالاً هذا من ناحية، ومن أخرى فلا أخاله يناسب طرح ما يتناسب وعواطف الناس، والميل إليه دائماً دونما سعي لتأصيل التربية والرؤى المنهجية التي لا تنتهي بانتهاء الحدث، بل يقف عندها الإنسان لتضيء موقفه عند أي حدث.
ومما يندرج في هذا السياق إمتاع الناس بالحديث عن «النصر المحبوب» في غفلة عن مقتضيات «النصر المطلوب». وعليه.. فأن تُنزَّل أو تتخذ دائماً وأبداً حالة أصحاب الأخدود، أو الغلام المؤمن «حالة نصر» في جل المواقف والأحداث فتَدْفَعَ من ليس من وراء اندفاعه ما يحقق مقاصد ذلك الغلام فتلك مسألة فيها نظر. إن من الخلل في تقديري أن يعمم الحديث في كل أمر وحدث بأن الثبات على الحق ولو قتلت من أجله هو «النصر»..، نعم ألا تغير مسلماتك «نصر» لكن أن توردها المهالك «باختيارك».. «فلا». ومن هنا فباب تغيير «المسالك» عوضاً عن إيرادها «المهالك» هو من باب الحكمة التي يحتاجها أبناء هذا العصر.
إن إسقاط حالة الغلام المؤمن على «كل وضع وحالة» هو استئناس غير موفق، وربما قعود عن الإعداد كما أمر الله، ومن ثم التسليم «لا بالقدر» ابتداء بل للعدو حتى يفعل ما يريد!. نعم.. الثبات على المبدأ نصر لا يخفى، لكن القعود عن الإعداد له ومن ثم طلبه معتمداً كليا على الكرامات أو المصادفات فذاك في العرف الشرعي تواكل لا اتكال. المشكلة.. أن من الناس من يصعب عليه الاعتراف بالهزيمة وكأن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يهزم مادياً في «أحد». وهنا فالحاجة ماسة إلى التفريق بين هزيمة المبدأ وهزيمة الحدث. ونحن كمسلمين لم نملك مقومات نصر المبدأ ولا الحدث بل استغلت الأحداث لتشويه الأمرين، ولذلك فنحن بحاجة إلى فن التقديرات وما بين أيدينا من امكانات، وذلك فضل الله يؤديه من يشاء.
لم يؤمر المصطفى في حالة ضعفه بالقتال لِيُقْتَل، ولكنه في كلتا الحالتين أمر بالدعوة وإيضاح رسالته بشتى الوسائل الممكنة.. وهنا يتبادر للذهن تساؤل هل بذلنا ما يمكن حتى لا يكون للناس حجة في «صدِّهم»، ومن ثم تأتي مرحلة الإعذار بعد الإنذار!!. إن مما لا يخفى على عاقل أن الواقع يشهد صداً عن الإسلام من المسلمين أكثر مما ولا مقارنة يدعو إلى التفكير في رسالة الإسلام، فضلاً عن اعتناقها. فحالة التفكك والضعف، والاستهزاء المتبادل بين المسلمين أفراداً وشعوباً،.. وكثير من التصدعات تحتاج إلى وقفات. ولذلك فالحاجة أكثر مساساً للالتفات إلى صيانة «البيت» جسد الأمة قبل عرضه على الناس أو تسويقه. وهكذا طبيعة الإنسان أن ينشد للمنتج المتميز كما السلوك والمعتقد المتميز.
نعم.. الإسلام سلعة و«غالية» ليست كالسلع، لأن عاقبته الجنة، ومن هنا فالأصل في البائع الأمين و «كلنا ذلك الرجل» أن يتحرى في عرضه الجودة وفي المشتري أن يفتش عنها.
إن مسلّمة عدم الرضا من أهل الكتاب عنا لا تحتاج إلى يقين لمن يحمله لكن استعمال المواجهة فيما لا يخدم إلا المتربصين هذا فقه يحتاج إلى مراجعة، ذلك أنه لا يعني تأخير المواجهة تنازل عن مبادئ مسلمة ولكنها الحاجة إلى فقه المرحلة التي يعيشها عالمنا اليوم. ذلك أن قضية الإسلام ليست مسألة شخصية، أو حادثة وقتية بل مسؤولية عن «رسالة إلهية ورحمة عالمية» تحتاج إلى فقه مرحلة يقارع الحجة بالحجة، والعمل بالعمل، والمشروع بالمشاريع،.. حتى تهيئ أو تتهيأ لك الظروف التي يمكن أن تسمع حينما تقول وتخشى حينما تهمّ أن تفعل. إن من الناس من يجاوز الموضوعية من خلال الحكم على واقع المسلمين وإمكانية تفوقهم عموماً ونصرهم حالة ضعفهم وهوانهم وقلة حيلتهم، فليس هذا من العقل في شيء، كما أنه وفي نفس الدرجة ليس من التعقل إلهاب مشاعرهم وتعليق آمالهم بأمجاد ماضيهم وتاريخهم وكأن رجال التاريخ الذين يتحدث عنهم هم أولئك الرجال الذين يحدثهم، فشتان بين الصورة والحقيقة فالعدل ليس في هذا وذاك.
إن قنوات عدة تتعاون اليوم في تسويق الأفكار الغربية والأخلاق البروتستانتية سواء من خلال السياسة أو الاقتصاد أو الإعلام أو غيرها وبالتالي تندفع ذاتياً بقوة وقوى مشتركة، ويحزن الإنسان «المسلم» حينما يرى أن أخلاقيات الإسلام ووجهه الحضاري المشرق ينقض بعضه بعضاً من خلال قنوات مختلفة وسلوكيات متخلفة منّا قبل أن تكون من غيرنا!. وإن أحسن واحد أساء آخرون وبالتالي تندفع رسالته إلى الخلف،.. وهكذا ننقض بعضنا ونتناقض مع بعض!!. أو ليس في هذا تصديق لفوكوياما ووعده؟. وتأخير لوعد الله ونصره؟؟.
وإذا كان الله كلف الإنسان بالعمل قدر الاستطاعة، فلم نحاول الدخول في أنفاق ليس لنا فيها قدرة ولا استطاعة.. كثيرون هم الذين يتحدثون عن المواجهة وأهميتها مع العدو، ونادرون هم الذين «ربما» يَصْدُقون..، كثيرون هم الذين يفرحون حينما يواجه عُزْلٌ من المسلمين قوى عاتية، وربما أكثر أولئك الذين يندبون حظهم ويجرحونهم بعد مقتلهم. وهكذا الإنسان يأخذه الحماس نقداً وتجريحاً حينما يكون خارج الميدان أياً كان، سياسياً أو إعلامياً أو عسكرياً.. الخ فيستسهل القيل والقال ولو سألته البذل لتمنى أنه ما قال. إن استشعار المسؤولية تجاه أفراد الأمة جمعاء هي الحقيقة التي يجب أن يعيشها كل مسلم، فمن حق المسلم على أخيه «ألا يظلمه ولا يسلمه» وأنت في واقع الأمر تظلمه في عدم حجزك إياه عن مواجهة غير عادلة، وبالتالي تُسْلِمُه أو تُسَلِّمُهُ لمصير مجهول أو عدو متربص. وهنا يأتي دور الناصحين والمصلحين والقادة سياسياً واجتماعياً في ترتيب أولويات الأمة وتجنيبها مخاطر تساق إليها.. ليقضى عليها!.
نعم.. إن من حكمة الله أن يُديل عدوك عليك ليختبر صدقك، لكن ليس من الحكمة أن تلقي بنفسك في النار لتختبر صدقها، أو لتدلل للناس على ذلك!! فنحن لا نتهم صدقك لكننا نود ألا تخسر مكاسبك، وتعجل بنهايتك فالناس بأمس الحاجة إلى هداك!. وشتان بين من «يفِرُّونَ» جُبْناً أو حقيقة وبين من «يَكُرُّونَ» لمواجهة الحقيقة.
إن من خلل التفكير المنهجي في كل حدث اختصار التحليل للأحداث حين وقوع الحدث، فالرؤية المستبصرة تتضمن دراسة ما هو حاصل قبل الفعل وما يحصل حين الفعل وما يمكن أن يحصل بعده، وحينما يستجمع الإنسان في أي مشروع أو مجال هذه الأبعاد الثلاثة أمكنه تقويم الحال «القبلي الحيني البعدي» وحينها يمكن أن يقدر تقديراً أقرب للحكمة لعواقب أقواله وأفعاله، وما إذا كانت سلامة بدايتها وحنكة قيادتها، ومحاسن أو مساوئ آثارها توجب الانطلاق أو التوقف أو التكتيك أو الاستمرار. كل التساؤلات المذكورة للقيادي الناجح سياسياً أو عسكرياً أو اجتماعياً أو إدارياً يجب أن تكون نصب عينيه حتى لا تفاجئه الأحداث فيتصرف دون رؤية وروّيَة فَيَضِلُّ ويُضِلَّ.
مخرج:
إن سنن التقدير الإلهية لا تخضع حتماً للمقاييس المادية فأسباب النصر للمسلمين مربوطة بتقدير الله أولاً وبتحقيق شرطه ثانياً، وبالتالي فالله سبحانه ربط بعد - الإعداد المستطاع نصره بتحقيق عبوديته كما أراد، وبالتالي يتخلف وعده كلما تخلف هذا المعنى..، والمعنى هنا أن سنن الله في حق عباده تتخلف حينما يتخلفون وتعمل حينما يعملون. ولهذا فاستعلاء الغرب اليوم مخالف لسنن الله ووعده «للمسلمين» وموافق لفوكوياما ووعده للرأسمالية والأفكار والسلوكيات الغربية (وهذا من تقديره).
وهذا في السياق السنني لا يعني أن «صاحب الوعد» غير قادر على تحقيق وعده وإظهار كرمه، وتمكين عباده، لكن «المدعو» أصلاً لم يطرق الباب كما أُمِرَ، بل تأهل لاستضافة غير مَنْ وعده ومد حبله معه ومن هنا فقد فَعَّلَ سنة غيره لا سنته «فمن الملوم؟»!!.
إن من عدل الله في سننه أن يحيل نتائج الأفعال إلى مسبباتها {نّسٍوا پلَّهّ فّنّسٌيّهٍمً} {فّلّمَّا زّاغٍوا أّزّاغّ پلَّهٍ قٍلٍوبّهٍمً}، ولكنه رحمة بعباده يعينهم ويحفظهم ويثيبهم {وّلّوًلا أّن ثّبَّتًنّاكّ لّقّدً كٌدتَّ تّرًكّنٍ إلّيًهٌمً شّيًئْا قّلٌيلاْ}.. {لّوًلا أّن رَّأّى" بٍرًهّانّ رّبٌَهٌ}.. {إن تّنصٍرٍوا پلَّهّ} ليس فقط ينصركم بل ويثبت أقدامكم وهنا فلن نستطيع أخذ حق الله منه.. فالنصر لعباده إليه، لكننا نفهم من خلال سننه أنه لم يكلفنا ما لا طاقة لنا به، ومنها عدم تعريض النفس للإهانة والعقوبة معتمدين في طلب النصر على الكرامات والمعجزات لا على الأخذ بالأسباب والمسببات.
وعين الحكمة هنا أن تعمل وفق معطياتك وإمكاناتك معلِّماً ما استطعت ومربِّياً ما استطعت ومستخدماً كل ما في وسعك لبعث الهمة وتقدير حجم المسؤولية المحلية والعالمية وحينما تتيقن بأن الصف قد اعتدل وأن الوجهة جلها «للقبلة» لا «للغرب» فحينها يكون الاختراق أياً كان ضدك أشبه ما يكون بعملية انتحارية. وهنا أيضاً يمكن أن يحدث ما لم تحسب أنت له حساباً وذلك تقدير الله الذي ينزل نصره على الحالة التي تأهَّلت لذلك، والنصر عنده قريب.. لكن تساؤلنا: هل نصرنا له كذلك؟.. لكل منا أن يتأمل!.
لفتة:
«إذا تركت غيرك ليكتب واقعك فقد أذنت له ليتصرف فيك»

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved