Thursday 4th July,200210871العددالخميس 23 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

طال عمرك «كلش» أندر كنترول طال عمرك «كلش» أندر كنترول
فوزية عبدالله أبو خالد

لو أردنا جرداً مبسطاً وإن يكن تبسيطاً مخلاً للإشارة على الأقل لبعض القضايا الاجتماعية التي يعج مجتمعنا بها وتلج الحاجة إلى ايجاد حلول لها لمواجهتها الحاسمة أو لجدولتها على قائمة أولويات العمل نحو حل ما وإن لم يكن حلا جذرياً، فهل سنكتشف فجأة أن سعر الورق غال وأن سعر البترول رخيص أو سنكتشف ان الحبر والبترول ضنينان، وان تلك القضايا الملحة سخية أكثر من سخاء حاتم الطائي.. أم نكتشف جهلا ً مطبقاً بتلك القضايا لا يجعلنا قادرين على تحديد الأولويات خاصة وان امريكا تشغلنا بأنفسنا عن أنفسنا بما ليس لنا ناقة ولا جمل فيه من قضايا الارهاب والحملات الصحفية وغير الصحفية المغرضة.
هذا إذا لم يكن هناك احتمال رابع وخامس وعاشر بأننا نفضل على أي حال عدم معرفة تلك القضايا الاجتماعية ومعضلاتها التي قد لا يجر العلم بها الا «تصديع» رأس السائل والمسؤول معاً وان كان بالطبع نصيبها في الصداع لن يكون متساوياً، وربما نميل لو ألممنا أو عرفنا ببعض تلك القضايا الاجتماعية أو المشكلات أن نحتفظ بها وبآرائنا حول حلها لو كان هناك من رأى سراً لأنفسنا لأن من آداب المواطن الصالحة كما جرت العادة في المجتمعات «النامية» عدم الحديث العلني أو الاشارة من قريب ولا حتى من بعيد إلى أي قضايا اجتماعية، خاصة فيما لو كانت من تلك الاشكاليات اليومية التافهة التي لا يعاني منها الا الغالبية الساحقة من الرعاع والسذج وانصاف المتعلمين (ومن هم على شاكلتهم الرثة ممن كانت تسميهم التنظيرات الراديكالية البائدة من القرن الماضي بالشعوب أو الجماهير أو المواطنين الاعزاء او سواها من التسميات الايدلوجية لا اعادها الله لأنها لم تغنهم من فقر، ولم تسمنهم من جوع، ولم تورثهم الا حالة عدم الرضا بالحال وسخط الحكام في ذلك الزمان.
ولذلك وربما لاسباب اخرى لا يعلم بها الا اصحابها تنتشر في المجتمعات النامية وليس في مجتمعنا فضيلة السكوت عن أي من القضايا الاجتماعية المزمنة او المعاصرة (ولا اقول الحديثة لعدم إثارة الحساسيات).
فالجميع حريص على الا يتطرق إلى القضايا والمشكلات الاجتماعية لو كان أي كان يعرف بوجودها اصلا، وذلك ان التطرق اليها قد لا يؤدي إلى حلها بقدر ما يؤدي إلى شماتة الاعداء وانفضاض الاصدقاء الذين قد يكونون قليلين أصلاً فيما لو كان لايصرف عليهم من المال العام والخاص لإبقائهم في خانتنا أو ابقائنا في الخانة التي ليست ضدهم ماكان يكفي لحل بعض القضايا الاجتماعية على الأقل تلك التي لم تكن لتظهر لو لا التضخم الاقتصادي العالمي المرعب ان التمسك في المجتمعات النامية بفضيلة المحافظة على جمال صورتنا الاعلامية «منشاين الغتر منتفخي الخدود لإسعاد الأصدقاء وإغاظة الاعداء (اعداء الأمة العربية بتعبير الثوريين البائدين لا أقام الله لهم قائمة مرة اخرى)، هو الذي يجعلنا معشر الكتاب (على سبيل المثال لتلك الفئات التي تحمل امانة المسؤولية (والكلمة دون ان يكون فيها الا القليل ممن يحتملها) لا نرى الا الجزء المضيء من القمر، فلا نرى مثلا (ارتفاع فواتير الكهرباء الا رومانسية العتمة واستعذاب شواظ الحر المدمر لخلايا الأعصاب، لا نرى في غلاء المهور والتكاليف الباهظة لفتح البيوت الا الاكتفاء بنبل تخيل الهوى العذري، لا نرى في استشراء بطالة الشابات والشباب الا عذوبة التعذب بشظف العيش وضيق ذات اليد والتمرغ في مغامرات ان لم يكن مخاطر الفراغ المريع.
بالضبط مثل الا نجد في عدم وجود مقعد دراسي واحد لما يزيد عدده عن 65 ألف طالب وطالبة من خريجي الثانوية لهذا العام الا ما نحسد عليه هؤلاء لما سيتمتعون به من حريات عامة بفضل عدم الانتظام في دراسة أو عمل خلال سنوات مستقبلهم المشرق بالتوقعات الغامضة.
إن مثل هذه المسوغات الشفافة الرقيقة (وما يمكن ان يقاس عليها مما قد يكون أكثر واقعية هو ما يدفع معظم المسؤولين الصغار طبعاً (إذ لا قبل لي أو لغيري بذكر المسؤولين الكبار) لأن يخفوا أي قضايا اجتماعية أو مشكلات أو أي شكاوى منها في الأدراج، فنراهم يتصدرون الصحف والمجالس باقوالهم القاطعة بخلو المجتمع من أي مشكلات اجتماعية مثل خلو جيزان من البعوض وخلو الجوف من الجامعات.
هذا بالاضافة الى قولهم: انه لو كان هناك اي من المشكلات لا سمح الله فهي اما بصدد الدراسة او تحت السيطرة «وعلى قول إخواننا المصريين: كله تمام يا افندم».
هذا إذا لم يؤكدوا لنا ان ما يعانيه المجتمع من اختناقات المرور والتلوث البيئي وطفح الصرف الصحي وندرة المواعيد الطبية وحالات العنف الاسري وارتفاع نسبة الطلاق وتنصل الآباء من مسؤولية الرعاية والصرف على الابناء وكثرة الاسواق واحتكار السلع، ووقوع معظم المواطنين تحت طائلة أو غائلة الاقساط الشهرية وتدني الرواتب المدقع وارتفاع اسعار المعيشة الصاروخي انما كل ذلك وسواه من الاشكالات تجري على ارض واق الواق.
فهل يمكن أن يكون في مجتمع ملائكي مثل مجتمعنا قضايا او مشاكل اجتماعية تذكر الا في كوابيس بعض الكُتاب الذين لم يجيدوا كيف يتقربون من فرص الرفاه او الرخاء.
هذا ولله الامر من قبل ومن بعد.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved