بسطت أنا والبروفسور كينيث ستين خريطة تفصيلية في مكتبي وتفحصنا سويا المستوطنات الاسرائيلية المقامة في أماكن استراتيجية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي أحيط كل منها بقوة عسكرية واحيطت بشبكة من الطرق المحمية، الأراضي المتبقية الفلسطينية غير المحتلة ظهرت كبقع صغيرة معزولة. أوضح كينيث أن الخنادق والحواجز والتي بلغت تكاليفها 350 مليون دولار قد بنيت في الشمال الشرقي للقدس، وهذا يمثل الرغبة الحقيقية لأغلب الفلسطينيين والاسرائيليين في اقامة حاجز دائم لا يمكن اختراقه بين الشعبين. هذه العزلة موجودة للأسف الشديد في سياسات اسرائيل والفلسطينيين وأمريكا، الكل يفتقد الى الدعم خارج دائرته السياسية، واذا لم تتدخل أطراف أخرى لتقريب وانهاء هذا الانقسام فان الأمل قليل لمساعدة هؤلاء وتخليصهم من العنف اليومي. وعند أخذ هذه العزلة بعين الاعتبار فانه من السهل أن ييأس المرء من انقاذ هذه المنطقة القلقة، بل ربما من المستحيل تحقيق أي تقدم حقيقي، لكن الشيءالمطمئن يأتي من تفحص عملية السلام في الشرق الأوسط كسلسلة طويلة من الخطوات التاريخية وغير المتوقعة.
قبل الزيارة المذهلة لأنور السادات للقدس ومعاهدة السلام اللاحقة في 1979م فانه من الصعب تخيل اعتراف العرب دبلوماسيا باسرائيل، في عام 1993 أثبت النرويجيون في أوسلو أن رابين استطاع التعامل مباشرة مع ياسر عرفات كقائد فلسطيني، كان هذا من كلا الطرفين اعترافا غير مسبوق بشرعية الآخر، بتشجيع الاسرائيليين وموافقتهم بعد ذلك اقام الفسطينيون في عام 1996 انتخابات شفافة وسلمية تمت مراقبتها من المركز الذي أديره وتم اختيار رئيس وأعضاء السلطة الفلسطينية التي تم الاعتراف بها عالميا بصفة شرعية.
هذا التغير الايجابي يشجع البحث عن سلام عادل ودائم، فيما عدا اتفاقية أوسلو فان نجاح عمليات السلام جاء بتدخل متوازن للولايات المتحدة. وسطاؤنا «أي الأمريكيين» عاملوا الطرفين باحترام متبادل وتركوا لهم المجال بتقديم أفكارهم بحرية تامة وأقنعوهم أن الاتقاق كان انتصارا لهم جميعا.
كان هناك أيضا تقدم مهم حينما اقترح ولي العهد السعودي التطبيع مع اسرائيل في مقابل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة بعد يونيو 1967 م والتعامل العادل مع اللاجئين الفلسطينيين. اذن فامكانية تحقيق سلام بين اسرائيل والعالم العربي قد تم قبوله بشكل غير مسبوق في المنطقة. قام الرئيس بوش، أيضا، بخطوة مهمة عندما نادى في سبتمبر بدولة فلسطينية، لكن، مع ذلك مازال العنف يهدد أو يقلب العديد من هذه الانجازات الكبيرة وبعض الاسرائيليين يعتبر أن المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة مقدسة «ولا يمكن مسها» ويحاولون تبرير اخضاعهم المستمر للفلسطينيين الذين زاد بهم اليأس.
الآن، انضمت الولايات المتحدة الى باقي الدول الأخرى التي ترى ضرورة الانسحاب الاسرائيلي، والسلام بين الدول العربية واسرائيل، والدولة الفلسطينية.
هذا يعتبر نجاحا ملحوظا، لكن السير قدما في عملية السلام قد قوض بسبب قبولانا التام للمطالب الاسرائيلية ورفضنا التعامل مع القادة الفلسطينيين الذين يتوقع أن يعاد انتخابهم في يناير القادم. من المحتمل أن يزداد الأمر سوءا حتى ذلك الحين وربما طويلا بعد ذلك، الانجازات المدهشة السابقة تحتم علينا عدم ترك البحث عن السلام، لكن لن يكون هناك خطوات تاريخية بدون التفاوض بين الأطراف الرئيسية لأن التنازل من طرف واحد هو أمر لا يمكن تخيله.
الآن وحيث ان الولايات المتحدة الأمريكية تقف خلف اسرائيل وتطالب بأمور لا يقبلها الفلسطينيون فان على قادة دول العالم ربما العالم العربي أو أوروبا أو الأمم المتحدة، المشاركة في هذه المسؤولية، كما حدث في أسلو، واحراز تقدم لا بد أن يأتي.
جيمي كارتر / رئيس امريكي سابق «يو أس ايه توداي» |