منذ أكتوبر الماضى، والرئيس الأمريكي جورج بوش يعلن خلال تصرحاته إيمانه بضرورة قيام دولة فلسطينية يمكن أن تتعايش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيلية في مناخ آمن وسلمي، وكانت هذه التصريحات تأتي متسمة بقدر من الوضوح ربما تفوق فيه على جميع الرؤساء الأمريكيين السابقين.
أما اليوم، وبعد أسابيع من تجدد «الهجمات الاستشهادية للفلسطينيين» أعلن بوش الثمن المطلوب مقابل إقامة دولة ل5 ،4 ملايين فلسطيني، وهو ثمن سوف يكون فادحا إذ يتمثل في إقصاء ياسر عرفات عن قيادة الفلسطينيين.
وعلى حد قول بوش: فإنه عندما يتم تغيير القيادة الفللسطينية من خلال بذل الجهود الكبيرة من قبل الجميع فإنه يمكن التوصل إلى اتفاق بشأن قيام دولة فلسطينية ذات قيادة منتخبة تحترم سيادة القانون وذات اقتصاد مفتوح وذلك في غضون ثلاثة سنوات من الآن وفي هذه الحالة سوف تعمل الولايات المتحدة بدأب من أجل تحقيق هذا الهدف.
وبهذا الخطاب يفتتح الرئيس الأمريكي طوراً جديداً من الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي أثارت على الفور السؤال حول إمكانية نجاح هذه الدبلوماسية الجديدة، وذلك نظرا لكون هذه الدبلوماسية الأمريكية ترجىء لأجل غير مسمى المفاوضات التي يطالب الفلسطينيون بمساندة من القادة العرب بها من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والتوصل إلى تسوية نهائية حول إقامة الدولة، والسؤال المهم والذي يطرح نفسه أيضا هو: هل لدى الرئيس عرفات الآن أي حافز للتعاون مع السياسة الأمريكية الجديدة؟! وهو الشخص الذي يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي آريل شارون إبعاده، ويريد الرئيس بوش أن يعزله عن منصبه.
ويشير المراقبون إلى أن هذه السياسة الأمريكية الجديدة لازالت تتسم بقدر من القصور في معالجة بعض الأمور والتفاصيل المهمة والمتعلقة بكيفية تحقيق وقف إطلاق النار بين الجانبين. أو بكيفية إخراج القوات الإسرائيلية من الضفة الغربية. أو بإمكانية إعادة بناء مؤسسات الأمن الفلسطيني بحيث تصبح قادرة على الحيلولة دون حدوث الهجمات الاستشهادية فكل تلك الأمور تشكل عوامل مهمة تعمل على تهيئة الظروف أمام العمل السياسي حتى يمضي قدما.
ومكمن الخطورة هنا أن تلك السياسية قد تنتهي إلى فشل ذريع بسبب ما تقوم به من تعميق هوة الخلاف في الشرق الأوسط من خلال ما دأبت عليه من إرسال رسائل قاطعة لعرفات تفيد بأنه يمثل قيادة فلسطينية غير ملائمة.
ويحلل ريتشارد مورفي المساعد السابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط والذي شغل هذا المنصب في ظل كلا الإدارتين الديموقراطية والجمهورية الموقف الراهن قائلا: إن كل شيء ممكن ولكنه يخضع لشروط صارمة فقد يواجه الرئيس الأمريكي مأزقا حقيقيا إذا ما قام الفلسطينيون بتحدي الضغوط الأمريكية الداعية إلى عزل عرفات الذي يشكل أحد رموز حركتهم الوطنية، وقاموا في ظل هذا التحدي بإعادة انتخابه في الانتخابات المتوقع أن يشهدها الربيع القادم.
ويضيف مورفي بأن عرفات ليس من ذلك النوع الذي يمكن أن يعلن تنحيه عن السلطة باسم المصلحة الوطنية، وذلك لإنه يعتقد في قرارة نفسه بأنه يعرف مصلحة وطنه أكثر من أي شخص آخر.
وقد وضع بوش نفسه في محيط مجازفة خطيرة فهو ينتظر من الفلسطينيين أن يرتفعوا ليصلوا بأدائهم السياسي إلى المستوى الذي حدده في خطابه بحديقة البيت الأبيض في الوقت ذاته قد يستمر العنف بل قد يشتد ولم يتضح في خطاب بوش كيف يمكن تغيير القيادة الفلسطينية في ضوء انتخابات محلية ووطنية حقيقة سوف تساعد الولايات المتحدة والدول الأوربية الفلسطينيين على إجرائها مشارف العام المقبل أو كيف يمكن لهذه الانتخابات أن تجرى من الأساس إذا استمرت إسرائيل في ممارسة العنف واحتلالها الأراضي الفلسطينية.
وقد أثنى مارتن إنديك الذي عمل منسقا لمنطقة الشرق الأوسط في عهد إدارة بيل كلينتون على ما قاله جورج بوش مؤكداً أن ما قيل يشكل لحظة من لحظات المكاشفة والمصارحة فيرى إنديك أن بوش كان محقا فيما قاله بشأن مسألة القيادة الفللسطينية بل يذهب إنديك إلى حد الزعم بأن عرفات لم يفشل فحسب في اختبار القيادة، ولكنه أيضا جعل من الصعب على أي زعيم إسرائيلي أن يتفاوض معه من أجل التوصل إلى اتفاق.
لذا أصبح من المحتم أن يحدث تغيير ويضيف إنديك أن بوش كان أقل وضوحا بالنسبة للفلسطينيين فقد كان عليه أن يقدم تعريفا محددا لما ستكون عليه الدولة الفلسطينية كما كان عليه أن يمنح الفلسطينيين إحساسا أعمق بأنهم سوف يحصلون على ما يعوضهم عن التخلي عن قيادتهم.
وقد عبر مارتن إنديك عقب سماعه لما جاء بالخطاب عن قلقه بشأن ما أبداه الرئيس من تعهد بدفع إصلاحات السلطة الفلسطينية.ورغم أن خطاب بوش كان يميل بشدة إلى جانب وجهة نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي آريل شارون الذي أخذ يزعم منذ سبتمبر أن عرفات لايختلف عن أسامة بن لادن إلا أن بعض المسؤولين العرب والفلسطنيين ركزوا على الجوانب الإيجابية التي وردت بالخطاب.فقد صرح أحد مستشاري السياسة الخارجية بإحدى الحكومات العربية الحليفة للولايات المتحدة قائلا: أخيراً نحن إزاء سياسة أمريكية في منطقة الشرق الأوسط وهو أمر جوهري بالطبع على إسرائيل الآن أن تحقق بعض النقاط عبر الإنسحاب من الضفة الغربية ربما يكون قد تحامل بشدة على القيادة الفلسطينية ولكنني أعتقد أن ذلك سيؤدي إلى نتيجة جيدة.
ويذكر هذا المسؤول العربي أنه لا يعتقد أن أغلب القادة العرب قد تنبهوا إلى الموقف المتشدد الذي اتخذه بوش إزاء ضرورة خلق دولة فلسطينية ديموقراطية تقوم على الشفافية. مضيفا أن التحول الديموقراطي للقيادة الفلسطينية تشكل نقطة يجب أن توضع موضع إعتبار وهو ما سوف يتضح بعد إجراء الإنتخابات.
وفي أحد ردود الأفعال المؤيدة لما جاء بالخطاب والمستحسنة له ذكر حسن عبدالرحمن الممثل الرسمي لعرفات بواشنطن أن الرئيس بوش قد تناول في خطابه العديد من الأشياء التي كنا نتطلع إلى سماعها مثل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتجميد المستوطنات، وضرورة سحب القوات الإسرائيلية، واحترام حقوق الفلسطينيين.
وعند سؤاله عما إذا كان الخطاب يحمل قدرا من التحدي لسلطة عرفات. رد عبدالرحمن قائلا: إن بوش عندما دعا إلى قيادة جديدة لم يستخدم اسم عرفات في خطابه.
ويفضل عبدالرحمن عدم التركيز على الجوانب الغامضة فيما أبداه بوش إذ دعا بوش الفلسطينيين على حد قوله إلى إجراء انتخابات جديدة هذه الانتخابات قد تسفر عن قيادة فلسطينية جديدة، وانهم حميعا بما في ذلك عرفات متحمسون لإجراء هذه الانتخابات، وحتى الآن فإن عدداً من الخبراء يبدون قلقا بشأن ما أعلنه بوش من أن مهمة الإصلاح التي سيقوم بها الفلسطينيون سوف تكون شاقة.
«نيويورك تايمز » |