إذا دخل عليك في بيتك، غاصب أو محتال، واستعمل قوّته، في تحطيم أثاث بيتك: سرقة وتدميراً، فجئت إليه تهاديه، وتفاوضه على أخذ ما يريد، وترك الباقي والبيت سليماً، حتى تستقيم حالة الأسرة، من سطوة هذا المعتدي، ألم يترك هذا أثراً في نفوسهم لا يّمحي مع الدهر، مهما طال الزمن.
فإن رفض المعتدي إلا السيطرة والإفساد.. فهل يعتبر عمله هذا حقاً مشروعاً؟ وهل تعتبر موافقتك على مطالبه، ليأخذ ما شاء ويترك ملكك لك ولأسرتك حقاً له؟ أم هو تنازل لتتقي أهون الشرين؟
في الحالة الأولى: يعتبر هذا المعتدي ظالماً ومحارباً، ولا يُرْضي عمله إلا من هو على شاكلته.. ويبقى عمله جرحاً لا يندمل في قلوب أصحاب الحقّ.. ويزداد الألم في النّفوس، عندما لا يرضى هذا المعتدي، بما أخذ بالقوة، بل يتعدّى على صاحب البيت بقتله، أو أفراد أسرته، والتوسع في التّدمير والإفساد، في ممتلكات الآخرين.
إن اليهود الصّهاينة عندما وعدهم بلفور، بالاستيطان في فلسطين، أراد به إقرار أمر غير شرعيّ ليأخذ صبغة شرعيّة تريحهم من اليهود. وتّرتب على هذا هجرة اليهود من كل مكان، وطرد الفلسطينيّين من ديارهم، والاستيلاء علي ممتلكاتهم، تحقيقاً لما رسمه حكماء صهيون في بروتوكولاتهم، التي أحدثت ضجّة كبيرة في الغرب، عندما اكتشفت، فساعدهم في تحقيق ذلك في فلسطين: نكاية بالمسلمين، وعداوة للإسلام.. لأن الكُفر ملّة واحدة.وكأنَّ بلفور في وعده هذا، مقتفٍ أثر القائد الإنجليزي «الجنرال اللنبي» عندما ركل بقدمه قبر صلاح الدين الأيوبي متشفّياً وقال: ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين، إلى بلاد الشام.
جاء شارون في مراحل حياته عسكريّاً ثم ضابطاً، ثم قائداً، وأخيراً رئيساً لدولة عصابة الصهاينة في فلسطين، لينفّذ أسوأ أعمال الإرهاب، والإبادة مستعملاً قدرات الدولة العسكريّة، وتحت مظلّة الإعلام المضِّلل، المعتِّم عن الوقائع.. وهو إنما يمثّل مبادىء حزبه المتطرف، الذي من شعاره: أن لا سلام مع العرب، بل حرب دائمة وإبادة، وترحيل لمن بقي، حتى يتم الاستيلاء على كل شيء.. وعدم الإبقاء على شيء..
يمثّل عمله هذا ذلك المعتدي الغاصب الذي دخل بيتك، ولم يرض بالمصالحة على إعطائه ما يريد ثم الذهاب من حيث أتى، بل يريد الاستيلاء على البيت، وقتل صاحبه، حتى لا يأتيه مطالب - كما يظن - ثم الفساد والإفساد في الممتلكات، وهذا العمل: هو أسوأ أخلاق البشرية، التي تنفر منها شريعة الغاب.
بل إن كثيراً من أحبار اليهود، كما عبّر عن ذلك في قناة الجزيرة الحاخام ديفيد وايس الناطق الرّسمي باسم: ناطورس كارتا، الذي قال: بأن اليهود كتب الله عليهم أن يتيهوا في الأرض، وأنّ فلسطين لم تكن ملكاً لهم، ليعيشوا تحت سيطرة الأمم في كل مكان، وأنه لن يحلّ السلام في الشّرق الأوسط إلا بزوال وإزالة إسرائيل، وهذا شاهد عليهم منهم.
إن شارون وحزبه: بدأوا تنفيذ أعمالهم منذ عام 1948م وبالمجازر الرّهيبة في دير ياسين، التي ضجّ منها العالم، ثمّ في صبرا وشاتيلا في لبنان التي انبعث أثرها من جديد عندما أقيم تدعاوى في محكمة دولية في بلجيكا، لمحاكمة شارون، باعتباره المخطط والمنفذ للإبادة الجماعيّة، ضمن المسلسل الإجرامي.وها هو يكشّر عن أنيابه في مخيمّ جنين، وأعماله الوحشيّة، ومع نداء السّلام الذي قدّمه سمو ولي العهد الأمير عبدالله ووافق على المشروع قادة العرب بالإجماع، في مؤتمرهم ببيروت، ورحّب به زعماء العالم إلاَ العدو الغاصب شارون وبطانته، رغم موافقة بعض القياديّين والسّاسة اليهود في دولة العدوان وخارجها. وزعماء العالم ومنهم الرئيس الأمريكي بوش. إنّ كل بارقة أمل تلوح في الأفق يفسدها شارون وعصابته، بأعمالهم ومكرهم، وبغيهم وعدوانهم المتواصل.
إنهم المنفّذون لمقتل المصلّين في رمضان بالخليل، وهم المفتعلون لإحراق جانب من المسجد الأقصى، وهم دبّروا محاولة هدم مسجد الصخرة في القدس.. وغير هذا من الإجرام المتواصل.
وفي عدوانهم على مخيّم جنين، أمر شارون على المتطرفين من حزبه الإرهابيّ بهدم مسجد عمر بن الخطاب الذي أقيم في مكان صلاة عمر بن الخطّاب، عند باب كنيسة القيامة، بعدما طلب منه كبير القساوسة أن يصلّي في الكنيسة، فقال عمر: أخشى أن يغلبكم عليها المسلمون، ولكن أصلي هنا.. وصدقت فراسة عمر فقد أقيم مكانه مسجد، بقي قروناً متطاولة حتى أمر شارون بهدمه، ليقضي في نظره على شعائر الإسلام، وأماكن العبادة في الإسلام وتسامح الإسلام ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فقد جاء في صحيفة الفرقان الكويتيّة عن عدوان الصهاينة على المساجد ما يلي: مسجد الخضراء في مدينة نابلس تم تدميره من قبل جنود الاحتلال بالصّواريخ عن عمد وسبق إصرار، ويعدّ مسجداً تاريخيّاً جدّد عام 1975م، كما دمّرت بيوت الله في تعدٍّ واضح على المقدّسات الإسلامية.
وفي صحيفة العالم الإسلاميّ جاء هذا الخبر المحزن لكل مسلم، بل حتى النّصارى، المدعم بالحقائق: ظل مسلسل الاعتداءات الهمجيّة الإسرائيليّة ضد المقدّسات المسيحيّة والإسلاميّة، سلوكاً ثابتاً في جميع مراحل التّاريخ، فقد أكّد تقرير أصدرته وزارة الأوقاف الفلسطينيّة على أن الاعتداءات التي ظهرت بجلاء ووضوح أكثر، خلال الهجمة العسكريّة الحالية، لقوات الاحتلال الإسرائيليّّة ضد جميع المقدّسات في فلسطين لم تكن جديدة على سلوكيّات الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة، وفي هذا السياق يقول التقرير عن امتهان الصّهاينة لأماكن العبادة وحقدهم الموروث على الإسلام:
إن الإسرائيليّّين قاموا بتحويل مسجد البصة في عكاء إلى حظيرة خراف، ومسجد عين الزّيتون في صفد، إلى حظيرة للأبقار، كما حوّلوا المسجد الأحمر في صفد أيضاً، إلى ملتقى للفنانين، وفي صفد كذلك تم تحويل مسجد السّوق، إلى معرض تماثيل وصور، وفي حيفا حوّلوا مسجد قيساريّا إلى مطعم وخمّارة، ومسجد القبّة في هضبة الجولان تمّ تحويله إلى محزن للمطعم القريب، وتخزّن فيه الخمور ومعدّات المطعم، ومسجد السكسك في يافا حول إلى مصنع بلاستيك، ومقهى للعب القمار، ومسجد الطابية تحول إلى سكن خاص، وتمّ تحويل مسجد مجدل في عسقلان إلى متحف، وجزء منه تحول إلى خمارة، ومسجد المالحة في القدس اقتطع أحد اليهود جزء منه لبيته، ويستعمل سقف المسجد لإحياء السّهرات الليلية للجيران، كما قاموا بتحويل عدد من المساجد الأخرى إلى معابد يهوديّة، منها مسجد مقام يعقوب في صفد، ومقام ياقوت في طبريّة، محوّل إلى قبر يهوديّة باسم راحل ومسجد طيرة الكرمل في حيفا حوّل إلى كنيس يهودي، ومقام سمعان في قلقيلية حوّل إلى قبر يهودي، باسم شمعون، كما أشار التّقرير إلى وجود مساجد ومقامات أخرى، تعرّضت للهدم المقصود، أو صارت مهملة لوجود تخوّفات من استعمالها أو عدم السماح بذلك ومنها مسجد أم الفرج في عكّا، حيث هدم في الرّابع من ديسمبر عام 1997م، ومسجد وادي الحوارس في طولكرم هدم في فبراير عام 2000م وغيرها.
ويؤكّد التّقرير على أنّ هذه المساجد التي عطّلت لا تساوي 3% من مساجد فلسطين التي هدمها اليهود فترة الاحتلال، وتقدر بأكثر من 1200 مسجد.. وبعد هذه الجروح الغائرة يريد شارون سلاماً يصنعه بنفسه، ويمليه بحسب إرادته ويتمثّل في القضاء على الإسلام ومعابده، والاستيلاء على الديار وطرد أو قتل الشّعب الفلسطينيّ المناضل.. فهل يقرّ العالم مثل هذا السّلام؟ إن ما بني على باطل فهو باطل.
القوي يأكل الضعيف:
ذكر الجاحط في كتابه الحيوان: أن من العجيب بأنّ الأفعى لا ترد الماء ولا تريده، وهي مع هذا إذا وجدت الخمر شَرِبَتْ حتى تسكر، حتى ربما كان ذلك سبب حتفها، والأفاعي تكره ريح الشّيح، وتستريح إلى ريح الحرمل، والجراد يخرج يتلمس الطعم، فهو يحتال لطعمه، وهو يأكل ما دونه في القوة، كنحو صغار الدواب، والطير، وبيضها وفراخها، ومما لا يسكن في جحر، أو تكون أفاحيصه على وجه الأرض، فهو يحتال لذلك، ويحتال لمنع نفسه من الحيّات والسباع والطّير.
والحيّة ترفع الجرذ لتأكله، وتحتال أيضاً للامتناع من الورل والقنفذ، وهما عليه أقوى منه عليها، والورل إنما يحتال للحيّة، ويحتال للثّعلب، والثّعلب يحتال لما دونه.
وتخرج البعوضة لطلب الطّعم، والبعوض تعرف بطبعها أن الذّي يعيّشها الدّم، ومتى أبصرت الفيل والجاموس وما دونهما، علمت أنّها خلقت جلودها لها غذاء، فتسقط عليها، وتطعن بخرطومها، ثقة منها بنفوذ سلاحها، وبهجومها على الدّم، وتخرج الذبابة ولها ضروب من المطعم، والبعوض من أكبر صيدها، وأحبّ غذائها إليها ولولا الذّبّان، لكان ضرر البعوض نهاراً أكثر، وتخرج الوَزَغَة والعنكبوت، الذي يقال له اللّيث، فيصيدان الذُباب بألطف حيلة، وأجود تدبير، ثم تذهب تلك أيضاً، كشأن غيرها، كأنّه يقول: هذا مذهب في أكل الطيبات بعضها لبعض، وليس لجميعها بدّ من الطّعم، ولا بد للصّائد أن يصطاد.
وكل ضعيف فهو يأكل أضعف منه، وكل قويّ فلا بد أن يأكله من هو أقوى منه، والنّاس بعضهم على بعض، شبيه بذلك وإن قصّروا عن درك المقدار، فجعل اللّه عز وجل بعضها حياة لبعض وبعضها موتاً لبعض والظالمان: الأسود والأفعى، فإذا جاع الأسود ابتلع الأفعى.. «6: 399-401».
وبنو آدم يعدو القويّ على الضعيف، ولا يردعه عن ظلمه إلاّ أوامر شرع الله، وتطبيق الحدود التي فرضها اللّه، وللّه في خلقه شؤون.
|