يخيم شبح الجوع على العالم ويوجد أكثر من 800 مليون إنسان في العالم -بينهم 300 مليون طفل- يعانون من نخر ألم الجوع ومن الأمراض والإعاقات الناجمة عن سوء التغذية أي أن هناك شخصاً واحداً من بين كل سبعة اشخاص لا يتمتع بكمية كافية من الغذاء، وتشير بعض التقديرات الى نفوق اربعة وعشرين ألف نسمة كل يوم بسبب ذلك. وأغلب جياع العالم يعيشون في جنوب قارة آسيا وفي جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا.
تقاطر العديد من زعماء العالم مع وفود حكومات أكثر من 180 دولة بالإضافة للمنظمات غير الحكومية وهيئات المجتمع المدني الخاصة بالسيادة الغذائية للمشاركة في مؤتمر القمة العالمي للأغذية: خمس سنوات بعد الانعقاد الذي نظمته «منظمة الأغذية والزراعة -الفاو» وتهدف القمة الى بعث الإرادة السياسية وإطلاق روح المبادرة العالمية لحشد الطاقات في خندق مواجهة الجوع لتخفيض عدد الجياع في العالم الى نحو 400 مليون نسمة بحلول عام 2015م وهو التعهد الصادر سابقاً من القمة العالمية السابقة للأغذية في عام 1996م. وقد علق الدكتور جاك ضيوف «المدير العام لمنظمة الفاو» قائلاً: «بعد ست سنوات من عقد مؤتمر الغذاء السابق عام 1996م ما زال الموت يفترس النسبة الأكبر من الجياع على كوكبنا قارعا ناقوس الخطر والوعود التي قُطعت لم تُنفذ، والأسوأ ان الكلمات لم تلبس ثوب الأفعال، للأسف الإرادة السياسية والموارد الاقتصادية لم تُسعف التكافل الإنساني والجوع يؤثر سلباً على اقتصاديات البلدان التي ابتليت به إذ إنها تفقد نحو 1% سنويا من نموها الاقتصادي بسبب انخفاض الإنتاجية وبسبب الأمراض الناجمة عن سوء التغذية وقد تابع د. ضيوف انتقاده لحقيقة ان الدعم العام للقطاع الزراعي قد تضاءل حيث شهد عجزاً بنسبة 50% بين عامي 1990 و2000م والمتمثلة في المعونة بشروط ميسرة من الدول المتقدمة بالإضافة الى قروض المؤسسات المالية الدولية «اللاتي يُقمن صلب أكثر من 70% من فقراء العالم» والنتيجة الكارثية تتمثل في عدد الذين يعانون من نقص الأغذية الذي لم ينخفض إلا بمقدار 6 ملايين بدلا من 22 مليونا وهو العدد الذي كان مطلوبا حتى يتم الوفاء بالتعهد «تخفيض العدد الى 400 مليون نسمة بحلول عام 2015م» ولكن وحسب هذه الوتيرة سيتخلف العالم 45 عاما اضافية عن تحقيق الهدف. وساند تعليق ماري روبنسون «المديرة التنفيذية لمنظمة حقوق الإنسان» تعليق د. ضيوف بقولها: كان الهدف هو تحرير الإنسان من سوط الجوع ولكن عدم الالتزام الدولي والقطري جعل من الوصول للأمن الغذائي أمراً بعيد المنال فالطامة الكبرى هي في ان الاستراتيجيات القطرية القائمة على مفاهيم حقوق الإنسان والتي تؤكد حق الإنسان في الغذاء وتحقيق أمنه تبقى استثناء بدل ان تكون قانوناً ولابد من ان تعيد الدول النظر في سياساتها الداخلية لتحديد إطار متين يمحق الجوع.
وفي نَدب صريح لخطى السلحفاة على طريق محاربة الجوع في العالم قام الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان بحث الأمم في قمة الجوع - روما وعلى أعلى المستويات للعمل على تأمين القوت لجياع العالم ومواجهة النقص الغذائي وتفحص الطرق المثلى لتأمين الأساليب الناجعة لتطوير الزراعة، وقد علق عنان في كلمته الافتتاحية قائلاً: «مسيرة التقدم في مكافحة الجوع مازالت بطيئة جداً»، وتابع قائلاً: «لا فائدة من قطع وعود أخرى اليوم ويتعين على البلدان أن تزيد من مساعيها في مجابهة الجوع، وكما وصف عنان الجوع أيضاً بأنه «أسوأ انتهاك لكرامة الإنسان».
يملك العالم الوسائل الكافية من موارد ومعارف واللازمة للقضاء على الجوع والفقر وان انعدام الأمن الغذائي ناجم عن الافتقار الى القدرة والآلية المتكافئة على الوصول الى الأغذية ووسائل الإنتاج. لذلك فمسؤولية الدول المتقدمة كبيرة، وقد أكد الرئيس الإيطالي كارلو تشامبي في كلمته أمام المؤتمر على ضرورة استئصال الجوع وضرورة تدفق الأموال باتجاه الجنوب وشطب الديون بشكل استثنائي عن الدول الفقيرة التي ترزح تحت وطأتها لتجنب كوارث طبيعية ومآسٍ حقيقية. أفاد الإعلان الختامي لمؤتمر القمة بتجديد الالتزامات الدولية على خفض عدد الجياع في العالم الى 400 مليون نسمة بحلول عام 2015م وضرورة تقوية أواصر التحالف الدولي ضد الجوع وقد حث الإعلان الختامي ايضا البلدان المتقدمة التي لم تبذل جهوداً فعلية باتجاه تخصيص 7 ،0% من مجموع ناتجها القومي كمعونة تنموية للبلدان النامية.
لا يتعلق الأمن الغذائي بالمال فقط ومحاربة الجوع ليست ضرورة أخلاقية وحسب بل هي ذات فوائد اقتصادية كبرى فاستناداً الى البرنامج العالمي لمحاربة الجوع من المتوقع ان يتمخض خفض عدد الجياع الى النصف بفوائد تقدر قيمتها على الأقل بنحو 120 بليون دولار سنوياً نتيجة إطالة متوسط الأعمار وتحسين الوضع الصحي. ويمكن إحراز النصر في الحرب على الجوع على مستوى المزارع فتلك الطريقة المثلى للأمن الغذائي المستدام والتي برهنت عليه جهود المنظمة «الفاو» و69 بلدا من بلدانها الأعضاء فقد كانت البداية المتواضعة لأنشطة البرنامج الخاص للأمن الغذائي «والذي يرتكز على مبدأ الاستخدام المحسن للموارد على مستوى المزارع والنهوض بكفاءة استخدام المياه وتعزيز كفاءة الإنتاج المحصولي» في 15 بلدا وبمبلغ 5 ،3 ملايين دولار فقط عام 1995م على ان المؤتمر العالمي للأغذية عام 1996م زاد من وتيرة انشطته وقد تمكن البرنامج من جمع ما يزيد عن 425 مليون دولار لاحقا وفقا لتقديرات منظمة الفاو فإن برنامج مكافحة الجوع الذي اطلقته مؤخراً يحتاج الى 24 بليون دولار سنويا على شكل استثمارات عامة في التنمية الزراعية والريفية في البلدان الفقيرة لبلوغ الهدف بخفض عدد الفقراء الى النصف ويعلق البروفيسور جيفري ساكس «مستشار الأمين العام للأمم المتحدة المعني بالأهداف الإنمائية للألفية» قائلاً: «علينا نحن البلاد الغنية ان نضع 5 سنتات من كل 100 دولار وبمقدور هذا الاستثمار ان ينقذ الملايين من الموت جوعاً».
يدعو برنامج مكافحة الجوع في المنظمة الى اعتماد نهج ذي شعبتين في مكافحة الجوع يجمع بين التنمية الزراعية والريفية في إطار برامج موجهة نحو تيسير حصول الشرائح السكانية الأكثر فقرا على الغذاء وتؤكد المنظمة على ان البلدان التي اتبعت هذا النهج بدأت بجني الثمار وسيسفر ذلك عن ارتفاع ملحوظ في حجم ميزانيات البلدان النامية المخصصة للتنمية الزراعية والريفية بنسبة 20%.
يقول المثل الصيني القديم «ان النساء يسندن نصف السماء» وفي المعركة ضد الجوع والفقر فإن النساء ولا سيما الريفيات منهن يسندن بكل تأكيد النصف الأثقل. هذا ما قاله ديفيد تشاريك «نائب المدير العام لمنظمة الفاو» وتشكل النساء الريفيات الأغلبية في صفوف السكان الذين يعيشون في فقر مدقع في العالم والبالغ عددهم 5 ،1 بليون نسمة وتشكل ايضا النساء الريفيات نحو خُمس الأسر الريفية بل ثلثها في بعض الأقاليم. لذلك لا بد من التركيز على دور المرأة الريفية وإنصافها حقها لتكون فاعلة في المعركة ضد الجوع والفقر، فهي من تطعم العالم لذلك يجب ان تشارك في عجلة صناعة القرارات.
إن حق الإنسان في الحياة بما فيها من ماء وهواء وغذاء يجعل من استئصال الجوع واجبا أخلاقياً يكتنفه الضمير العالمي ويتطلب منه العمل على توفير المناخ المثالي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي للخروج من هذا الوضع الحرج، وسوق الجياع العالمي يحوي رجاء واستجداء أكثر من 800 مليون جائع ينتظرون كسرة خبزهم على موائد أوطانهم وموائد الدول الغنية ومحاربة الجوع أمر قابل للتحقيق في عالم ينعم بالوفرة. ومحاربة الجوع مسؤولية تقع على عاتق ساسة العالم وإذا كان مؤتمر روما هو محاولة بعث جديدة للإرادة السياسية وإطلاق روح المبادرة العالمية فإن نهج استراتيجية القضاء على الجوع لا بد أن يكون في أعلى سلم الأولويات ولابد أن يستند الى حقوق الإنسان والسيادة الغذائية وحق الناس والبلدان في تقرير ما يخصهم من سياسات زراعية وغذائية وتطويرها بما يكفل تغيير السجل البائس للكفاح ضد الجوع والقضاء على غول الجوع ومارد الفقر.
جانبي فروقة |