* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي البلهاسي:
فيما يعد اعترافاً صريحاً بفشل عملية الجدار الواقي التي اجتاحت فيها القوات الإسرائيلية مدن الضفة الغربية بهدف كسر ارادة الشعب الفلسطيني وانهاء المقاومة وإيقاف العمليات الفدائية بدأت الحكومة الإسرائيلية في تشييد ما يسمى بالجدار الفاصل على طول الخط الأخضر الذي يفصل بين إسرائيل والضفة الغربية والذي تعتبره إسرائيل رداً دفاعياً لمنع أهالي الضفة الغربية الفلسطينيين من التسلل إلى داخل إسرائيل والقيام بعمليات تفجيرية.
ووفقاً للتصريحات الإسرائيلية يفترض أن تستمر أعمال تشييد المرحلة الأولى من الجدار الفاصل والتي تمتد بطول 120 كيلومتراً من قرية كفر سالم إلى قرية كفر قاسم حوالي ستة أشهر وتقام على ثلث الخط الأخضر الذي يبلغ طوله 300 كم وتبلغ تكلفة انشاء كل كيلو متر من الجدار مليون دولار، وسيزود الجدار الذي سيسير بطريقة متعرجة وثعبانية بأدوات للمراقبة الالكترونية ونظام انذار الكتروني وسيتم تعزيزه بالعديد من العوائق لمنع مرور السيارات، كما ستقوم وزارة الدفاع الإسرائيلية في تنفيذ خطة لاقامة أسوار وأبراج للمراقبة وأسيجة مكهربة وخنادق وسواتر ترابية لمنع المتسللين.
خطورة الجدار
بدء إسرائيل في تشييد هذا الجدار يعد مخالفاً للشرعية الدولية ومبالغة في الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية في الوقت الذي يدور فيه الحديث عن إحياء عملية السلام، وخطورة الجدار كما يرى المحللون السياسيون أنه ستكون له نتائج سياسية حتى وإن كان الغرض منه أمنياً، فهي المرة الأولى من عام 1967م التي تقيم فيها إسرائيل حدوداً بينها بين المناطق التي احتلتها، ووفق تصريحات المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية «عموس يعرون» فإن الجدار لن يتطابق مع ما يسمى بالخط الأخضر أو خط الحدود قبل 1967 لكنه سيكون جزءاً من مساحة يتراوح عرضها بين 5 و15 كيلومتراً بعد خط الحدود، وهو ما رفضته السلطة الفلسطينية مؤكدة أن مسألة اقامة الجدار الأمني الفاصل في غاية الخطورة وتعد محاولة إسرائيلية لاستقطاع مناطق واسعة من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وضمها إلى إسرائيل.
وقد كشف تقرير أعده مدير مركز الخرائط في بيت الشرق خليل تفكجي أن عدد القرى الفلسطينية التي تم اصدار أوامر عسكرية تقضي بضمها كلياً أو جزئياً في اطار عملية بناء الجدار الفاصل بلغ 23 قرية يبلغ مجموع عدد سكانها 26 ألف نسمة، وهذه القرى الـ«23» تشملها مرحلة بناء الجدار من قرية فرعون حتى جيوس، ولم تبلغ الجهات الإسرائيلية بعد عن المناطق الفلسطينية التي يستهدفها المخطط في مرحلته الأولى من قرية كفر سالم حتى قرية كفر قاسم داخل الخط الأخضر.
كما يهدف الجدار إلى تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى كانتونات وهو ما يعيد إلى الأذهان سياسة التمييز العنصري الذي طويت صفحاتها في جنوب أفريقيا وتمارسها إسرائيل بشكل أبشع وأسوأ وتحاول تثبيتها بتشييدها للجدار الذي وصفه الرئيس عرفات بأنه يعبر عن سياسة عنصرية إسرائيلية ويشكل اعتداء صارخاً على حقوق الشعب الفلسطيني، وتحاول إسرائيل بجدارها الفاصل احاطة محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة بمناطق عازلة مع تكثيف انشطتها الاستعمارية والاستيطانية، ومن المتوقع أن يشكل هذا الجدار مأساة حقيقية لأكثر من أربعين ألف فلسطيني لن يكون بإمكانهم بعد انتهاء مراحله أن يحددوا بحرية إلى أي جانب يتبعون، حيث يتوقع أن حوالي 11 قرية وتجمعاً فلسطينياً ستكون داخل الجدار الأمني وسكان هذه القرى لا يعرفون إلى أي جانب سيتبعون إذا تم تشييد الجدار.
هل يحقق الأمن؟
وفي الوقت الذي بدأت فيه أعمال البناء في الجدار الفاصل بالفعل ما زالت هناك خلافات في الرأي حول فاعليته في منع تسلل مدبري العمليات الاستشهادية الفلسطينية فهناك من يعتقدون في قدرة الجدار على تخفيف هذه العمليات على الأقل ويمثل هذا الاتجاه قطاعاً كبيراً من مواطني إسرائيل وعدداً من السياسيين في حزبي الليكود والعمل وهؤلاء يرون في الجدار الحل الوحيد لمنع وقوع العمليات الفدائية بعد فشل عملية الجدار الواقي ولتحقيق الأمن لسكان وسط إسرائيل بعيداً عن مناقشات سياسية يرونها عقيمة على حد وصفهم.
بينما يرى آخرون أن تشييد الجدار مضيعة للوقت والمال وأنه في غياب حل سياسي لن يعجز الفلسطينيون عن ايجاد طريقة لاختراق الجدار وتنفيذ عمليات مسلحة، وهو ما دفع مجلس التجمعات السكنية الإسرائيلية إلى التأكيد في محل اعتراضه على بناء الجدار على أنه يأتي بالأمن الذي تريده إسرائيل حتى لو تم بناؤه من الحديد، وقد تعرض الجدار نفسه لأول هجوم فلسطيني بالفعل حيث قام فلسطينيون بتفجير قنبلة واطلاق النار على عناصر الشرطة الإسرائيلية الذين يقومون بحماية أعمال بناء الجدار.
ومن جانبها أكدت السلطة الفلسطينية أن السياسية الإسرائيلية للعزل لن يكون لها أي قيمة ومن شأنها أن تؤدي إلى مزيد من التوتر في المنطقة، وأشار أحد قياديي حركة حماس أن كل ما تقوم به إسرائيل لا يمكن أن يحول بين المقاومة وبين مواصلة أدائها الفاعل والايجابي وأن هذه الاجراءات لا يمكن أن توفر للاحتلال الإسرائيلي الأمن أو السيطرة على أرض فلسطين.
وقد عادت العمليات الاستشهادية الأخيرة لتؤكد من جديد وبقوة فشل سياسة شارون في تحقيق الأمن للإسرائيليين وهو ما جعل الحكومة الإسرائيلية تقرر تغيير سياستها في الرد على العمليات الاستشهادية التي تقع من الآن فصاعداً بحيث تعيد احتلال المناطق الفلسطينية لفترات زمنية متواصلة وتبقى فيها لحين الانتهاء من اقامة الجدار.
وتؤكد معظم الدوائر السياسية أن الأمن الذي ينشده الإسرائيليون لن يتحقق إلا بالسلام والعودة إلى المفاوضات وفق المرجعيات الدولية واعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة وعلى رأسها حقهم في اقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس وليس باقامة الجدار الفاصل أو غير ذلك، فالعمليات الاستشهادية رغم كل ما تواجهه من انتقادات أصبحت السلاح الوحيد في يد الفلسطينيين في ظل شعورهم باليأس والاحباط في ظل جهود غير جادة لتحقيق السلام وحلول ناقصة ومشوهة.
|