قبل ان يحدد الرئيس الأمريكي جورج بوش الخطوط العامة لرؤيته للسلام في الشرق الأوسط حاول قناصة كل من الفلسطينيين والإسرائيليين تسديد الطلقات إلى تلك الرؤية، انتقادات الفلسطينيين تعبر عن الخوف من ان الدولة الفلسطينية المؤقتة بدون حدود محددة سوف تكون استمراراً للاحتلال الإسرائيلي ولكن باسم مختلف في حين يخشى الإسرائيليون من ان أي دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة بدون تفاهم حقيقي حول انهاء العنف سوف تقود ببساطة إلى مزيد من العنف. من حق الجانبين القلق لكن الوضع القائم حاليا أكثر إثارة للقلق. ففكرة إعلان الدولة الفلسطينية قبل تسوية تفاصيل الحل النهائي مثل الحدود واللاجئين والسيطرة على الأماكن المقدسة هي جزء من الفكرة التي تم تداولها طوال الفترةالسابقة من عدة مصادر مثل الرئيس المصري حسني مبارك ودان مريدور الوزير المعتل في حزب الليلكود الإسرائيلي الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون.
الدولة الفلسطينية وفقا لرؤية آرييل شارون عبارة عن جيوب معزولة تخضع للسيطرةالفلسطينية وسط شبكة من المستوطنات والطرق الاستيطانية الإسرائيلية في الضفةالغربية. يطلق عنها الفلسطينيون اسم «البانتوستانت»، وهي كلمة إفريقية تدل على تجمعات الزنوج في جنوب إفريقيا تحت نظام حكم الأقلية البيضاء التي كانت تطبق نظام الفصل العنصري. ومناورة شارون الأخيرة هي لإعادة السيطرة على الأراضي الفلسطينية عقب كل عملية فدائية فلسطينية في محاولة من جانبه لإعاقة تحقيق الدولة الفلسطينية. يعمل كل من آرييل شارون والجماعات الفلسطينية المتشددة على مدى أكثر من عام لتدمير السلطة الفلسطينية واتفاقيات اوسلو للسلام. فحتى عندما تشن الجماعات الفلسطينية المعارضة لعرفات هجماتها على إسرائيل يلقي شارون المسؤولية على عرفات ويهاجم السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية ويقلص قدرتها على مواجهةالعنف. ويمكن تشبيه موقف شارون وكأن الرئيس الأمريكي أعلن عن تزايد معدلات الجريمة في شيكاغو ثم يقوم بتفجير مركز الشرطة كل يوم حتى يتحسن الموقف الأمني في المدينة. لذلك فنحن أمام موقف مثير للسخرية حيث يقوم الفلسطينيون ببناء بنيتهم الأساسية وتواصل إسرائيل تدميرها. اذن فما تقوم به القوات الإسرائيلية من تدمير لوزارات السلطة الفلسطينية وشبكات الكمبيوتر ومحطات التلفزيون والمدارس هو تعبيرعن الهدف الحقيقي لحكومة شارون وهو تدمير مقومات الأمة الفلسطينية. ومن المثير للسخرية فقد تحول اعتداء شارون ضد عرفات إلى تحويل عرفات إلى بطل بين أفراد شعبه.
والآن، عرفات ليس في يديه شيء يمكنه به وقف العمليات الفدائية حتى إذا أراد ذلك. وللاسف فقد تحولت العمليات «الاستشهادية» إلى وسيلة مقبولة ومشرفة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بين عدد متزايد من الشعب الفلسطيني سواء المتدينين منه أو العلمانيين. وكما يقول وزير الخارجية الأمريكي كولن باول باستمرار انه لم يعد مقبولا الآن الدعوة إلى وقف العنف. يجب ان يكون هناك تحرك سياسي بمعنى ان تكون هناك الجزرة إلى جانب العصا حتى يمكن كسر دائرة العنف المفرغة.المشكلة أن الرئيس جورج بوش غالبا ما يفقد قدرته على المناورة أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأكثر خبرة آرييل شارون. وعندما وقف الرجلان وجها لوجه في الربيع الماضي عندما طلب بوش وقف الهجوم الإسرائيلي ضد الضفة الغربية فقد تراجع بوش ومنح شارون كل الأضواء الخضراء التي يريدها ليفعل بالفلسطينيين كل ما يريده. ربما يدمر الإسرائيليون السلطة الفلسطينية ولكنهم لن يحققوا السلام بالتأكيد. لذلك استمع إلى هذه الأقوال. «جهزوا أكفانكم واحفروا قبوركم لان القتلى سيكونون بالمئات»، هكذا تقول حركة حماس للإسرائيليين. «مقابل كل يهودي يقتل في هجوم للفلسطينيين يجب ان نؤكد اننا سنقتل ألف فلسطيني»، هكذا يقول عضو الكنيست الإسرائيلي المنتخب ميخائيل كلينير. هذه هي الحلقة التي لا يمكن كسرها بسهولة.ولكي تحقق الدولة الفلسطينية المؤقتة الهدف منها وهو ابعاد الفلسطينيين عن العنف يجب ان يحصل الفلسطينيون على اراض متصلة ويجب تصفية أغلب المستوطنات الإسرائيلية وتحسين أحوال الفلسطينيين المعيشية اقتصاديا وواقعيا ووضع جدول زمني واضح للوصول للدولة الفلسطينية الدائمة. ويجب ان يسمح للفلسطينيين اختيار قادتهم بدون أي شروط مسبقة سواء من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية.قد لا يكون عرفات اختيار الأمريكيين لكنه منتخب من جانب الفلسطينيين ويجب أن نتذكر أن أمريكا وإسرائيل كانتا تشجعانه على الديكتاتورية عندما كان يعتقل الفدائيين. ولكن اذا تخلت إسرائيل عن حلم شارون بتوسيع المستوطنات ومواصلة الاحتلال تحت مسمى مختلف فيجب وضع احتياجات الإسرائيليين في الاعتبار أيضا الموقف الذي يواجهه الإسرائيليون حاليا لا يطاق.
بوسطن جالوب. |