لا جدال في أن العالم الغربي قد سبقنا في الإعلام الحديث فالنظر في أساليبهم الإعلامية والاستفادة من صالحها شيء ليس لنا منه بد إذا نحن أردنا لإعلامنا مواكبة مستجدات العصر. وإذا نحن أردنا أيضاً صد هجمات الإعلام المعادي الذي ما فتئ يعمل على أن يفسد علينا أمرنا في كل ما حاولناه من كسب إعلامي عالمي ويبذل في محاربتنا بسخاء وعنف أيضاً دون أن نحسن الأسلوب في صده.
وإذا كان علينا أن نحسن أساليب الإعلام الحديث وأن نأخذ صالح ما عند الآخرين، فإن علينا أيضاً أن نحذر منه كل الحذر أولاً لما فيه من فساد.
ثانياً: لكونه مشبعاً بكل ما هو ضد أهدافنا ومبادئنا ومثلنا ثم إن علينا أيضاً أن ننظر في أساليب أسلافنا الإعلامية فنستفيد منها بالقبس والتطوير.
وبلادنا العربية والإسلامية تمارس في عصرنا هذا عملية إعلامية نشطة، هي في المملكة العربية السعودية أكثر بروزاً، حيث تقوم الدراسات في الجامعات ومراكز التعليم وحيث كثرت المؤلفات وكثر المتخصصون في هذا المجال لكن هل فقهنا السبيل الأمثل في الإعلام؟
وهل أعطينا التوجه الإعلامي السديد ما يستحقه من عناية. بل هل عرفنا حقاً ما نريد أن نُعلِم عنه؟
ذلك ما قد يكون له حديث آخر. فنحن الآن بصدد الحديث عن كتاب اتخذ من إعلام الأقليات العرقية في أمريكا موضوعاً لمباحثه. وإن كان فيما يبدو قد صرف همه إلى الأقليات العرقية في أمريكا أكثر، فما الذي سوف يأتينا به هذا الكتاب (الإعلام العربي الامريكي دراسة في إعلام الأقليات العرقية في الولايات المتحدة).
هل تفاعلت تلك الأقليات مع الإعلام الأمريكي نفسه وإذا كانت قد تفاعلت معه وتأثرت به، فهل أثرت فيه؟ ذلك ما سوف تكشف لنا عنه قراءة هذا الكتاب الذي ألّفه الدكتور فهد بن عبدالله الطياش الذي ذكرني اسمه مالم أنسه وهو صديق من أعز أصدقاء الصبا والشباب وهو أبو خالد عبدالعزيز بن موسى بن طياش - رحمه الله -. ذلك الشهم النبيل الذي لم أخالل في باكورة شبابي شابا أنبل منه. ولي حديث عنه - إن شاء الله -.
أما هذا الكتاب فقد نشره مؤلفه سنة 1414هـ في 233 صفحة من القطع المتوسط. ويبدو من مقدمته أنه ألفه حديثا بدليل اشارته فيما سماه تمهيداً إلى اختلاف آراء الأقليات العربية في أمريكا حول غزو العراق دولة الكويت. وأحسب هذا الخلاف لم يكن بين الجاليات العربية. كانت تأمل في حياة أفضل غير أنها لقيت هناك ما يخالف آراء بعض الزعماء الأمريكيين مثل (ابرهام لينكو) ولم يشمل هذا التمهيد على وصف لخطة الكتاب ومنهجه فلعله بهذه التسمية أراد السلامة من مثل هذا المأخذ. أو ربما كان يرى أن مثل هذا الوصف لا جدوى منه.
ويتكون هذا الكتاب من بابين في كل واحد منهما خمسة فصول. ففي الباب الأول «دراسة الأقليات العرقية». تحدث عن (مقدمة ومراجعة الأدبيات، وتأثيرات وسائل الإعلام والعرب الأمريكيين. والجماعات العربية الأمريكية والعرب في الإعلام الأمريكي»
وفي هذه الأحاديث ابان. أولاً عن موقف الأمريكيين من الأقليات المهاجرة. وموقف الأقليات نفسها من الحياة الأمريكية وكيف أن بعضاً من تلك الأقليات خضعت لأساليب المزج فانصهروا في المجتمع الأمريكي وذابوا فيه في حين أن تلك الأقليات من حاول المحافظة على ذاته الثقافية والاجتماعية مع شيء من التقبل والتفاعل مع الحياة الأمريكية حسب الضرورات الحياتية على الرغم من مبالغة الأمريكيين في عملية الصهر.
وفي حديثه عن تأثيرات وسائل الإعلام اعتمد كثيراً على النماذج وهي طريقة حسنة لكونها نتيجة دراسة ميدانية في الغالب سواء كانت ميدانيتها المجتمع نفسه أم محصلات دراسات سابقة.
وفي حديثه عن العرب والعرب الأمريكيين وهو الفصل الثالث تحدث عن مصطلح (عرب) وأورد أقوالاً منها أنهم الرحّل كما أورد عن الموسوعة البريطانية (بأن كلمة العرب تعني أيضاً مجموعة الخيام التي يسكنها جزء من قبيلة أو قبيلة بأكملها). ولم يناقش مثل هذه الأخطاء في تعريف العرب مناقشة تصحيحية.
وفي هذا الفصل أيضاً تحدث عن موجات الهجرة التاسع عشر الميلادي والثاني بعد الحرب العالمية في القرن الرابع عشر للهجرة ومطلع العشرين للميلاد.
ويلحظ أنه يستخدم التاريخ الميلادي وكان عليه أن يستعمل الهجري ويتبعه الميلادي إذا شاء.
وفي الفصل الرابع أشار إلى نشاط انتماء العرب إلى مواطنهم الأولى وإلى عنصرهم. وذلك بعدما انتهت العوامل التي كانت السبب في دفعهم إلى الاغتراب كثيراً من الأمور لكون أسلافهم من المغتربين يهدونهم -من المعلومات- بما يستطيعون به الحركة في يسر.
أما الفصل الخامس من الباب الأول فقد تحدث فيه عن صورة العرب في الإعلام الأمريكي فأبان أن الأمريكان لم يعرفوا عن حياة العرب إلا ما أراده لهم الإعلام المضلل الذي لا يبرز من حياة العرب إلا الصورة السيئة. فهم عندهم مصدرون للبترول وارهابيون ولا شيء بعد هذا.
وهذا الفصل هو أكثر فصول هذا الباب قربا من عنوان الكتاب وإن كان المؤلف في الفصول الأخرى يحاول ربط الحديث عن تاريخ الأقلية العربية بالإعلام لا ليربط الموضوع بالعنوان وإنما لأن الحديث يقتضي ذلك.
ويبدو ان المؤلف وضع كلمة (باب) للتحلية يدل على ذلك أمران:
الأول: ان فصول البابين مرتبة إلى 10.
والثاني: ان عنوان الفصل الأول من الباب الثاني هو عنوان الباب (الإعلام العِرقي في الولايات المتحدة). وإن لم يكن أراد ذلك - وهو خطأ- فهو وقع في الخطأ من طريق آخر هو كون عنوان الباب عنوانا للفصل الأول منه. وفي هذا الفصل تحدث عن نشاط الإعلام العِرقي لسببين أولهما حرص كثيرين من المغتربين على المحافظة على الانتماء. والثاني موقف وسائل الإعلام الأمريكي من المغتربين.
وفي الحديث عن الإعلام العربي الأمريكي وهو (الفصل السابع) اهتم بالحديث عن واقع الصحف التي بلغ عددها في منتصف القرن الرابع عشر للهجرة في عام 1929م (102) صحيفة حسب ما ذكر.
وعلى هذا النحو من معالجة قضايا المغتربين وواقعهم الإعلامي ومبلغ ارتباطهم بالمجتمع الأمريكي وإعلامه وتأثرهم وتأثيرهم. اتصل حديث المؤلف فيما بقي من مباحث الكتاب التي من أهمها النتائج التي حصل عليها وأبرزها هذا البحث الجيد الذي تحس فيه أثر الوعي العلمي في التأليف وأساليبه وأساليب الحصول على المعلومات وتفسيرها. وإن كان المؤلف -أثابه الله- لم يكن كثير الحرص على الرفض الصريح لما يدلس به الإعلام الأمريكي. وهذا لا يعني أنه راض عنه بل إنه يرفض تلك المواقف ولكننا كنا نريد أن يزيد الموضوع بسطا وإيضاحا. وبخاصة أن هذا الكتاب من الكتب المتميزة فعلا بتقديمها لك دراسات علمية قليلة الفضول.
وما أشرنا إليه من مآخذ ماهي إلامن باب طلب الكمال.
ونعود إلى ما نقله في الفصل الثالث عن الموسوعة البريطانية في تعريف العرب فنقول ان المؤلف في هذا قد أساء إلى كتابه بهذا النقل، ولو أنه رده بذكر واقع التسمية عند علماء اللغة العرب لأحسن.
|