الإعلام الصهيوني، وأموال اليهود، عندما وجدت متنفَّساً، أبرزت أعناقها من وراء الأحداث، ليجعلوا الإسلام كقميص عثمان، فوجدت نقودهم، ووسائل إعلامهم، طريقاً للتحكم في الأقلام المأجورة، ووسيلة ميسَّرة للسيطرة على الأفكار والألسنة، لتقول ما يُمْلَى عليها، ولتُرْضي قلوب من يدفعون لهم.. وما أكثر الضمائر الميّتة، وما أسهل الولوج إلى جيوب الماديين.
وميدان هؤلاء الصحافة، التي يصولون فيها ويجولون، فيهرفون بما لا يعرفون، وينثرون غثاء قد لا يدركون أبعادها، أو هي أحلام يريدون الإثارة بسببها..
فكان من نفث سمومهم على الدين الإسلامي، وتناولهم لأعظم المقدسات، وهي الكعبة المشرفة، بيت الله في الأرض، أن نشرت إحدى الصحف الأمريكية أكثر من صورة للكعبة المشرفة، وطائرات تخترقها لتدمرها، كما حصل في مركز التجارة الأمريكي.
وكانت آخر يقترح غارات على مكة المكرمة، حتى تمحى من الوجود، بما فيها أولاً المقدسات الإسلامية التي يرتادها المسلمون حجاً وعمرة، لتبقى أثراً بعد عين.. وثالث يشير برأي - قاتله الله ما أسفه رأيه - قدّمه في صورة إعلان هذه صيغته: دعونا ننشر هذا الإعلان - تدمير مكة المكرمة - ويصوّر ذلك بقنبلة ذرية «نووية» انتقاماً من الإسلام والمسلمين على هجوم 11 سبتمبر على مركز التجارة في أمريكا، وآخر يريد أن ينتقم من مقدسات المسلمين لتمثال «بوذا»، الذي دمّر في أفغانستان.
إن الإنسان إذا نسي ربه، اعتدَّ بما تحت يده، ولا يتبصر بعبر التاريخ، وما أهلك الله من أمم عمروا الأرض، أكثر مما عمرها هؤلاء، وملكوا من القوة والقدرات فوق ما تحت أيدي هؤلاء، وأرادوا التطاول على الله وعلى المقدسات التي أمر الله أن تقدّس، ويعبد الله وحده فيها.. فأهلكهم الله، وصاروا أثراً بعد عين، وعبرة في التاريخ، وهؤلاء لن يكونوا بأعز على الله من أولئك، لأن الله أشد منهم قوة، وبطشه بالظالمين عظيم.والقرآن الكريم يقص علينا أخبار الأمم السابقة الذين أهلكهم الله بأنواع شتى من عقابه الذي لا يردُّ عن القوم الظالمين، فكانوا سيراً تاريخية تتلى، وعبرة لمن يريد أن يعتبر.ونقول لأمثال هؤلاء الكتاب، ومن وراءهم ممن يريد بالمقدسات الإسلامية شراً، إنها في حمى الله وهو سبحانه غيور على محارمه، وقد حاول قبلكم من يحمل أفكاراً سيئة كأفكاركم، وسعوا في تحقيق أعمال ضد المقدسات الإسلامية، فحفظها الله بحفظه، وردّ الله كيدهم في نحورهم، وأهلكهم وبقيت المقدسات لا تزداد مع الأيام، ومرور السنين إلا عزاً وتمكيناً، يرتادها عباد الله المخلصين يدعونه ويتضرعون إليه ركعاً وسجداً.
فالقرامطة لمّا حاولوا هدم الكعبة، ونقلوا الحجر الأسود لديارهم، وقتلوا الحجاج في المسجد الحرام والمشاعر، وعطلوا الحج سنوات بفسقهم وفجورهم، سلط الله من يسومهم سوء العذاب.. وبقي عز الإسلام ظاهراً مظفراً.
وأبرهة لما جاء من الحبشة ليهدم الكعبة، أخذ في طريقه إبلاً لعبدالمطلب - جدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم - ولما جاء يطلبها منه، تعجّب من طلبه الإبل، وتركه حماية الكعبة.. وقال مستهزئاً ومستخفاً اعطوه إبله، وسلوه لماذا لم يدافع عن الكعبة التي نريد هدمها؟ فقال عبدالمطلب: أنا ربّ الإبل، وللبيت ربّ يحميه.فماذا كان، هذا ما حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ملخصاً، وما جاء في كتب التفسير عند مرور المفسرين بسورة الفيل:-يقول الشيخ الشنقيطي في تفسيره: قالوا إن أصحاب هذا الجيش نصارى، وهم أهل دين وكتاب، وأهل مكة وثنيون لا دين لهم، والكعبة ممتلئة بالأصنام، فكيف أهلك الله النصارى أهل الدين، ولم يسلطهم على الوثنيين؟؟
وأجيب عن ذلك بعدة أجوبة: منها أن الجيش ظالم باغٍ، والبغي مرتعه وخيم، ولو كان المظلوم أقل من الظالم، ويشهد لذلك الحديث في نصرة المظلوم، واستجابة دعوته ولو كان كافراً.
ومنها: أن الوثنية اعتداء على حق الله في العبادة، وغزو هذا الجيش، اعتداء على حقوق العباد، ومنها أنه إرهاص لمولد النبي صلى الله عليه وسلم إذْ ولد في هذا العام نفسه، وكلها: وإن كانت لها وجه من النظر، إلا أنه يبدو لي وجه، وهو أن الأصل في نشأة البيت وإقامته، إنما هو الله سبحانه، رفع قواعده، وأقام الصلاة في رحابه، وكان طاهراً مطهراً للعاكفين فيه، والركّع السجود، وإنما الوثنية طارئة عليه، وإلى أمد قصير مداه، ودنا منتهاه للدين الجديد، الذي سيأتي به محمد صلى الله عليه سلم من عند الله.والمسيحية بنفسها تعلم ذلك، وتنص عليه وتبشِّر به، فكانت معتدية على الحقّين معاً، حقّ الله في بيته، والذي تعلم حرمته وماله، وحقّ العباد الذين حوله.
وكانت لو سلّطت عليه بمثابة المنتصر على مبدأ صحيح، مع فسادها مبدأ صحة وسلامة بناء البيت، ووضعه سبحانه البيت الذي من خصائصه، أن يكون مثابة للناس وأمنا.فكيف لا يأمن هو نفسه من غزو الغزاة، وطغيان الطغاة، فصانه الله تعالى صيانة لمبدأ وجوده، وحفاظاً على أصل وضعه في الأرض، ويكفي نسبته لله سبحانه: (بيت الله)، وقد أدرك أبو طالب هذا المعنى بعينه إذ قال لأبرهة: أنا ربّ الإبل، وللبيت ربّ يحميه، وأتى باب الكعبة فتعلق بها وقال:
لا همّ إن العبد يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم أبداً محالك إن يدخلوا البلد الحرا م فأمر مّا بدالك |
*، ولما حاول رتشارد قلب الأسد، أن يغزو مكة، وهو من أكابر قواد الصليبيين في ديار الشام، وأن يتسلط على بيت الله، دحره الله بشر هزيمة، وقيض الله له صلاح الدين الأيوبي فقتله بيده حمية لدين الله، وبيته الحرام الذي أراده بسوء.
هزيمة أبرهة
ذكر ابن كثير في تاريخه من قصة هلاك أبرهة قائلاً: ثم إن أبرهة بنى القليس، كنيسة بصنعاء، لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض، وكتب إلى النجاشي إني قد بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها لملك قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج البيت، وأهدم الكعبة.
ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت، ثم سار وخرج معه الفيل محمود ومجموعة من الفيلة، وكلما مرّ بطائفة من العرب انهزموا أمام جيشه، حتى وصل قرب مكة، فجاءه وفد من تهامة، وقالوا نعطيك نصف أملاكنا وترجع فأبى..
فلما أصبح تهيأ أبرهة لدخول مكة، وهيأ فيلته وعبأ جيشه، فلما وجهوا الفيل العظيم محموداً، إلى مكة، أقبل نفيل بن حبيب، حتى قام إلى جنب الفيل، ثم أخذ بأذنه فقال: أبرك محمود، وارجع راشداً من حيث أتيت، فإنك في بلد الله الحرام، وأرسل أذنه فبرك الفيل، وضربوه ليقوم فأبى، وأدخلوا محاجن لهم في مراقّه فبزغوه بها، ليقوم فأبى، فوجهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك.
وأرسل الله عليهم طيراً أبابيل من البحر، أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر فيها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس، لا تصيب منهم أحداً إلا قتلته، وليس كلهم أصابت، ورجعوا هاربين، يبتدرون الطريق التي منها جاؤوا، ويسألون عن نفيل بن حبيب، ليدلهم على الطريق إلى اليمن فقال: «كل القوم تسأل عن نفيل».
وأصيب قائدهم أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم، يتساقط لحمه وجسمه أنملة أنملة، كلما سقطت أنملة تبعها القيح والدم، حتى قدموا به صنعاء، وهو مثل فرخ الطائر فما مات، حتى انصدع صدره عن قلبه.
فكانت قصته عبرة لمن يريد بالكعبة سوءاً، وحمى الله بيته وحرمه من كيد أبرهة مختصراً من البداية والنهاية 2: 172-173.
|