* متابعة تركي ابراهيم الماضي:
د. البازعي:
أود ان أرحب بكم جميعا وبالذات الاستاذين الكريمين اللذين يشاركان في هذه الندوة وأود ان أعتذر عما حدث من لبس تجاه موعد بدء هذا اللقاء فقد جاء البعض مبكرا لسوء فهم او سوء اعلان واشكركم جميعا على مواصلة الاهتمام بهذا المنتدى الثقافي الذي يتواصل من خلال جريدة الجزيرة وكما نشر في الصحيفة من اعلان عن هذا الملتقى فهو في الواقع الاول من نوعه، وما زال الوحيد من نوعه الذي تتواصل فيه الصحافة الثقافية بالساحة الثقافية بشكل عام ويتاح لنا وانا احد المنتمين الى الساحة الثقافية ان نلتقي ونتحاور حول قضايا نعدها من القضايا المهمة لأمتنا العربية والاسلامية ومما يجدر بنا ان نطرحه ونتحاور بشأنه.
قضيتنا اليوم قضية في غاية الاهمية لكن قبل الحديث حولها او التعريف بها اود ان اعرف بالاستاذين الكريمين المشاركين في هذه الندوة:
فمعنا الدكتور شعبان محمد عبد الله سلام وهو استاذ في كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود والدكتور شعبان يعمل كمنسق للغة العبرية بالكلية وهو رئيس هيئة محرري مجلة جامعة الملك سعود فرع اللغات والترجمة من اعماله في هذا المجال معجم «المختصرات العبرية» «البحور والاوزان العبرية»، «التأثيرات العربية في البلاغة العبرية»، «الصور والافكار العربية في الشعر العبري»، «ترجمة الاحاجي والالغاز بين الحرفية والتصرف»، «منهج العرب في نقد اليهود للادب» بالاضافة الى عدد آخر من البحوث المتخصصة في الادب العبري.
معنا ايضا الدكتور عبد الله بن ابراهيم العسكر، وهو استاذ التاريخ بجامعة الملك سعود وكاتب معروف لنا جميعا في الصحافة المحلية له عدد من الكتب آخرها كتاب باللغة الانجليزية صدر في لندن عن دار اثاكا بعنوان «اليمامة في صدر الاسلام». وله مشاركات ثقافية عديدة.
والاستاذان الكريمان كانت لهما مشاركة مهمة في ندوة «حوار الحضارات» التي اقيمت مؤخرا في مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض وكان مما أسعدني ان اطلع كأحد اعضاء اللجنة التحضيرية لتلك الندوة على البحثين اللذين قدمهما الاستاذان الكريمان لتلك الندوة، والواقع انني ممن استفاد كثيرا مما طرحه الدكتور شعبان والدكتور عبد الله في تلك الندوة حول علاقة اليهود بالثقافة العربية الاسلامية وكان من الملائم ايضا ان يكون هذا الموضوع مطروحا ايضا في المنتدى الثقافي لجريدة الجزيرةلأهميته، ولاشك ان الاستاذين الكريمين ممن يستطيع ان يضيفا الى معرفتنا بهذا الموضوع فاليهود في الثقافة العربية الاسلامية موضوع كبير لاشك واكثر من يدرك ضخامته هم المختصون فيه.
لن أستبق الحديث فأنا لست مختصا في هذا الموضوع وانما فقط اشير الى انني شخصيا تطور لدي بعض الاهتمام في جانب آخر من هذا الموضوع يتصل بحضور اليهود في الثقافة الغربية.
فبوضعي متصلا اتصالا اكاديميا بالثقافة الغربية بشكلها الانجلو امريكي لاحظت حضورا ضخما للمفكرين والكتاب والعلماء من اصل يهودي فحاولت ان أتتبع كيف استطاع هؤلاء ان يتركوا اثرا في الثقافة الغربية.
ومن ناحية اخرى وجدتني اسأل في المقابل عن حضور اليهود في الثقافة العربية الاسلامية لان الحضور اليهودي متصل ببعضه البعض سواء كان في الثقافة الغربية او العربية ومن تتبع الحضور اليهودي في الثقافة الغربية سيجد انه ليس بعيدا عن الحضور اليهودي في الثقافة العربية الاسلامية فهم يتحدثون مثلا عن ابن ميمون كشخصية مركزية في تطور الفكر اليهودي بشكل عام ولكن يمكن النظر الى ابن ميمون ايضا في سياق الثقافة العربية الاسلامية لانه كتب بالعربية وتحدث وهذا فقط نموذج صغير من النماذج الكثيرة التي سيحدثنا عنها الاستاذان الكريمان وهم الاقدر مني على ذلك.
هناك عدة عناصر خطرت على بالي يمكن ان نتحدث حولها لكنني قبل ان اطرح هذه العناصر اود من الاستاذين الكريمين ان يتحدثا بشكل عام عن اهمية الموضوع او بالاحرى ان يعرفا بالحضور اليهودي بخطوطه العامة، وحسب الترتيب التقليدي سأبدأ من اليمين الدكتور عبد الله العسكر فليتفضل.
د. العسكر:
قبل ان نبدأ في هذا الموضوع الموضوع ليس محدداً في ذهني عندما دعيت للمشاركة لكنني لاحظت ان هناك اصطلاحات على الاقل ثلاثة تتوزعها الثقافة العربية بخصوص المسألة اليهودية: كلمة «يهودي او يهود» وكلمة «اسرائيلي» وكلمة «عبري» وحتى اليهود انفسهم عندهم اشكالية كبيرة في اعطاء تعريف دقيق لهذه الاصطلاحات الثلاثة وعندما قامت الدولة العبرية سنة 1948م واجه اليهود هذه المشكلة هل يقولون انهم يهود ويعطون الجنسية كيهودي ام يقولون انهم عبريون وتكون الجنسية العبرية وبعضهم وجدوا الحل الوسط ارتضوه وما زالوا يقومون به ويعتمدونه في ادبياتهم وفي كتاباتهم فهم على سبيل المثال لا الحصر اعطوا كلمة الاسرائيلي للجنسية وخصصوا كلمة يهود او يهودية للدين واعطوا كلمة عبري للثقافة، فهم يقولون الثقافة العبرية ولا يقولون الثقافة اليهودية او الاسرائيلية، ويقولون مثلا ادبيات عبرية ويقولون الدين اليهودي، ويقولون الجنسية الاسرائيلية ولا يقولون الجنسية اليهودية او الجنسية العبرية، حتى هذه فيها مشكلة ليس فقط عند العرب في العصور الاسلامية المبكرة.
فلدينا الآن علمان من اعلام اليهود في الثقافة العربية في العصور الاسلامية المبكرة احدهما ذكره الدكتور سعد وهو موسى بن ميمون صاحب الكتاب المشهور «دلالة الحائرين» والآخر سعد الفيومي وهو اول من ترجم التوراة للعربية والحقيقة ان سعد الفيومي يعتبر عربياً لكنه من اليهود ولما رأى الحضارة العربية والفلسفة العربية الاسلامية المتعمقة ثم رأى التوراة وما فيها من اساطير عمل تحريفات كبيرة وغير التوراة الى ترجمة غير صحيحة.
واحب ان ابدأ بهذه القضية قضية الثقافة اليهودية في الادبيات العربية المبكرة.
في الواقع ان كل ما قيل عن الادبيات اليهودية والعبرية المبكرة في الادب العربي والثقافة العربية والاسلامية المبكرة كلام هراء لانه لم يكن لليهود او للاسرائيليين او الثقافة العبرية حضوراً او ادبا واضح في العصور الاسلامية المبكرة لعل اول كلام يمكن ان يسجل في الثقافة اليهودية هو في العصر العباسي الثاني اما ما قبل ذلك فليس هناك اي اثر للثقافة اليهودية.
الحقيقة ان العصر الذهبي للثقافة اليهودية هو في الاندلس الاسلامية، وهذا امر لا خلاف فيه ولا تتناطح فيه عنزان والسبب هو الارضية الثقافية المنفتحة التي وفرها المسلمون في الاندلس للاقليات او للطوائف فكتبوا نثرا وشعرا وادبا وسياسة وترجموا ودخلوا في مناظرات ودخلوا في مجادلات مع النصارى ومع المسلمين، وهؤلاء كثيرون مثل اسماعيل ابن النغرلة تبوأ منصب الوزارة في عهد حبوس وابنه باديس حاكمي غرناطة ولما مات اسماعيل خلفه في الوزارة ابنه يوسف الذي لا يقل عن ابيه اخلاصا لدينه واثروا الثقافة اليهودية واستطاعوا ان يستفيدوا من التطور الحضاري الثقافي الاسلامي وينقلوه الى اللغة العبرية وينقلوا ايضا بعض الكتابات العبرية الى اللغة العربية حتى ان احدهم اراد ان يتحدى الحضور من شدة تعصبه لوزيره وقال: انا مستعد ان احول القرآن الكريم الى نظم لشعر كامل وكان قادرا وكان شاعرا فحلا متمكنا من اللغة العربية ومتمكنا من اللغة العبرية هذه مداخلة بسيطة في بداية الموضوع.
شعبان:
اشكر زميلي الدكتور سعد البازعي على هذه الدعوة الكريمة وابدأ باسم الله الرحمن الرحيم وفي عجالة ايضا اقول ان هذا الموضوع كبير ومتشعب ومتشابك ولكن سيساعدنا الحضور في طرح التساؤلات التي تضيف معلومات الى جوانب ما سنقول:
أولا: سأقسم الحديث في هذا الموضوع الى جزأين:
الجزء الاول: يتعلق بالمفاهيم التي وقرت في اذهاننا. هذه المفاهيم اخذناها من الناحية الشكلية ولكن لم نتعمق في مسبباتها. اقول على سبيل المثال اننا نصف اليهودي بأنه بخيل ونصف اليهودي بأنه مراب الى آخر الوصايا العشر التي بالايمان بها والالتزام بها ومع ذلك تجده يخرج عنها. المنطلق الذي يجب ان نعرفه انهم خرجوا بهذا التحريف من منطلق فقرة في العهد القديم تقول «تكونوا لي شعبا واكون لكم إلها» او العكس «أكون لكم إلها وتكونوا لي شعبا».
هذا معناه انهم يعتقدون ان الإله خاص بهم فقط وانهم هم الشعب الوحيد لهذا الإله وبالتالي انهم ملتزمون بهذه الوصايا العشر تماما يطبقونها تماما ولكن مع من؟؟ هذه هي النقطة مع اليهود بين اليهودي واليهودي، لكن بين اليهودي وغير اليهودي فهذا امر آخر لذلك وجدنا اننا نصفه بالبخيل ونلمس ذلك بالفعل لكنه ليس بخيلاً بينه وبين اليهودي وإلا بم نفسر التبرعات المستمرة بملايين الدولارات التي تذهب الى اسرائيل؟ هل هذه من بخلاء؟ فعندهم وبصفة مستمرة ما يسمى بالجباية اليهودية وهي مستمرة سنويا ويذهب اليها بعض الحكام من اسرائيل ليجمعوا الاموال وامثال كثيرة من هذا القبيل.
اذا هم ينفذون بالضبط ما جاء في التلمود فلكي نكون منصفين نقول: ان الجزء الاكبر من اليهود الذي يؤمن بهذا الكتاب «التلمود» اما الجزء الاقل فهو لا يؤمن به لكن هذا الكتاب فسره حاخامات اليهود كما يتراءى لهم بمعنى انهم قالوا: ان «لا تقتل» في الوصايا العشر تعني انك لا يجب ان تقتل اليهودي مثلك ولكن يمكنك ان تقتل غير اليهودي.
اما بالنسبة للبخل فقد قيل في التلمود: ان كل ما لدى غير اليهودي هو في الواقع ملك لليهود ولكنه بطريقة او بأخرى يعود الى غير اليهودي ومن واجبك ايها اليهودي الديني ان تستعيد ما لدى غير اليهودي اليك وبأي طريقة من الطرق وهنا اصبحوا «ميكافيليين» قبل ان يولد ميكافيلي نفسه والغاية تبرر الوسيلة والحوار طويل لكن انتقل الى الجانب الآخر وفي صلب الموضوع وهو اليهودي في الثقافة العربية وايضا هنا نقف في اتجاهين الاتجاه الاول هو هل اليهودي استفاد من الثقافة العربية والى اي مدى؟
والسؤال الثاني العكس: هل افاد اليهودي الثقافة العربية بشيء؟ ويجب ان نرد على هذين الامرين واقولهما بسرعة.
وانا لن اقول كلاما من عندي ولكن سأقول كلاما من اليهود انفسهم وهذا هو الاوقع لانني مهما قلت لن اصدق لانني عربي ومسلم وماذا يقول عربي ومسلم عن العرب والاسلام ولذا احضرت ما قاله هؤلاء اليهود بأنفسهم وألسنتهم سواء في العصور المتوسطة او الحديثة فهذا يكون اكثر اقناعا نقول باختصار ماذا استفاد اليهود من العرب او من الثقافة العربية؟
اول شيء استفادوه هو الامن وقد اعلنوا ذلك الثاني وهو معاصر للامن وملازم له وهو السلام الامر الثالث ارتقاء اعلى المناصب في الحكومة الاسلامية وهذا ما لم يحدث في تاريخ اي امة من الامم لدرجة ان منصب الوزير قد شغله خمسة من اليهود اذكر منهم خمسة على مراحل متفرقة ومختلفة اذكر منهم ابن شبرود وكان سفيرا وكان مترجما وكان وكان فارتقى هذا المنصب بحكم كفاءته.
الوزير الثاني المشهور وهو الاديب شموئيل او صموئيل ابن النغرلة ويكتب خطأ في بعض الكتب ابن النجديلة تحريف او تصحيف وهو بالراء وسمي ابن النغرلة لان امه كانت «نغرو» اي زنجية فهذا ليس لقب أبيه بل صفة له واسمه «شموئيل هناجيد» ولقب بلفظ «هناجيد» لان كلمة «لنجيد» في اللغة العبرية تعني المحافظ او رئيس القوم او زعيم القوم وكان زعيم الطائفة اليهودية فاطلق عليه «هناجيد» وهي كلمة عبرية هذا ايضا شغل منصبا وزاريا وكانت له حوارات ومجادلات مع المسلمين والاسلام وله محاورة ورد عليه ابن حزم الاندلسي في كتاب سماه «الرد على ابن النغرلة اليهودي» وكان يغالط ويحاول ان يزرع الشك في قلب المسلم الذي لا يعرف القرآن معرفة تامة يقول مثلا الآية كذا تتناقض مع الآية كذا الواردة في سورة كذا فرد عليه ابن حزم لدرجة انه قال انه وجد في القرآن الكريم بعض آيات موزونة ومقفاة وقال الدليل على ذلك انني استطيع ان اضع آية من القرآن او جزءاً من آية من القرآن في بيت من الشعر.
نقشت على الخط سطرا من كتاب الله موزون «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون» هذا ما قاله وهذا ما هو مسجل.
وايضا في عجالة نقول: ان احد اليهود وهو موسى بن عزرا وهذا شاعر كبير ايضا وناقد ادبي.. الخ وصل الى منصب صاحب الشرطة، هذا يهودي في حكومة اسلامية ومع ذلك يشغل على هذا المنصب الخطير وهو صاحب الشرطة.
الاستفادة الاكبر والاوسع لليهود من احتكاكهم بالعرب او عيشهم مع العرب وبالذات في ظل حكم الاندلس استفادة لا حصر لها.
استفادوا اولا في احياء اللغة العبرية من العربية استفادوا من تطبيق القواعد التي وجدت عند العرب ومناهج العرب في كتابات القواعد وتسجيل القواعد لوضع قواعد للغة العبرية التي لم تكن مدونة اي القواعد.
استفادوا ايضا انهم بدأوا يفكرون في اشياء كانت محرمة عليهم فقد كان ممنوعا عليهم الاشتغال بغير ما يتعلق بالعهد القديم او التوراة واي شيء غير هذا يعتبر نوعا من الكفر، فوجدوا المسلمين يتحدثون في كل شيء ويبحثون في كل شيء فبدأوا يطبقون هذه الامور وهذه استفادة ايضا استفادوا في جميع المجالات الادبية والعلمية والثقافية والفكرية والفلسفية الخ..
لكن نأتي الى الجانب الآخر ما الذي افاده اليهود للعرب هل قدموا لنا فائدة؟
د. البازعي:
قبل أن ننتقل الى هذه النقطة المهمة وهي جانب آخر من جوانب الحديث أود ان نتوقف عند بدايات العلاقة بين اليهود والمجتمع العربي الاسلامي الاشارات الى اليهود في القرآن الكريم واضحة وهي تعود الى بدايات الاسلام هل يمكن ان نتحدث عن تلك المرحلة المبكرة من مرحلة الحضور اليهودي؟
د. العسكر:
كما هو معروف في كتب السيرة ان اليهود كانوا موجودين في الجزيرة العربية فيما لا يقل عن اربعة اماكن مثل يثرب وهي المدينة المنورة واليمن منطقة اليمامة ثم في منطقة يقال لها البحرين وهي الاسم القديم للاحساء والقطيف وما جاورها من جزر.
هذا هو المسجل والمتواتر في الروايات العربية طبعا الكثافة موجودة في اليمن ويثرب انما الوجود اليهودي في اليمامة او في البحرين لعله استمر الى منتصف الدولة الاموية الا انه بعد ذلك لا نجد اي اشارة لوجود يهود في وسط الجزيرة ومنطقة اليمامة بالذات، اما اليهود في يثرب فالروايات متواترة على ان لهم امكانيات سياسية واجتماعية واضحة، احتكوا بالعرب قبل الاسلام واحتكوا بالعرب مسلمين وكان من نتيجة الاحتكاك ما لاحظته في الروايات الاسلامية وحتى في بعض آيات القرآن.
القرآن المكي والآيات المكية لا تضمن ذكرا كثيرا لليهود، ولا نجد حتى فكرة تدعم المجادلة بين الاسلام وغيره من الاديان رغم انهم كانوا يشكلون هاجسا كبيرا للرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة وبعد مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة نجد الاحتكاك واضحا حتى على مستوى الآيات القرآنية فبدلا من ان يتحدث القرآن الكريم عن التوحيد وعبادة الله نجد انه يتحدث عن نقاشات فكرية دينية: يسأل اليهود المسلمين من الاوس والخزرج ثم هؤلاء ينقلون للرسول اسئلة اليهود ثم يأتي جبريل ويأتي الوحي ليرد على اسئلتهم لان الاحتكاك الثقافي والسياسي بدا واضحا جدا بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة، اما قبل ذلك فلا نستطيع ان نقول حقيقة ان هناك علاقة كبيرة هذه نقطة.
النقطة الثانية بالنسبة للادبيات لم اجد ان اليهود في جزيرة العرب من اليمن وشمالا في عهد الرسول وعند الخلفاء الراشدين وعهد الدولة الاموية لم نجد انهم خلفوا تراثا مكتوبا ادبيا المعروف ان الموجود روايات شفهية يتناقلها اليهود بينهم، يقال: ان هناك صحائف ولكن لم تصل الى المسجل او الراوي او الى العالم الاسلامي الذي اعتنى بكل الروايات حتى الروايات الاسطورية والروايات العربية الجاهلية القديمة لم تصل اليه ولم اجد انه قال اطلعت على وثيقة تعود الى عصر النبي او الى عصر الخلفاء الراشدين.
اذاً اذا كان هناك من ثقافة او ادب او علم او تاريخ يهودي سجل فلابد انه سجل في منتصف العصر العباسي او بعد ذلك، اما ما قبل ذلك فليس هناك في الحقيقة اي احتكاك ثقافي مكتوب.
د. البازعي:
اعتقد ان الدكتور شعبان لديه ما يضيفه الى هذا الكلام ولعلك يا دكتور شعبان في تعليقك على هذه القضية من بدايات التفاعل الثقافي بين اليهود والعرب والمسلمين الى مسألة الاسرائيليات لاني اعتقد انها من القضايا المطروحة كثيرا، فقد حملت الثقافة العربية هذا الجنين المقلق منذ بداياتها الذي يدخل في بنية الثقافة الاسلامية فهلا اشرت الى ذلك.
د. شعبان:
صحيح أن اليهود لم يكن لديهم كتابات او تراث بالمعنى المفهوم قبل الإسلام او حتى قبل الاحتكاك بالعرب والعيش بينهم لم يكن هذا السبب بسيط جداً، فقد قلنا إنهم كان محرماً عليهم التفكير في أي شيء سوى العهد القديم أي الكتاب المقدس وكل شيء ماعدا ذلك يعتبر كفراً وإلحاداً فلم يكن هناك شيء من هذا القبيل والشي الآخر الذي يؤكد هذا الكلام ان لديهم شيئا يسمى بالشريعة الشفوية. فهناك شريعة كتابية او مكتوبة وهي نصوص العهد القديم فقط، أما الشريعة الأخرى فهي شريعة شفوية ومفهوم من معناها أنها تتناقل جيلاً بعد جيل، ومن ثم فقد بدأ ينشأ بين الحاخامات وبعضهم البعض تراث بعد ان تأثروا بالعرب وقلدوهم. بعد ذلك بدأوا يكتبون لأنفسهم كتابات خاصة بهم يتميزون بها. لكن الأثر العربي لم ينته، وهو موجود في هذه الكتابات حتى لو تنوعت موضوعاتها فأصبحت خصوصيتها يهودية كاملة ولكن الأثر مايزال موجوداً في أماكن كثيرة، منها مثلاً: إذا كتبوا موشحات باللغة العبرية عن موضوع ديني فالأساس هو البنية الخاصة بالموشح الذي لم يكن معلوماً لديهم، والموشح عربي وكذلك هي المقامات والأشعار الموزونة المقفاة حتى لو اختلف الموضوع وأصبح موضوعاً يهودياً بحتاً فهو قائم على المقياس والمعيار العربي الذي تأثروا به.
ثانياً: ان اليهود عندما وجدوا في الأندلس ان هناك حياة استقرار ورفاهية بدأوا يهاجرون من الدول الأخرى المجاورة وغير المجاورة الى الأندلس فبدأت تتركز هذه المجموعات اليهودية في الأندلس فضلاً عن أن بعض اليهود الأثرياء كانوا يشجعون الدراسات التلمودية والعبرية داخل قرطبة، مثلاً: فاستقطبوا اليها بعض الكبار من الحاخامات فأغلقت مدرسة بابل مثلا اليهودية لأن الحاخامات المعلمين الذين كانوا فيها هاجروا الى الاندلس.
أما الإسرائيليات فهذه هي الطامة الكبرى التي نجدها متفشية في التفسير وأيضاً سنجدها في بعض الأحاديث، هذه الإسرائيليات دخلت بطريقتين، الطريقة الأولى: عن قصد- والطريقة الثانية عن غير قصد. لنترك التي عن قصد لان من المعروف لماذا هي عن قصد، اما التي عن غير قصد فقد دخلت عن طريق اليهود الذين دخلوا الإسلام فنقلوا معهم المعتقدات القديمة التي اخذوها من اليهودية ولما كان القصص الإسلامي لا يتحدث عن تواريخ وان العهد القديم يتحدث عن تواريخ لأمثال هذه الأشياء فرأوا ان يأخذوا هذا الكلام الموجود في العهد القديم وان من الممكن ان يقدموا به تفسيرات معينة، وهذا الذي نسميه عن غير قصد لأنه كان يهودياً ثم اسلم ويعتقد انه يساهم بشيء.
أما الذي عن قصد فمعروف انه يريد ان يضع سموماً معينة في داخل كتابات يعتقد أو يؤمن بها المسلمون فوضعها لهذا.
كانت هناك محاولات لتنقية هذه الإسرائيليات ولكنها كانت محاولات فردية محدودة مثل الشيخ الذهبي -رحمه الله- كان له كتاب في هذا وبعض الناس كان لهم كتابات ولكن مازالت الإسرائيليات موجودة ومتفشية وتحتاج الى حرص في تناولها وفي معالجتها بمعنى أنه ليس أي إنسان يستطيع ان يقحم نفسه في هذا المكان.
د. البازعي:
يبدو لي ان حديثنا عن الحضور اليهودي في الثقافة العربية الإسلامية يقودنا بالدرجة الأولى الى الأندلس كأنها المرحلة الذهبية. لقد اردت فقط ان نعود الى البدايات لكن في المرحلة الأولى التي قبل الأندلس مرحلة العصر العباسي المعروف ان رموزاً كثيرة من اليهود وصلت الى اماكن مرموقة في هذا العصر، وهناك علماء أيضاً فلعل الدكتور عبدالله يحدثنا عن هذا الجانب.
د. العسكر:
أولاً تعليقاً على ماسبق بالنسبة للإسرائيليات.
الإسرائيليات عبارة عن كم هائل من الأدبيات الدينية والأدبية والايدولوجية التي استعملت لتفسير بعض آيات القرآن الكريم وفي تفسير بعض الأحاديث وفي دعم التأليف التاريخي العربي في بدايته.
الواقع ان المنتشر عند الناس ان الإسرائيليات من صنع اليهود وهذا حقيقة فيها مبالغة.
صحيح انها من صنع اليهود ولكن الذي وسع الإسرائيليات وأعطاها الزخم الأدبي وأعطاها الانتشار الكبير وربطها بالأسباب والمسببات وأوجد لها أدلة من الواقع التاريخي هم المسلمون، هم العرب، العلماء والمؤرخون والفلاسفة وعلماء الدين أما لو تركت الإسرائيليات في بداياتها كما كانت عند اليهود فهي بسيطة.
فلو أخذنا تاريخ الطبري وأخذنا الآراء والأفكار التي يقال: انها تنسب الى بني إسرائيل طبعاً لا نستطيع ان نجد مادة مكتوبة تثبت ان الطبري استقاها من مصادر مكتوبة إسرائيلية حتى الروايات الشفهية التي تناقلها العرب المسلمون من الرواة مثل ابن شريه وغيره الذين كانوا يجلسون في مجالس الخلفاء الأمويين وسجلت في العصر العباسي هذه الروايات تراكمية لايمكن ان تكون وصلت الى الطبري بهذه الصورة المحكمة وبالشكل الدرامي او الشكل التراجيدي او الشكل البنائي المحكم، بل لابد أنها مرت من راوٍ اضاف اليها وراوٍ حذف منها. مثل أي اسطورة تبدأ صغيرة ثم تنتهي الى شكل مقبول من الناحية الأدبية.
هذه قضية وددت ان اشير اليها حيث مشهور لدى الناس ان الإسرائيليات الموجودة في الأدبيات العربية هي إسرائيليات بقضها وقضيضها، في مبناها ومعناها، وهذا غير صحيح. العرب ساهموا في إعطاء هذه الروح الإسرائيلية أو الأفكار الإسرائيلية أو الأسطورة الإسرائيلية، اعطوها زخماً كبيراً من البناء اللغوي والأدبي والخيال ونشروها ولو تركت لبني إسرائيل او يهود الجزيرة او اليهود الذين هاجروا في عصر النبوة الى الشام وتعلموا على يد المسلمين لما وصلتنا بالشكل الذي هي عليه الآن.
وبخصوص سؤال الدكتور سعد عن البدايات قلت: إن أول تسجيل رسمي لأول كلام مكتوب بالعبرية هو في العصر العباسي، وأنا أميل الى تسمية الديانة اليهودية بالديانة الموسوية لأن يهود هذا اسم احد أجدادهم القدماء، ولم تكن معروفاً أيام موسى أن الديانة التي تطلق عليهم هي الديانة اليهودية ولذلك كان المسلمون الأوائل يقولون الشريعة الموسوية، حتى في العصر العباسي، مع ان كلمة يهود ويهودي كانت معروفة في القرن الرابع قبل الميلاد.
كانوا قبل العصر العباسي يستعملون كلمة الشريعة الموسوية أما في العصر العباسي ونتيجة ترجمة بعض الأسفار اليهودية والتلمود والتوراة بدأوا يستعملون كلمة يهودي ويهودية.
أقول في العصر العباسي وفي المشرق الإسلامي قبل ان يعرف اليهود عصرهم الذهبي في الأندلس، كان لهم حضور واضح نتيجة للتسامح الذي عرفوه تحت ظل الحكومة الإسلامية في المشرق وخصوصاً في العصر العباسي الثاني، فقد كانوا يتمتعون بحرية التعبير والحرية الاقتصادية ولذلك كانوا يملكون عقارات ويملكون أسواقاً وخاصة أسواق النبيذ وأسواق الذهب تكاد تكون حكراً في بغداد على اليهود وكانوا يتمتعون بحرية التنقل ليس فقط التنقل للسياحة بل التنقل للتجارة ولدينا اشارات واضحة في المصادر الإسلامية على ان التجار اليهود كانوا يشاركون التجار المسلمين في جلب بضائع من الهند عبر الطريق المعروف من اليمن الى الحجاز ثم الى الشام او عبر السفن الى شط العرب ثم الى البصرة ومنها الى بغداد ثم الى بقية الديار الإسلامية.
إذا اليهود تمتعوا بحرية تامة وأنتجوا كتابات مهمة.
د. سعد:
أود الآن ان تنتقل الى تأثير الأدب اليهودي في الأدب العربي، ولعل د. شعبان تحدثنا في هذا.
د. شعبان: قلنا إن التأثير كبير ومتشعب ومتنوع ولكن نستطيع بسرعة ان نبرز بعض هذه الأشياء، لكن النقطة الثانية وهو التأثر هل هناك تأثير من الجانب اليهودي في الجانب العربي، وقد قلنا: إن الطامة الكبرى كانت في الإسرائيليات وان المسلمين قد ساهموا وساعدوا في ذلك وأقول: انهم ساعدوا في ذلك فعلا عن غير قصد لأنهم علموا وعرفوا هذا القصص من اليهود الذين يعاصرونهم ويعايشونهم فعرفوا هذه الأشياء أيضاً فكان ذلك ايضا بغير قصد، خاصة الذين كانت لهم القدرة على الكتابة ونسخ هذه المكتوبات، إذا لم تكن هناك طباعة.
النقطة الثانية ان اليهود أفادوا الثقافة العربية من جهة أخرى، هذه الإفادة لم يكن القصد منها هو إفادة العرب ولكنها أدت الى استفادة العرب وهي أنهم كانوا يتحدثون عدة لغات، اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً الخ، حتى اننا نجد عائلات بالكامل هي عائلات مترجمين فقط. متى كان هذا؟ كان هذا بعد ان ضاعت الأندلس أو ضاع الحكم الإسلامي في الأندلس. عندئذ بدأ اليهود يشتغلون بالترجمة وينقلون هذا التراث العربي الضخم ونقصد بالتراث بكل معانيه الواسعة، علم فلسفة، طب، هندسة، أدب، الخ، ونقل الى اللغات الاجنبية الأخرى فأفادوا أوروبا كلها، هذا بالإضافة الى المدارس التي كانت تقوم بالترجمة في صقلية وغيرها، هذا أفاد في نشر الثقافة العربية الى العالم الأوروبي والغربي عن طريق ترجمته الى اللاتينية والى لغات أخرى حتى اليهودي الذي كان يريد ان يعرف الثقافة العربية كان لابد له ان يترجم هذه الثقافة الى اللغة العبرية كي يتمكن من قراءتها وفهمها هذا من جانب الإفادة اليهودية.
أما الإفادة التي استفادها اليهود من العرب فهي كثيرة جداً، ولدينا نماذج على ألسنة اليهود أنفسهم من التأثيرات العربية التي كتبت باللغة العربية في بادئ الأمر ولم تكتب العبرية، لأن اللغة العبرية كانت في بداية إحيائها فلم تكن قادرة على ان تلبي الألفاظ الدقيقة التي يقصدها العرب فاضطروا الى كتابتها باللغة العربية ثم ترجمت بعد ذلك الى اللغة العبرية.
مثلاً سليمان بن جابرول تعلم باللغة العربية وكتب باللغة العربية عن الفلسفة وهناك كتابات في الفلسفة لليهودي أبي عمر يوسف بن الصديق وواضح فيه انه متأثر برسائل اخوان الصفا. كذلك يهودا اللاوى كتب كتاباً باللغة العربية وهذا لايزال مخطوطاً حتى الآن اسمه «الحجة والدليل في نصر الدين الذليل» ويقصد به نصر الديانة اليهودية على غيرها من الأديان الأخرى.
هذا لايزال بالخط العربي حتى الآن ومخطوط.
موسى بن ميمون كتب كتابه «دلالة الحائرين» باللغة العربية بخط مخطوط ونقله أحد الأتراك وهو الدكتور حسين أطاي ونشره باللغة العربية وفيه من الأدب والفقه.
والحريزي يعتبر في الأدب العبري ابا المقامات العبرية وهو آخر سلسلة من الذين حاولوا كتابات مقامات باللغة العبرية على غرار المقامات العربية. بعد اكثر من 66 أديباً يهودياً حاولوا وفشلوا جاء يهودا الحريزي وحاول كتابة هذه المقامات فبدأ أولاً بترجمة «مقامات الحريري» فترجمها الى اللغة العبرية وقال: إذا نجحت في هذا فسوف أضع مقامات عبرية خالصة، أي ان تكون موضوعاتها عبرية خالصة لان البنية بينة المقامة واحدة لم تتغير وقد نجح بالفعل في ترجمته للكتاب الأول من «مقامات الحريري».
كتب مقامات عنوانها «أي تي إيل» وأخذ هذا الاسم من اسم ورد في العهد القديم بعد ذلك عمل الكتاب الثاني الذي به موضوعات خاصة باليهودية فقط سماه «تحكموني»، أيضاً هذا الاسم اخذه من العهد القديم. هذه المقامات اذا تتبعناها بالمقارنة سوف نجد انه سار على خطى الحريري تماماً سواء في عدد المقامات او في الملحق أو الملاحق التي وردت في اواخر المقامات فقد كتب ايضا الملاحق.
د. البازعي:
أحد المؤرخين الغربيين المعاصرين من ذوي الأصل اليهودي يقول: ان أهمية اليهود في التاريخ الإنساني أنهم وسطاء الحضارة هم لم يبدعوا حضارة مستقلة لكن دائماً يلعبون دور الوسيط بوصفهم نقلة مترجمين.
فنحن نقول دائماً: ان الحضارة الإسلامية حفظت الحضارة اليونانية وهذا فيه مبالغة لان الحضارة الإسلامية أكبر من ان تكون مجرد أداة حفظ، فقد كانت اضافة كبيرة في حد ذاتها وليس مجرد حافظة، هذا المؤرخ يشير الى نقطة قوة في تاريخ اليهود وهي الحفاظ على الحضارة.
السؤال هو عن دورهم في نقل مافي اللغات الأخرى غير العبرية الى العربية مثل السريانية واليونانية هل كان لهم هذا الدور في التعريف بالثقافات الأخرى والنقل الى العربية؟.
د. العسكر:
لي تعليق بخصوص الاحتكاك العربي الإسلامي باليهود في المشرق العربي مقارنة بالاحتكاك العربي الإسلامي اليهودي في الأندلس، في المشرق ظهرت عند المسلمين مشكلة مع اليهود في العصر العباسي هي مشكلة النبوة لأنها في العقل اليهودي غير واضحة، معقدة ومتداخلة، وليس هناك أصل عبري لكلمة «نبي» لا نجد اصلاً لكلمة نبي في العبرية فليس لديها مفهوم دقيق وواضح عند اليهود فكلمة نبي عند العبرانيين مشتقة من الاشورية وتعني النداء ومن معاني الكلمة في العهد القديم ما يجعل من الأرواح الشريرة مصدر نبوة ولا يمكن لعاقل مسلم ان يتوقع ان روح شرير يصبح نبياً.
أيضاً وردت مجموعة من الأسماء والألقاب المعبرة عن ظاهرة النبوة مشتقة من الآرامية مثل «الحارس الراعي» بناء اليهود» هذا كله تعقد مفهوم النبوة، والطبري في تفسيره واجه مشكلة عندما أراد ان يتحدث عن الانبياء اليهود لأنهم يقسمون أنبياء هم الى ثلاثة أنبياء فرادى وأنبياء مجموعات وعندهم ما يسمى بالأنبياء النساء «نبيات». فعندهم نساء أوحي اليهن فكلمة نبي غير مفهومة عندهم ولكنها واضحة في المفهوم العربي والقاموس العربي لاتحتمل ما تحتمله الكلمة في الثقافة اليهودية، هذه المشكلة واجهها المسلمون مع اليهود، في المشرق العربي.
أما نوع المشكلة التي واجهها المسلمون مع اليهود في الأندلس، طبعاً واجهتهم مشاكل عديدة ولكن أغلب المشاكل التي واجهها المسلمون خاصة الذين ردوا عليهم وهم ابن حزم المتوفى سنة 499هـ وابو جعفر الخزرجي الذي توفي سنة 508هـ وانطاكية القرطبي المتوفى سنة 607هـ الخزرجي له كتابان مشهوران الأول: «أنوار المقال» والثاني «المقام المدرك في اتحاف المشرك» واجهوا مشكلة تتلخص في ان اليهود او ما يسمى بالعبرانيين شخصيتهم تتميز بثلاث صفات الأولى التعصب العنصري خاصة حول نقاء العرق العبراني، الثاني التعصب الديني وانهم شعب الله المختار، والثالث والأخير حتمية الصراع بين العالم وبين إسرائيل.
وعندهم أدبيات يطلق عليها «الاسكاتولوجيا» وهذه يرونها الآن في فلسطين حيث إن بعض حاخاماتهم في إسرائيل الآن ينظرون الى انتفاضة الحجارة وصدامهم مع العرب والمسلمين بوصفها نبوءة لبداية الصراع العالمي مع إسرائيل.
د. شعبان:
أول ما ترجم من علوم غير عربية الى العربية في الأندلس على يد اليهود هو كتاب ديكوريدس في الصيدلة أهداه الامبراطور البيزنطي الى الخليفة عبدالرحمن الثالث، وكان الكتاب باللاتينية فلم يستطع قراءته فاستدعى اليه اليهودي حسداي ابن شبروت واستعان بآخر لاتيني معه فترجما هذا الكتاب وكانت هذه الترجمة هي الدرجة الأولى او السلم الأول الذي صعده حسداي الى المناصب العليا فضلا عن انه كان طبيباً ايضاً، هذه كانت البداية في نقل علوم أخرى من هذا القبيل، أما التي كانت مكتوبة باليونانية فكان بعض الفلسفة اليونانية نقلت الى العربية ايضاً.
المشكلة او المعضلة التي وردت في اللفظ اللغوي لكلمة «نبي» هي انه عندنا في اعماقنا عندما تطلق كلمة نبي ينصرف ذهننا الى معنى واحد ووحيد، لكن الكلمة في اللغة تعني ان كل من يتنبأ بشيء فهو نبي وايضا من ضمن المعاني وهذه كانت من الغرابة التي قابلتها ان كلمة «نبي» تساوي ايضاً معنى «شاعر». هذه المسميات، ومنها الذي يتنبأ ويتنبأ، هي من ضمن دلالات الكلمة. أما كون اليهود لا يعرفون هذه الكلمة فأنا أقول: ان العهد القديم ينقسم الى ثلاثة أقسام:
التاء، والنون، والكاف، هذه ثلاث حروف الجزء الأول «توراة»، يبدأ بالتاء، والجزء الثاني بالنون وهو «نيفيئين» أي الأنبياء وحتى واضح باللفظ «نفي» يعني «نبي» ويتحدث عن أنبياء بني إسرائيل ثم الأخير وهو «كيتوبين» وهو المكتوبات وترجمة مالدى الآخرين من علم. نقول عندما فتح المسلمون الأندلس لم تكن اسبانيا فارغة كان فيها كل شيء، ولكن عندما افتتحوها واستراحوا من عناء الفتح بدأوا يفكرون ويشتغلون بهذه الأمور العلمية المتنوعة وجذبهم فيها تلك العلوم التي كانت موجودة، أما ترجمتها الى اللغة العربية فلا يزال الأمر غير واضح لي بالقدر الكافي ولكن بداهة نقول: إن هناك مترجمين اشتغلوا فيها أما كيف ومن هم الخ فهذا يحتاج الى دراسة.
د. البازعي:
ستظل هناك جوانب مهمة في هذا الموضوع لم تستكمل لضيق الوقت، أما الآن ونحن نصل الى نهاية هذه الندوة فسأترك المجال للدكتور عبدالله والدكتور شعبان كي يضيفا ما يرى كل منهما أنه ينبغي ان يضاف.
د. العسكر:
هناك نقطة واحدة أحب أن أشاطركم التعرف عليها، لقد قدر ان نصاب بالاحتكاك باليهود وإقامة الدولة العبرية التي ماكانوا يحلمون بقيامها وحتى الوثائق التي بدأت تظهر في أمريكا وفي ايطاليا وفرنسا نتيجة مرور خمسين سنة عليها وضحت أنه كان نوعاً من الحلم لدرجة ان بعض اليهود كانوا يتخوفون من قيام الدولة العبرية لأن هذا بما يعني عند بعض طوائفهم قرب نهاية العالم.
فاليهود تنازعهم فكرة اطلقوا عليها اسم «الاسكاتولوجيا» في أدبياتهم وتعني النهاية، والفكرة الثانية انه سوف تقوم معركة اسمها «هار مجدون» وأذكر انني كنت في أمريكا للدراسة في زمن رئاسة ريغان وكان لا يجيد السياسة فكان يمزح وينكت في مؤتمراته الصحفية ليجد لنفسه مخرجاً فسئل ذات مرة عن إسرائيل وغيرها فقال أنا لا أتمنى ان اعيش حتى اشهد معركة «هارمجدون» التي يموت فيها اليهود شهداء ويدخلون الجنة، قال ذلك من باب النكتة، ولكن هاتين الفكرتين مازالتا منتشرتين في عقلية اليهود وفي صراعهم مع العرب والمسلمين.
وكلا الفكرتين بحثت عنهما ووجدت انهما لم تكونا موجودتين لا في العهد القديم ولا في التلمود هما من الأساطير التي اضيفت الى الفكر اليهودي في أزمنة متأخرة وهنا سؤال حول متى اضيفت هاتان الفكرتان؟؟
هل أضيفتا عندما عاش اليهود في العصر الذهبي تحت حكم المسلمين في الأندلس ام عندما عاش اليهود مع المسلمين في العصر العباسي؟ لا استطيع ان اجيب ولكن عندي ميل ان هاتين الفكرتين اضيفتا الى أدبيات اليهود في الأندلس لأنه فعلا في الأندلس شهد الأدب والثقافة العبرية قفزة كبيرة على اليهود الأسبان او اليهود الذين هاجروا لأسبانيا.
وبعد ان سقطت غرناطة وهجر المسلمون من الجزيرة ماذا كان مصير اليهود؟ لقد طردوا من أسبانيا تماماً الى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا وهم الذين كانوا النواة الأولى للوجود اليهودي العبري الحالي.
د. شعبان:
إن كان هناك من كلمة في النهاية فهو ما أشار اليه الدكتور عبدالله وما يسمى عندهم بالعبرية «احاريت هايميم» يعني آخر نهاية العالم هذه فكرة ترتبط بقدوم المسيح لان المسيح كما يعتقدون لم يأت بعد وانه سوف يأتي في هذه النقطة التي يقولون عنها «احاريت هاريميم» وبالمناسبة أقول انهم توقعوا هذا التاريخ مرتين وثلاثة ولم يتحقق ولعل المرة الثانية التي توقعوها كانت في الأندلس.
وفي العصر الحديث توقعوها منذ 15 او 20 سنة وبعض الذين يؤمنون بهذه الخرافات من اليهود التزم بيته منتظراً مجيء المسيح لان هذه احاريت هايميم هي الأيام أو نهاية العالم.
القضية او المشكلة المطروحة الآن هي فكرة الصهيونية.
نحن نعرف الصهيونية بمفهومها السياسي الذي نراه لكن هناك صهيونية أخرى، فقد حرفوا الصهيونية الدينية وجعلوها صهيونية سياسية لتتماشى مع أهوائهم.
الصهيونية الدينية تقول: ان الصهيونية لن تتم إلا بمجيء المسيح والمسيح لم يأت إذا ليست هناك صهيونية، وهناك مجموعة من اليهود في اسرائيل لا تجند ولا تدخل الجيش ولا تعترف بأن هناك دولة اسمها إسرائيل لأنهم يؤمنون ان الدولة التي اسمها إسرائيل لم تقم إلا بمجيء المسيح والمسيح لم يأت! اذا هذه ليس هي الدولة الحقيقية وهناك طائفة صغيرة في القدس لها نظامها الخاص وحياتها الخاصة واسم الطائفة «لا تورعكارت» وهي طائفة قليلة العدد.
|