Saturday 15th June,200210852العددالسبت 4 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

عاصفة نارية مقبلة تثيرها أمريكا عاصفة نارية مقبلة تثيرها أمريكا
روبرت فيسك

في الوقت الذي كان يذكر فيه مناحم بيجن للرئيس الأمريكي ريجان بأنه يتخيل كما لو كان يهاجم هتلر في برلين كان الجيش الإسرائيلي يقوم بالفعل بمحاصرة مدينة بيروت ويقتل الآلاف من المدنيين. ويتجسد هتلر الآن في شخصية عرفات الذي يثير الشفقة فهل كتب علينا أن نظل ننصت لمثل هذا الهراء؟. بالفعل كان علينا نحن الأوربيين أن نستمع لهذا الهراء في البوندستاج الالماني قبل فترة بل استمعنا إليه في صمت مطبق و غير مألوف.
لقد خطر ببالي ما كتبه أحد كتاب الأعمدة الإسرائيليين معبرا عن ضيقه من اتخاذ الحرب العالمية الثانية كذريعة لتبرير الوحشية الإسرائيلية . إذ بدأ مقاله بقوله: إن هتلر قد مات. فهل سنظل نعيش دوما تحت ظلال حرب جرت وقائعها وحسمت نتيجتها قبل أن يولد الغالبية العظمى منا؟ هل كتب علينا أن نربط حياتنا بحياة لاعبين سياسيين من أمثال تشرشل وتاتشر وبلير وروزفلت؟
إلا أن هناك وجهاً خطيراً لهذا الأمر، و هو أن بوش يأمل في وضع الرئيس الروسي فيلادمير بوتين في وضع حرج يجعل روسيا تتبنى سياسة جديدة تقوم على تهديد إيران، فهو يريد استمالة روسيا إلى جانب الحلف الغربي المناوىء ل:«محور الشر».
تلك المقولة الساذجة التي دأب بوش على إلقائها على مسامع الجماهير، حقا لقد أصبحت المقولات الطنانة التي يطلقها الرئيس الأمريكي تشبه إلى حد كبير الأشرطة التي يسجلها أسامة بن لادن . كما أنه مازال يحاول الكذب بشأن الدوافع الكامنة وراء الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
ففي البوندستاج يصر بوش على القول: إن أعداء الغرب يكرهون العدالة والديموقراطية، وذلك على الرغم من أن معظم هؤلاء الأعداء من مسلمي الولايات المتحدة الأمريكية لا يكادون يعرفون ما هي الديموقراطية.
وإذا ما انتقلنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. فسوف نجد أن إدارة بوش مشغولة بإرهاب الأمريكيين وبث الرعب في نفوسهم . فلم يعد هناك حديث لها إلاعن هجمات نووية متوقعة، أو تفجير قنابل في شقق تقبع في أدوار عليا. أو الهجوم على جسر بروكلين . أو وجود رجال يرتدون أحزمة متفجرة - لاحظ كيف ألقت المقاومة الفلسطينية الشديدة ضد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة بظلالها على الحرب الأمريكية التعيسة ضد الإرهاب، إذا طالعت كلمات كل من بوش ونائبه ديك تشيني ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس خلال الأيام الماضية فسوف تكتشف أنهم أصدروا من التهديدات للأمريكيين ما يفوق ما أصدروه «لابن لادن».
ولكن لنعد إلى النقطة التي انطلقنا منها، وهي الأدلة على أن سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي نفسها سياسات إسرائيل، والعكس بالعكس، وهو ما يتجسد عبر البيانات الصادرة عن الكونجرس وما يبث في التليفزيون الأمريكي. من ذلك أن رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أعلن أن حزب الله- تلك القوة اللبنانية التي حطمت معنويات الجيش الإسرائيلي وأجبرته على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 - يخطط لشن هجمات على الولايات المتحدة. كذلك أذاعت شبكة تليفزيونية أمريكية أن حزب الله وحركة حماس وتنظيم القاعدة الذي يتزعمه ابن لادن قد عقدوا مؤخرا اجتماعا في لبنان من أجل التخطيط لشن هجمات على الولايات المتحدة . ورغم أن الصحفيين الأمريكيين يحرصون على ذكر المصادر التي استقوامنها أنباءهم، إلا أنه عند ذكر هذا الهراء الذي يتم تكراره بشكل مثير للاشمئزاز فلا يتم إسنادها إلى مصادر.
كذلك قانون محاسبة سوريا الذي قدم لمجلس الشيوخ الأمريكي من قبل أصدقاءإسرائيل في الثامن عشر من إبريل المنصرم، والذي يتضمن الادعاء الكاذب الذي أطلقه وزير الخارجية الإسرائيلي شيمون بيريز من أن حرس الثورة الإيرانيين يعملون بحرية على الحدود الجنوبية اللبنانية رغم أن قوات حرس الثورة الإيرانيين لم يكونوا موجودين في جنوب لبنان طيلة 18 عاما فلماذا يتم تكرار هذه الأكذوبة ثانية ؟ وبسبب الخوف من الإرهاب أصبحت كل من سوريا ولبنان والعراق وإيران تحت التهديد. أما رئيس وزراء إسرائيل إريل شارون الذي خضع للتحقيق والمساءلة من قبل إسرائيل نفسها بسبب مسئوليته الشخصية عن مذبحة صابرا وشاتيلا التي راح ضحيتها 1700 فلسطيني في بيروت عام 1982 - يعد في نظر بوش «رجل سلام». لقد أصبحت المشاعر العدائية في الشرق الأوسط تجاه الأمريكيين أمرا مجسدا، ففي دمشق اشتهرت سيدة تدعى مجيدة طابا لانها قامت بطرد القنصل الأمريكي روبرتو باورز من مطعم زوجها في السابع من ابريل الماضي وصاحت فيه قائلة: روبرتو أبلغ رئيسك جورج بوش أنكم جميعا لستم موضع ترحاب هنا، من فضلك اخرج، وعلى امتداد العالم العربي بدأ تطبيق مقاطعة البضائع الأمريكية بشكل نشط.
الى متى سوف يستمر ذلك؟ قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالثناء على الرئيس الباكستاني برفيز مشرف لمساندته للحرب على الإرهاب، ولكنها ظلت صامتة عندما قام بتنظيم استفتاء شعبي لكي يظل في السلطة، وتذكر الولايات المتحدة الأمريكية أن أعداءها يكرهونها لإنهاء ديموقراطية، ولكن هل الجنرال مشرف يشعر بالغضب. في تقديري أن أهمية باكستان تكمن في مساندتها في الحرب على الإرهاب لا في الحرب من أجل الحضارة، وإذا حدث واشتبكت باكستان والهند في حرب فإنني أراهن أن واشنطن سوف تقف إلى جانب باكستان غير الديموقراطية ضد الهند الديموقراطية.
وعلى اتساع الجمهوريات الإسلامية الجنوبية السوفيتية ( سابقا ) قامت الولايات المتحدة ببناء قواعد جوية تساعد على شن الحرب ضد الإرهاب أوضد أي جماعة إسلامية من جماعات العنف يمكن أن تجرؤ على تحدي نظم الحكم الديكتاتورية المحلية. فهذه القواعد الجوية ليست مقامة من أجل البترول . فتلك الأراضي الغنية بالغازوالبترول ليس لها أهمية اقتصادية بالنسبة لإدارة بوش . الرئيس بوش ماض في تنفيذ ما يريده أعداؤه بالضبط، فهو يثير العرب والمسلمين من خلال الثناء على أعدائهم، وإسباغ صفات الشر على دولهم . والسعى لضرب وتجويع العراق وإعطاء إسرائيل دعما غير محدود.
كل صباح أستيقظ إلى جانب شاطىء البحر المتوسط في بيروت يملؤني شعور بأن هناك مصيبة كبيرة سوف تحدث ان ثمة عاصفة نارية قادمة ونحن ببلاهة نتجاهل مقدمها . بل نثيرها

*«الاندبندنت» - خدمة الجزيرة الصحفية

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved